قف … أمامك وطن ! … بقلم: يحيى العوض

 


 

يحي العوض
30 November, 2009

 

السيد محمد عثمان ودكتور الترابى والمسرح

 

دكتور الترابى: مساعد رئيس الجمهورية ليس اسمه الحقيقى منى اركو ميناوى؟

مصير الرجل الذى جاء للسيد محمد عثمان بلباس اهل الجنة؟

زوار الليل يتشككون فى اجراء الانتخابات؟


yahyaalawad@hotmail.com

 

قف .. أمامك وطن، مثقل بجراحه !

تمهل ... الطريق لإتجاه واحد !

لا تجنح "ممتطيا صهوة قلم"!

والذاكرة المضادة .. تحاجج .. ما العمل ؟

لقد توحد مصير الوطن في مصير النظام الحاكم في قيد واحد!

كأننا نشاهد مشهدا من الستينات لأفلام جيمس دين، حيث سباق السيارات المجنون في طريق جبلي وعر يقود إلى هاوية سحيقة ... والفائز ليس من يصل أولا بل من يقترب أكثر من الحافة المميتة!..

ويخسر الجميع لأن النهاية والمصير كان السقوط القاتل !

       ما العمل ...؟

يجيبنا الرجل، الرقم الأول في المأساة الذي جاء بنظام الإنقاذ ومكنه ليقول لنا في جلستين استمرتا قرابة الثماني ساعات في يومين متتاليين بجناحه في فندق شيراتون الدوحة في الأول والثاني من نوفمبر2009م ...:

لا تنسوا مصير الإتحاد الإشتراكي في عهد الرئيس نميري ..تذكروا استعراض القوة عشية الإنتفاضة وعندما دنت ساعته خرج موكب مؤيد، ضئيل العدد لا يزيد على المئات بدلا عن الملايين من أعضائه المزعومين .. هكذا مصير النظم الشمولية ويضيف ...الكثيرون يزورونه.. من المعارضين ومن أهل النظام،في آخر الليل،وهم حائرون يتساءلون ... هل ستجري الإنتخابات !!؟

ولا أستطيع الإسترسال في الحديث عن حصيلة الثماني ساعات لأننا من جيل يتمسك بمقولة "المجالس بالأمانات" ... كان هناك وعدا أن يتم لقاء خاص بعد عودته من باريس للدوحة مرة أخرى خلال أسبوعين .. وطمأنني الأستاذ المحبوب عبدالسلام  بترتيب حوار فكري متميز .. وحرصت على حضور مجلسه مرتين ضمن  مجموعات من الزوار ليس بصفتي كاتبا أو صحفيا .. كان يتحدث دون انقطاع  في سلاسة وحيوية، طوف بنا عبر السودان وقضاياه المحلية والإقليمية والدولية والتحديات التي تواجهها التنظيمات الإسلامية في مصر والجزائر وتونس وكذلك كتبه في التوحيد والفقه، وأدهشنا بحافظته في الشعر عبر المتنبي، والشريف الرضي وأمرؤ القيس وتمسكه برصانة اللغة العربية وقال أن موسوعة"لسان العرب" تلازمه حتى غرفة نومه... وكانت هناك قفشات وطرائف اسمعها لأول مرة ولا أحسب أنني سوف أساهم في مواريثنا  من "نقض العهود" اذا نشرت تصحيحا للدكتور الترابي عندما تطرق الحديث إلى مأزق دارفور وذكرت أن مساعد رئيس الجمهورية مني أركو مناوي قال ان هناك خمس قطع سلاح لكل فرد في دارفور .. فقاطعني قائلا :

مني أركو مناوي ... ليس هو مني أركو ميناوي !! اسمه الحقيقى: " سليمان ابراهيم صالح" ، أرسلناه مع ادريس دبي عندما كان في السودان وحارب معه وهو برتبة جاويش وعندما انتصر ادريس دبي اختار اللجوء الى فرنسا ووجد من الأفضل تغيير إسمه !!"

