قطع دوائر الفساد من الفاشر إلى كوستي … بقلم: د. محمد وقيع الله
5 May, 2010
عاقب سيدنا أبو موسى الأشعري جنديا صحبه في غزو العراق عقابا عاديا ربما لا يزال الجند يعاقبون به في أنحاء شتى من عالمنا المعاصر.
أمر سيدنا الأشعري بحلق شعر الجندي المخالف للنظام العسكري.
وعدَّها الجندي إهانة بالغة لا تحتمل فحمل شعره الحليق مرتحلا به إلى المدينة ليقابل أمير المومنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وما أن أبصر الجندي عمر في مجلسه حتى قذف على وجهه بالشعر الحليق قائلا: انظر كيف يعاملنا رجالك.
لقد رد الجندي الإهانة، ليس إلى قائده العسكري المباشر، وإنما إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولم يرد الإهانة صاعا واحدة وإنما ردها أصواع عديدة.
وانتظر حضور المجلس أن يثور عمر ثم ينزل بهذا الجندي المخطئ المتمرد أشد ألوان العقاب.
ولكن رجل الدولة الملهم، سيدنا عمر الفاروق، رضي الله تعالى عنه، قال قولة لا يقولها إلا رجل مثله.
قال الفاروق رضى الله تعالى عنه وأرضاه: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر أمثال هذا الجندي الأنوف، فبمثل هذا الرجل الأبي تبنى الدول وتقوم.
وأمثال هذا الجندي الحمِيِّ الأنف هم الرجال حقا، أي الرجال الأحرار الذين لا يسكتون على ضيم.
إنهم لا يسكتون عن ضيم ولو حل بعيدا عن دارهم.
وما لهم من نسب بأشباه الرجال المهازيل الذين شعارهم وديدنهم: ابعد عن الشر وغني له.
وهم النفر المخازيل الذين يتكتمون على أسباب كل كارثة ومُلمة خوفا من المذمة، ومجاملة أو زلفى للمفسدين.
أعدُّ له برقَ الغمام:
وقد طرق أخونا الفاضل الأستاذ إسحق أحمد فضل الله في مقاله أمس بـ (الرائد) بعنوان (حكاية الفاشر) طرفا من هذا عندما تحدث عن بعض كبار المسؤولين الدارفوريين الذين لم يبصروا بروق العاصفة الاقتصادية الرعدية وهي تلتمع في أديم بلادهم.
وتحدث عن أعضاء بعض المجالس النيابية الدارفورية الذين قبلوا ترشيح بعض من كانوا يدبرون حريق سوق الفاشر.
وتحدث عن أجهزة أمن الولاية التي عجزت عن ترجمة ما كانت تراه رأي العين.
وما كانت هذه الأجهزة تراه رأي العين هو، فيما رواه إسحاق، أن من أداروا كارثة سوق المواسير كانوا ممن لا تخطئ العين صلاتهم بأناس ما منهم من أحد إلا وله تاريخ ملطخ بالشبهات.
وقد تحدث إسحق عن عجز هذه الأجهزة الأمنية عن ترجمة معنى أن يكون المتعاملون هؤلاء من فئات تنتمي أو تتهم بالانتماء إلى حركات مسلحة، وإلى قوات اليوناميد، وإلى دولة العدو الإسرائيلي، وإلى شخصيات متصلة بسياسيين تشاديين ما زالوا يدعمون المتمرد العنصري خليل إبراهيم .
الساكت عن الحق شيطان أخرس:
وهؤلاء العاجزون عن الرؤية، ممن ذكرهم أخونا الفاضل إسحق، لم يكن بهم من عجز إلا عن قول الحق المبين.
ولأجل هذا وصف أمثالهم من الساكتين عن قول الحق بالشياطين الخرس، لأن له صفات الشياطين في حب الشر وإشعال الفتن وإيراد الناس موارد الحتوف.
وهذه صفة كثيرة التفشي في مجتمعنا السوداني لبالغ الأسف الشديد.
وقد رأيت ملامحها وقسماتها مرارا وتكرارا، عند العامة وعند المسؤولين، حتى كدت أعدها صفة متأصلة في الثقافة الشعبية لبلادنا.
وأقول هذا مرة أخرى، مع بالغ الأسف الشديد.
فكم يرى الناس أصول الشر ومنابع الفساد ويتغاضون عن كل ذلك، أو يكتفون بأن (يغنوا) لكل ذلك من بعيد.
بل إنهم ليَعرضون أحيانا إلى من يُعرِّض بالفساد ويفضح أهله بالمذمة والملامة والتأنيب، واصفينه بالتطفل والحسد والعمل على قطع أرزاق الآخرين.
وقد تعرضت لكثير من هذا الملام، وأنا أُفصح أحيانا عن نقدَاتٍ لا تجاري أهواء السفهاء.
وما زهدني ذلك ولا ردني عن قول الحق في شيئ.
وذلك لأني لا أرى نفسي مسؤلا إلا أمام الله تعالى، ولست مسؤولا أمام أحد غيره، مسؤولا كان أو غير مسؤول.
