قضايا: مطالبة المزارع شركة الري بالتعويض عن تلف محصوله .. ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

محكمة الاستئاف (العليا)

عبد القادر البلولة ............... مستأنف (المدعي)
ضد
مشروع السقاي الزراعي ...... مستأنف ضدهم

موجز الوقائع الثابتة:
وافق المدعى عليهم (مشروع السقاي الزراعي) على ريّ زراعة المدعي، وقد تم الاتفاق بعقد مكتوب، صراحةً على أنه إذا تعطلت طلمبات الري أو أصبحت سعتها غير كافية فإنه ليس من حق المدعي المطالبة بأي تعويض.
أثناء سريان الاتفاقية تعذر على المدعى عليهم، القيام بري زراعة المدعي لأن أحدى الطلمبتين لم تعد قادرة على سحب المياه نتيجة ظهور جزيرة رملية في قناة الري بينما كانت الطلمبة الأخرى تعمل بكامل طاقتها في تقديم خدمات الري لمزارعين آخرين.

خلاصة أسباب الحكم:
المدعى عليهم (مشروع السقاي) مسؤولون عن الفشل في ري زراعة المدعي لأن هذا الفشل لا يُعزى إلى تعطل الطلمبات أو إلى ضعف في سعتها كما نصت الاتفاقية، إذ كان عليهم مد زراعة المدعي بالمياه من الطلمبة الثانية، والزعم بأنها كانت تستخدم في ري مزارع أخرى ليس عذراً.

المحامون:
أحمد جمعة/ عن المستأنف (المدعي)
محمد إبراهيم خليل/ عن المستأنف ضدهم (المدعى عليهم).

الحكم

القاضي/ محمد أحمد أبورنات/ رئيس القضاء:
هذا استئناف مقدم ضد الحكم الذي أصدره قاضي المديرية بالخرطوم والمؤرخ 13 فبراير 1957 والذي شطب بموجبه دعوى المدعي التي طالب فيها بالتعويض عن الاخلال بالاتفاقية المكتوبة. ووقائع الدعوى الثابتة هي كما يلي:
المدعى عليهم هم المرخص لهم بالمشروع الزراعي بقرية السقّاي بالخرطوم بحري ومنطقة الريف. المدعي هو أحد المزارعين بالمنطقة.
في 19 يناير 1955 أُبرمت اتفاقية مكتوبة بين المدعي والمدعى عليهم التزم بموجبها المدعى عليهم بمدّ المدعي بالماء لري ثلاثة أفدنة من البرسيم، بسعر 75 p.t. للفدان في المرة الواحدة. هذه الوقائع ليست محل نزاع بين الأطراف.
وقد تضمنت الاتفاقية شرطاً صريحاً يقرأ: "عبد القادر البلولة (المدعي) ليس له الحق في المطالبة بالتعويض إذا تعطلت ماكينة الماء أو صارت سعتها غير كافية".
كذلك أدعى المدعي، ولم ينكر المدعى عليهم الوقائع التالية: المدعى عليهم ركبّوا في المشروع طلمبتي ماء أحدهما ماركة "بلاكستون" والأخرى ماركة "جينكير". في البداية كان المدعى عليهم يضخون الماء من الطلمبة "بلاكستون" واستمر ذلك لمدة شهرين ثم أخذوا يستخدمون الطلمبة "جينكير" واستمر ذلك لمدة ستة شهور تقريباً.
في أو حوالي 19 سبتمبر 1955 ظهرت جزيرة رملية في قناة الري التي تسحب منها الطلمبة "جينكير" المياه وسدت المجرى، بينما كانت الطلمبة الأخرى "بلاكستون" تقوم بتزويد مزارعين آخرين بالمياه. في ذلك الوقت كانت نصف مساحة الثلاثة أفدنة تستحق السقيا في 5 اكتوبر 1955 والنصف الآخر يستحق السقيا في 10 نوفمبر 1955.
في 10 نوفمبر 1955 تمكن المدعى عليهم من إزالة الجزيرة الرملية من قناة الري وصاروا جاهزين لاستئناف تزويد المدعي بالماء، فأرسلوا خطاب في 12 نوفمبر إلى شيخ القرية يطلبون منه أن يخبر المدعي أن يذهب إلى المشروع لاستقبال الماء في مزرعته. أخبرهم شيخ القرية أنه نقل محتوى الخطاب إلى المدعي غير أن المدعي رفض استقبال المياه في مزرعته بحجة أن محصوله قد مات من العطش، فنصف المساحة المزروعة لم تسقى لمدة 37 يوما والنصف الآخر ظل بلا ماء لمدة 25 يوماً.
بناءً على هذه الوقائع رفع المدعي دعواه على أساس أن هناك إخلالاً بشرط يمثل عماد العقد ألا وهو فشل المدعى عليهم في مدّ محصوله بالماء، ونتيجة لهذا الإخلال تكبّد خسارة فادحة.
ومن جهتهم يدفع المدعى عليهم، بأنه لا يوجد إخلال بالعقد لأن تشكّل الجزيرة الرملية سبب قصوراً في سعة ماكنة الماء "جنيكير" وبات من المستحيل عليهم أن يقوموا بتزويد المدعي بالماء من الماكنة "بلاكستون". بل ذهبوا إلى أنه ليس من الضروري لإخلاء مسؤوليتهم التمسك بشرط "تعطل الماكنة" نفسها، بل يكفي إثبات أن طاقتها أصبحت لا تسع incapacitated كمية المياه المطلوبة.
أرى أن المدعى عليهم قد أخلوا باتفاقهم مع المدعي. فالكلمات المستخدمة في الاتفافية تقول: "إذا صارت سعة ماكنة/ طلمبة الماء غير كافية" فإن المدعى عليهم غير مسؤولين. ولم تقل الاتفاقية: إذا ظهرت جزيرة أو اعترض شيء آخر الإمداد المائي.
وأما واقعة أن المدعى عليهم، لديهم إلتزامات أخرى منعتهم من تزويد المدعي بالمياه، فهذا ليس عذرا. (ومن ثم قدّر سعادة/ رئيس القضاء مبلغ التعويض وأصدر حكما لصالح المدعي مع الرسوم- المحرر)