متعة حقيقية ، متابعته وهو يتحدث راسما ابتسامته المتناسقة مع أسنانه الناصعة البياض  ولحيته الدقيقة التشذيب وتحريك اليدين، ترافقهما ضحكات ساخرة متقطعة في أداء مسرحي يجعلك متنبها مشدودا إليه طول الوقت .. ولا ينصت إليك اذا داخلته أو سألته، فيستمر في حديثه لا يعبأ بالحرج الذي سببه لك !.. فهو دائما أكثر حرصا أن يكون في صدارة المسرح حتى لو كان بين قلة أو على إمتداد السودان كله.. موهبة في الأداء وفي صياغة الكلمات والردود التي تدهشك ولكنها في الغالب لا تقنعك، لكنه حاذق اللسان:

       سألته جريدة البيان الإماراتية 7/7/2005م عن مدى مسؤوليته عن ماجرى في السودان منذ عام 1989م، أجاب :

       أن نوح أنجب إبنا فاسقا، لكن هذا لايعني محاسبة نوح يوم القيامة !

       عمر،(عمر البشير) بالنسبة لي هو أنا حتى وأنا جالس في بيتي لأنه يمثل أشواقي وأشواق أهل السودان إلى الدولة الإسلامية-(المستقلة سبتمبر 1994م).

       الحركة الإسلامية في السودان إتجهت نحو العالم ايمانا بعالمية الرسالة الدينية التي تنزع نحو المطلق ولا يحتويها ظرف المكان .. السودان المستضعف الهامشي سيسمق ويصير دولة عظمى لا تضاهيها أية قوة في العالم "صحيفة القوات المسلحة ابريل 1993م).

       الكلمات الفخيمة ديدنه للإبهار ويقدمها ببراعة كبار الممثلين ويطرب وينتشي متابعا تأثيرها على جمهوره ... وهو بالفعل يهوى المسرح وشارك في مسرحيات أثناء المرحلة الثانوية ...

       ذات صباح من عام 1998م، كنا في زيارة السيد محمد عثمان الميرغني  في "فيلا لندن" : همس في أذني الصديق الأستاذ التوم محمد التوم وزير الإعلام الأسبق :

       سمعنا إنك تحتفظ في ارشيف "الفجر" بصورة للدكتور الترابي وهو على المسرح بثياب التمثيل ... أرجوك أحضرها لمولانا فهو يريد رؤيتها !

       وكان مكتبي قريبا، فأحضرتها وتأملها مولانا مليا وأطلق ضحكته المجلجلة وضحكنا معه .. متحفزين لسماع تعليقه، إلا أن الدكتور الباقر أحمد عبدالله رئيس تحرير "الخرطوم" :فاجأنا بصوته الجهوري :

       يامولانا جاءك زائر من الخرطوم ، يلبس لباس أهل الجنة !!

       ودخل علينا رجل الأعمال الشهير والختمي المنتمي لسلالة الخلفاء وهو يرتدي سفاري داكن الخضرة ..وصافحه مولانا وضحك ملتفتا إلى الباقر :

       ان شاء الله ما تكون جنة الترابي ..!!

       وهمس مرة أخرى في أذني الأستاذ التوم:

       سارتانا لا يرحم !!

       وهو مصطلح متداول بين بعض قيادات الإتحاد الدمقراطي!!

وتشاء الأقدار أن ينضم صاحب الرداء الأخضر ورجل الأعمال الكبير إلى المؤتمر الوطني عام 2008م، وهي الجنة التي غرسها الدكتور الترابي ثم "أهبط منها"!! بعد منازعته للعسكر في ثمار السلطة التي انقض عليها بعد ان "جعلهم بازا لصيده، فصادوه" كما يقول الأستاذ وراق والسلطة هي أعظم شهوة يمتحن بها الإنسان لا تضاهيها شهوة أخرى  من الشهوات، لأن فيها بعض أسرار وتفرد الألوهية وهي آخر ما يخرج من قلوب العارفين الصالحين! ولا أجد تحليلا بليغا ودقيا لتراجيديا الدكتور الترابي يماثل رؤية الأستاذ الكبير الخاتم عدلان :

يمكن  للدكتور الترابي ألآن أن يعزي نفسه وهو أحوج ان يكون للعزاء، بأنه نجح كمعلم، نقل كل معارفه وبحذق شديد إلى تلاميذه، رغم انه فشل كصاحب رؤية .. كان عليه أن يعي أن الفعل الإنساني دوار يعود إلى صاحبه بالخير ان كان خيرا وبالشر ان كان شرا .. ويكون مضاعفا مهما طال الزمن ..!!

وأقول للخاتم من أين جاءك اسم "لخاتم" الذي إنتمى إلى أهله روحيا ووجدانيا هل هناك وشائج مع خاتم كركوج ؟

كان يضحك .. مجرد مصادفة لا إنتماء ..

فهو من أسماء الرسول الكريم ... ولكن عليك ملاحظة أن الإشتراكيين الحقيقيين وكذلك الصوفية الحقيقيين يتمسكون بقيم الزهد والتواضع ونكران الذات .. وأقول له :

الفنان أحمد عبدالعال الذي ينتمي إلى السادة الصادقاب اضاف بعدا آخرا بقوله ان الفنانين مشاريع فاشلة لكبار الصوفية !! وقد أدهشني حوار منشور مع الفنان الكبير ابراهيم الصلحي قال فيه :

كنت والفنان حسين شريف نرسم معا جدارية في كلية الفنون بالمعهد الفني  وحرصت على الحضور إلى المرسم كل ليلة قبل مطلع الفجر ... وبينما كنت مستغرقا في الرسم خيل الى أن جزءا من اللوحة بدأ يتحرك لكني واصلت رسمي ... وفي اليوم التالي وأنا أحلق بعيدا في رؤاي، خيل إلىٌ أن ذلك الجزء من اللوحة تحرك أكثر وخرج منها، فوضعت الفرشاة وغادرت المرسم.!

من هنا تتجسد مقولة مأثورة :

الدين والفن كلاهما يضئ من مشكاة واحدة، ففي الدين والفن السماء هي المنبع ! لكن عندما " نتصفح على مهل جراحاتنا" نجد أن من جاءوا إلى الحكم بإدعائهم أنهم الأقرب إلى رسالة السماء، نكلوا بمدعينا ورموزنا ومجدنا وفخرنا اتهموهم في دينهم وأخرجوهم من الملة :

اتهموا الدكتور عبدالله الطيب بالردة والكفر لأنه كتب قصيدة في رثاء الأستاذ محمود محمد طه وكذلك البروفسير محمد ابراهيم خليل والأستاذ عثمان الطيب، رئيس القضاء السابق، لنشرهما مقالات تنتقد قوانين سبتمبر ومنعت مؤلفات الأستاذ الطيب صالح وصدرت الأوامر بمنع 140 أغنية سودانية لكبار المطربين لأنها "تتعارض مع التوجهات الإسلامية والتأصيل الحضاري" بعضها مسجلة منذ أكثر من 50 عاما .. وشمل الإيقاف أيضا بعض المدائح النبوية وأغنيات لعبدالعزيز داؤود وحسن خليفة العطبراوي وخضر بشير وسيد خليفة لأن هذه الأغاني بها "قسم لغير الله"، كوجه الجيب أو عيونه- وكذلك حطموا التماثيل

ومن بينها "مجسم نصفي" لرائد تعليم البنات الأستاذ بابكر بدري والعديد من إنجازات خريجي كلية الفنون. "مجلة سواسية لحقوق الإنسان 1997م"

ويضيف الدكتور منصور خالد :

لم يكن الأستاذ الطيب صالح وحده بين الذين أوقف تداول مؤلفاتهم ومنعت من المكتبات، أيضا مؤلفات الشاعر الراحل محمد عبدالحي.. النظام يسئ إلى الإسلام ويقدم صورة مشوهة لغير المسلمين حول ما سيفعله الجيش المسلم المنتصر، بل أن هذا النظام وصلت به الغلاظة إلى حد غريب.. ففي إحدى المناطق التي احتلها في جنوب السودان، منطقة تقطنها قبيلة تسمى التبوسة وهذه تقع على الحدود الكينية، والتبوسة لا يختنون الرجال  ولذلك كان أول مافعله النظام هو ختانه الرجال... ذكرني هذا الحادث بإشارة للكاتب البريطاني تشيرتون الذي يقول أن هناك ثلاثة أشياء لا أريد أن يشاركني فيها أحد ... فكري وديني وأعضائي التناسلية ... هؤلاء الناس، أرادوا أن يفعلوا الأشياء الثلاثة مع التبوسة..

د.منصور خالد – الشرق 14/2/1997م

ويطبق الحصار على الجميع في الخارج والداخل، عليك أن تحمل قسيمة زواجك  وليس بطاقتك الشخصية لتعريف من يرافقك في الطريق أو السيارة ...وينوح صوت واهن في جنازة المبدع عمر الدوش محمولا إلى مقابر أحمد شرفي بأمدرمان:

كمل حتى الملح في البيت

وشن طعم الملح في البيت

وكت ملح الدموع موجود!

نتوجع ونتحسر ...

"وكلما أطلنا النظر إمعانا في الماضي، كلما ازدادت بصيرتنا بالمستقبل"، وصدق من قال لا جريمة سياسية كاملة!

وطن يزوي وتشحب حدوده..

في عصر جيل آباء الهزيمة الأولى، الخليفة عبدالله التعايشي، امتدت حدوده آنذاك على اغوردات وقولو  وتوشكي... ألان الجيوش الأجنبية الموجودة على أرضه، أضعاف قوات الإحتلال قبل استقلالة..!! وأصبح "مرمى لكل السهام"، بفعل التدمير الذاتي للذات، الواقفون على الرصيف، يصفقون"للقاتل والقتيل معا، اسرافا في جلد الذات... والمعارضون يصرخون بالشعارات، التي "لا تكلفا غير حنجرة قوية .. والمدمنون على "شم رائحة الغنائم من مرضى فقدان المناعة الوطنية"، يتجمعون "من السافل والصعيد ومن دار صباح ودار غرب" يجهزون الأنصال "والكلاشن"، لأقتطاع نصيبهم من لحم الضحية النازفة الدماء !! اصبح الحلال ماحل فى اليد والحرام ماحرمت منه وتهدر السيمفونية الجنائزية على إنخاب "الثمل الأيدولوجي:

ترق منهم دماء

أو ترق منا الدماء

أو ترق كل الدماء ..

وطن إنقسم أبناؤه بين منتصر ومهزوم من يأكل العنب ومن يأكل الحصرم!

من بين كل 8 لا جئين في العالم لاجئ منا ..

و90 في المائة من نسبة النزوح على مستوى العالم من بيننا و94,8 في المائة من السودانيين تحت خط الفقر، أرقام قدمها الوزير باقان أموم وكان وقتها وزيرا لشؤون مجلس الوزراء ولم يصححه أحد ...!

القدر السئ أوقع جيلنا بين براثن أحزاب المدى التاريخي التي لم تتغير قياداتها منذ الإستقلال ... وحتى "التهالك بفعل القدم" لم يحدث، وهناك جنرالات الدائرة الجهنمية يتحسسون مسدساتهم ضيقا من أخطاء ساكني القصور الذين يدفعونهم إلى جهات القتال ... ليقاتلوا من ؟.. شعبهم ... فقواتنا المسلحة على مدى تاريخها بعد الإستقلال لم تصوب بنادقها على عدو خارجي!! أخطاء السياسيين وضيق أفقهم تشعل الحرائق في كل مكان !! مشكلة الجنوب كانت آيلة للحل في الخمسينات بما قدمه الجنوبيون من تصورات متواضعة للحكم الذاتي وكذلك التنظيمات السياسية التي انبثقت من دارفور وشرق السودان... اذا لماذا يذهب الجنرالات الى الخنادق وزعماء المدى التاريخي يمعنون في اخطائهم، وصائدو الفرص من الأحزاب العقائدية في اليسار أو اليمين وفي حالتي  مايو ويونيو، يضغطون على العصب الحساس وكما يقول محمد حسنين هيكل" الجيش يرمز إلى البؤرة التي ممكن أن تتجسد فيها الوطنية في أي بلد بمعنى أن هؤلاء هم الناس الذين في مهمتهم أن نقول لهم اذهبوا فقاتلوا وموتوا، هذا الإحساس يمنحهم كبرياء قد يؤدي إلى نتائج سيئة"... وبمعنى آخر استثارتهم لأخذ السلطة بالقوة بعد إختراقهم وراء أقنعة أيدولوجية يغذيها التكنوقراط و الأكاديميين والسياسيين ... ألا يستحق الأستاذ عبد الباسط سبدرات وقبله الأستاذ أحمد سليمان دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية!! والذين زجوا في لجة اليأس .." بحثوا عن رياح مواتية لا شرعتهم" وغادروا على عجل تلهفا للخلاص الفردي .. كم عددهم ؟.. كم مليون؟ .. هل وجدوا الخلاص، وهم يعضون على الجراح: " نربح بكرامة أو نخسر بكرامة".

معهم نقف في لقاء قادم.

 

السودان المنارة أم الجسر

1-6 سودانايل، منبر الرأي

 

 

آراء