إنقاذ كوستي من الفساد:
وكنت قد تحدثت قبيل الانتخابات منذرا ومهددا الأمنيين الكبار في جهاز الأمن والمخابرات الوطني من اتجاههم لترشيح أحد ضباطهم الفاسدين المفسدين في الانتخابات التي جرت قبل أسابيع خشية أن يقود فسادا مماثلا بكوستي والنيل الأبيض.
وقد سبق لهذا الضابط الفاسد أن زور بعض أوراقي الثبوتية وهددني بالتعذيب فما كان مني إلا أن عاملته بأشد من غضبة جندي العراق فصفعته على خديه المتوردين المتورمين من أثر النعمة المحدثة التي تلقاها لقاء خدمته المشبوهة لحكم الإنقاذ.
واليوم أحمد لجهاز الأمن والمخابرات الوطني أن استجاب قادته لأمري وحجبوا هذا الضابط الفاسد عن الترشح واليا لولاية النيل الأبيض أو نائبا لمدينة كوستي.
ولعل قادة الجهاز قد انتهى إليهم أن هذا الضابط الفاسد، الذي ينتحل لنفسه لقب مهندس وهو خريج زراعة، أمر الأمني الأول حسن الترابي بإلحاقه بجهاز الأمن، قد عمل على (هندسة) الشورى وتزويرها، وجعل نفسه مرشحا أوليا لولاية الولاية من قبل أولي الأمر في مجلس شورى المؤتمر الوطني هناك.
وإلا استمع جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى نصحي وإنذاري، وقام بتعطيل ترشيح ذلك الضابط الفاسد المفسد، فقد كنت على أتم استعداد للتصعيد معهم على كل صعيد، حتى أريهم نجوم السماء في رائعة النهار.
تغاضي المسؤولين بالفاشر عن الربا والريب:
فالتغاضي عن أمثال هؤلاء المشبوهين الفاسدين هو ما أودي بسوق المواسير بالفاشر وما أودى بجيوب بعض المواطنين وهدد أرواح الكثيرين.
فالعمليات التجارية التي كانت تجرى هناك على قدم وساق، هي عمليات ربوية مشبوهة ما كان ينبغي أن يسكت عنها أولو الشأن هناك.
وبعض هؤلاء الساكتين عن الريب هم من كبار المسؤولين.
وحسبما قال أخونا النقي الشريف إسحاق، فقد اتضح أن بعض المتهمين بنهب أموال المواطنين بعمليات البيوع الفاسدة اختبأوا من أعين الشرطة التي كانت تلاحقهم في بيت بعض كبار المسؤولين.
ومعنى ذلك أن هؤلاء المسؤولين ما كانوا يمتنعون عن فضح الريب وحسب، وإنما ظلوا يدارونه بدروهم، التي هي دور الدولة، التي ولتهم أمور المواطنين، وأوكلت إليهم أمر حمايتهم من المفسدين.
وفي هذا السياق روى إسحاق، رضي الله تعالى عنه أن:" ثلاثة من العصابة التي دمرت دارفور ممن صنعوا كارثة سوق المواسير يختبئون في منزل شخصية دستورية كبيرة وجهاز الأمن يحاصر المنزل ".
ويا ليت شعري من تكون هذه الشخصية الدستورية الكبيرة، فأمرها يهمنا أكثر مما يهمنا أمر من آوتهم من زمر المجرمين.
وقد روى صاحب السيرة قبل ذلك أن منتهى ظن المسؤولين بالخرطوم الذين يحققون الآن في جذور مؤامرة سوق المواسير كان يقول بأن المؤامرة هي بقيادة رائد فاسد بجهاز الشرطة.
وإذن فالأمر ليس ببعيد عن مستوى من تحدثت عنه بكوستي قبيل الانتخابات.
وراء الأكمة ما ورآؤها
وبالطبع فلابد أن يسأل كل مواطن بسيط هذا السؤال البسيط:
كيف غاب عن فطنة مسؤولي الخرطوم الكبار أن رائد شرطة، بالفاشر أو بغيرها من مدن السودان، يمكن أن يعمل منفردا ويسبب كل هذا الدمار بغير أن يتمتع بحماية أو مشاركة من مسؤولين كبار؟
مهما تكن إجابة المسؤولين فإنا قانعون بعاقبة أمر المجرمين.
حيث بشرنا إسحق، بشره الله تعالى بخيري الآخرة والأولى أن وزير العدل حشى حقيبته بخمسين من الكفاءات القانونية، ونثرهم في مرافق دارفور بحثا عن المجرمين.
وأن الدولة تكشر الآن عن أضراسها لتمضغ المجرمين والمتسترين.
وقد بشرنا إسحق بقوله إن تركيبة المؤتمر الوطني، فرع الفاشر، غدت محل نظر الآن، وإنها ما عادت فوق الشبهات.
وختم إسحق قوله المحنق قائلا: إن موسم غسل حزب المؤتمر الوطني، فرع الفاشر، من العناصر الفاسدة، وبعضها ممن ساقته الانتخابات الأخيرة إلى الفوز، قد بدأ بالفعل.
نسأل الله تعالى أن يكلل تلك المساعي التطهيرية الاستئصالية بالنجاح التام، وأن يقي الفاشر العزيزة كما وقى كوستى لفح الفساد.
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]