قضايا مترجمة: وجود المجني عليه مع الزوجة يخفض القتل العمد إلى شبه عمد 

 


 

 

حكومة السودان*

ضد

ا. ص. ت. (أس/ج/ 4/1957)


خلاصة أسباب الحكم:

(1) القول إن الاستفزاز يجب أن يكون مفاجئاً لا يعني أن الفعل الذي سبب الاستفزاز يجب أن يقع كله دفعة واحدة قبيل ارتكاب جريمة القتل مباشرة. الاستفزاز المتكرر المستمر من شأنه أن يشعل شعور المتهم إلى درجة يجعل الفعل المستفز الذي يسبق ارتكاب الجريمة مباشرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.

(2) لا تقاس درجة شدة الاستفزاز فقط بالفعل الذي أدى إليها لحظة ارتكاب الجريمة، بل بما سبقها من أفعال أيضاً.

(3) حالة الشقاق بين الزوجين ومغادرة الزوجة بين الزوجية للعيش في بيت أبيها لا يجعل من تعقب الزوج لها تعدياً فهو لا يزال زوجها الشرعي ولا يزال مستحقا لإخلاصها له.


الحكم


(رفعت الأورق إلى رئيس القضاء لتأييد الحكم بالإعدام وذلك بموجب المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني لسنة 1925)


القاضي/ محمد أحمد أبورنات/ رئيس القضاء:

وجدت المحكمة الكبرى أن المجني عليه المتوفى مارس الزنا مع زوجة المتهم مرتين قبل اليوم الذي وقع فيه حادث القتل. وكان المجني عليه في المرتين السابقتين قد حلف القسم على المصحف انه سيمتنع إلى الأبد عن مواقعة زوجة المتهم. اقتنع المتهم بذلك ولم يشتكي إلى السلطات.

في يوم الحادث ذهب المتهم في جنح الليل إلى القُطِّية (الكوخ) حيث تقيم زوجته. فقد ساوره الشك بأن زوجته تمارس الزنا مع شخص ما. قابلته الزوجة في باب القطِّية لمنعه من الدخول فاشتبكا فضربها بالعصا ومزقت الزوجة ملابسه لكنه تمكن من دخول القطية حيث وجد المتوفى بالداخل، فتصارعا ورمى المتوفى المتهم أرضا فكان المتهم على الأرض و"المرحوم" من فوقه، عندها قام المتهم بطعن المتوفى أربع طعنات بالسكين مسبباً وفاته في دقائق قليلة. موضع الطعنات يؤكد رواية المتهم بأن المتوفى كان من فوقه.

هذه الوقائع ثابتة دون أدنى شك معقول. وبناء على هذه الوقائع التي خلصت إليها المحكمة، قررت المحكمة أن المتهم غير مستحق للإفادة من العوامل المخففة لجريمة القتل العمد بموجب الفقرة (1) والفقرة (2) من المادة 249 من قانون العقوبات السوداني.

ولكني أرى أن المتهم يستحق الاستفادة من الأسباب المخففة تحت المادة 249 (1) من قانون العقوبات السوداني. وكانت المحكمة قد رفضت هذا الدفاع بحجة أن المتهم كان على علم سلفاً بخيانة زوجته له في المرتين السابقتين ولذا لا يجوز أن يسمع منه أنه استفز في المرة الثالثة.

وهذا تفسير خاطىء لأحكام هذه المادة من القانون. فإذا أقرّت الزوجة لزوجها بأنها ارتكبت الزنا مع رجل آخر فهذا يكفي في العادة سبباً لتمكين المحكمة من أن تعد جريمة القتل قتلاً شبه عمد.

وأما السؤال ما إذا كان الاستفزاز شديداً ومفاجئاً إلى الدرجة الذي يوقظ حفيظة الشخص لارتكاب الجريمة، فهذا يعتمد على طبيعة الاستفزاز ومدى تأثيره على الشخص المستفَز وعلى احتمالية توليده الأثر المماثل عند الأشخاص الآخرين.

فعندما يقال إن الاستفزاز يجب أن يكون مفاجئاً فهذا لا يعني أنه يجب أن يحدث كله دفعة واحدة قبيل ارتكاب جريمة القتل مباشرة. فقد يشعل الاستفزاز المتكرر المستمر شعور  الشخص إلى درجة يجعل الاستفزاز الذي يسبق الجريمة مباشرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير the last straw. في مثل هذه الحالة يجب دائماً أن تقاس درجة شدة الاستفزاز بما سبقها من أفعال وليس فقط بما أدى إليها لحظة ارتكاب الجريمة.

وفي هذه القضية لم يكن المتهم متعدياً كما فهمت المحكمة. فهو لا يزال زوجا شرعيا لزوجته برغم أنهما في حالة شقاق وأنها غادرت منزل الزوجية لتقيم ببيت أبيها، فهو لا يزال مستحقاً لإخلاصها له.

وأما فيما إذا كان المتهم يستحق الاستفادة من حق الدفاع عن النفس وتجاوزه حد ممارسة هذا الحق، فليس في حاجة منا لمناقشة مطولة. فالمتهم عندما دخل القُطِّية، كان دون شك يقصد أن ينزل عقاباً بالمجنى عليه أو أن يسبب له بعض الأذى. فوضع المتهم لم يكن وضع شخص هوجم وأراد الدفاع عن نفسه. لذلك أرى أن الفقرة (2) من المادة 249 من قانون العقوبات (تجاوز حد الدفاع عن النفس) غير منطبقة هنا.

وبعد أن خلصنا إلى أن الجريمة المرتكبة هي قتل شبه عمد، فالعقوبة في مثل هذه الحالات التي يستعمل فيها سلاح قاتل هي في العادة السجن 14 عاما. لذا أعدِّل العقوبة إلى السجن 14 سنة.



 *هامش:

نُشرت هذه القضية بمجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1957 ص 72 وقد ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية.



abusara21@gmail.com

 

آراء