القاضي/ محمد إبراهيم النور:
أوافق، لكن مع اختلاف طفيف في الأسباب.
البينّات المقدمة تظهر أنه عند إبرام الاتفاقية بين الأطراف كانت هناك طلمبة ماء واحدة لدى المستأنف ضدهم لتزويد المدعي بالمياه هي "بلاكستون". وبعد ستة أشهر قام المستأنف ضدهم بتركيب طلمبة ماء ثانية غيروا لها مجرى القناة لريّ زراعة المدعي من هذه الطلمية الثانية.
بعد مضي فترة من الزمن ظهرت جزيرة رملية سدت مجرى القناة مما أدى إلى توقف ضخ المياه. وبالتالي توقف امداد المدعى عليهم زراعة المستأنف (المدعي) بالماء بينما استمرت الطلمبة الأخرى "بلاكستون" تعمل بكامل طاقتها.
وكانت الاتفاقية قد تضمنت شرطاً يقضي بأنه لا يحق للمدعي المطالبة بالتعويض إذا تعطلت ماكنة الماء أو صارت سعتها غير كافية. ومن هنا يأتي دفاع المستأنف ضدهم (المدع عليهم) الذي أخذ به قاضي المديرية، وهو بما أن المستأنف وافق أن تزود مزرعته بالماء من الطلمبة "الماكنة" الثانية لمدة أربعة أشهر، قبل أن تصبح سعتها غير كافية، فإن الشرط الوارد بالاتفاقية والذي يحرم المستأنف من المطالبة بالتعويض إذا صارت سعة الماكنة غير كافية، قد تحقق لأن المقصود الماكنة التي تقوم بالفعل بتزويد المستأنف بالماء وهي الطلمبة الثانية.

لا استطيع أن اتفق مع قاضي المديرية الموقر في هذه الخلاصة. وذلك لأن المستأنف (المدعي) غير مسموح له أن يرفض استقبال المياه من أي طلمبة من طلمبات الريّ التي تكون في حيازة المستأنف ضدهم. كما أن المستأنف غير مسؤول عن قيام المستأنف ضدهم، بعد مضي ستة أشهر من الاتفاقية، بتوسيع رقعة المنطقة المروية وزيادة التزاماتهم وتركيب طلمبة ثانية لهذا الغرض.
إن جوهر الاتفاقية هو التزام المستأنف ضدهم بتزويد المستأنف بالماء لري مساحة الثلاثة فدان متى ما كان في استطاعتهم الفعلية القيام بذلك. وضعف سعة الطلمبة الثانية مؤقتا لا يجعل من المستحيل على المستأنف ضدهم تنفيذ التزامهم بموجب الاتفاقية ما دام الطلمبة الأولى ظلت تعمل ولم تتعطل. الوضع كان سيكون مختلفاً لو كلا الطلمبتين توقفتا عن العمل.
لذا أرى أن الاتفاقية لم تكن تهدف إلى الإشارة بصفة خاصة إلى طلمبة بعينها بقدر ما كانت تشير إلى وسيلة الري التي ستكون متوفرة لدى المستأنف ضدهم. وما دام الطلمبة الأولى ظلت تعمل ولم تتعطل فإن المستأنف ضدهم يكونوا قد أخلوا بالعقد حينما فشلوا في تزويد أرض المستأنف (المدعي) بالماء من وسيلة الري المتوفرة لديهم.
بخلاف ذلك فإنني اتفق تماما مع ما ورد بمذكرة حكم سعادة السيد/ رئيس القضاء.

القاضي/ مجذوب علي حسيب:
أوافق.

هوامش:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1957 ص17 ، Sudan Law Journal and Reports, 1957

عبد المنعم عجب الفَيا – 12 أكتوبر 2022

abusara21@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء