قنبلة موقوتة وأمانى مرجوة !
7 November, 2009
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]
المجتمع البشرى بمفهوم الكيان الواحد ، له عدة تعريفات تصغر وتتسع بحجم العدد الذى يتكون منه ذلك المجتمع . فمجتمع المدرسة يختلف فى حجمه ووظائفه عن مجتمع الحى ومجتمع القرية ومجتمع المدينة . مجتمع المدرسة يتفرد عن بقية المجتمعات المشار إليها بحيث أن كل أفراده يجتمعون حول وحدة الهدف . بينما مجتمعات الحى والقرية والمدينة تجمعها وحدة المصير المشترك .
إذا نظرنا إلى أسس وأنماط تشكيل المجتمعات،لابد من الأخذ فى الإعتبارالحيزالزمانى والمكانى والدافع لذلك التشكيل.
فى الماضى كانت المجتمعات فى السودان تتشكل حسب الهوية ، القائمة فى معظم الأحيان على القبلية ، أما فى الوقت الحاضر فهناك مجتمعات تكونت بدافع إقتصادى يجمع بين أفرادها عامل الفقر.
وعامل الفقر أصبح فى وقتنا هذا هو العامل المشترك الأعظم فى تشكيل مجتمعات " الهامش " ومجتمعات " النزوح " ومجتمعات " العشوائيات " وتلك المجتمعات على مجملها تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ، وبمرور الوقت تصبح تلك المجتمعات قنبلة موقوتة!
ماذا ينتظر من فئة من المواطنين تعيش الضنك والفاقة ، فئة لاتنظر إلى المستقبل إلا من خلال عدسات قاتمة لامستقبل من ورائها!؟ ماذا يتولد من تكدس البشر فى مساحات تفتقر إلى حق العيش الكريم !؟ لامسكن ملائم ، لاخدمات صحية ولا مدارس ولامجال لتدريب للخروج من عنق الزجاجة! ماذا ينتظر من فئة واقعها يؤدى إلى ضغوط نفسية تولد حساسية وعداءً لكل من تعتقد أن له يد فى ماهى عليه ، وبها تتولد كراهية ليس ضد السلطة فحسب ، بل كراهية تجاه المجتمع الشئ الذى يولد الإنفجارعند أقل إحتكاك بالمجتمع الخارجى !
الجميع يعلم ماهى تلك المجتمعات وماذا يتولد منها ، وليس تطرقنا هنا لتلك المجتمعات الهدف منه التنوير بماهية تلك المجتمعات ، ولكن غرضنا الآساسى هو أن تلتفت السلطات لما أصبح طوقا حول العاصمة والمدن السودانية الأخرى ، ليس بهدف قمعها ولكن من أجل إيجاد الحلول اللازمة لتلك الإشكالية "الظاهرة "
كانت مشاكوس ، وكانت نيفاشا ، وبعدهما تسلمت أجهزة الإعلام الرسمية صك النداء " التطبيل " بالسلام ! وكان " نحن نحب السلام " نحن ندور السلام " كلنا أخوان أو إخوان " " مافى جنوب ومافى شمال " " نحن بلد واحد " ....الخ من نداءات رقص على نغماتها المسئولين ، وعرض فيها من عرض ! ونظمت الأناشيد وإنتظمت المسيرات ! والفرحة " الوهم " عمت الأرجاء! وحلق الجميع فى اجواء الشعارات ، وإبتعدوا عن الواقع !
دعونا ننقلكم إلى الواقع بآلامه وبلارتوش . ولنبدأ بالسلام . هل تحقق سلام بعد إتفاقية السلام الشامل!؟ وهل المشاركة فى الحكم كانت حبرا على ورق ، أم كانت هناك مشاركة حقيقية بين الشريكين !؟ ثم هل كانت هناك لجان متابعة لتقوييم المسار ، أم أن كل وقع وكل إنصرف إلى مداره!؟
إذا كان السلام يقاس بصوت البندقية ، نعم خمد صوت البندقية ولم يعد بتلك الكثافة بعد إتفاق السلام الشامل ، ولكن ماذا بعد البندقية !؟ هل عملت الحكومة المركزية بما فيها الشريك فى الحكم على نقل نصوص الإتفاق إلى أرض الواقع ؟ وهل شعار " الوحدة الجاذبة " تحول إلى حقيقة وواقع ملموس شعر به المواطن العادى ؟
والسؤال العريض هو هل البؤر العشوائية التى تكونت كحزام حول خاصرة العاصمة القومية والمدن الكبرى والتى أغلب ساكنيها هم من أبناء الجنوب والبعض منهم بسلاحه بمختلف أنواعه وأشكاله ، تشكل قنابل موقوته ، أم أن الحكومة تحسب ان هؤلاء بتواجدهم فى الشمال سيحققون لها الوحدة الجاذبة عند التصويت لتقرير المصير ؟
والسؤال العريض هو: هل حقا ترغب وتعمل الحكومة المركزية لوحدة السودان ؟ أم أنها تنتظر يوم إعلان الأنفصال كى تسرح وتمرح ويسهل عليها تطبيق قوانينها التعسفية على جزء من الوطن !؟ وإن لم يكن ذلك من أهداف السلطة فى الخرطوم ، فماهى الطريقة التى يمكن معها إقناع الشارع السودانى بأن هدف السلطة هو وحدة البلاد بشماله وجنوبه وشرقه وغربه ؟ وهل هناك من رؤى قومية يتشكل حولها ضميرالأمة فيهب الجميع لإنقاذ هذا البلد من حالة الإنفلات والفوضى الضاربة فى كل مناحى الحياة ؟
وهل المواطن الذى يرزخ تحت وطأ ة الفقر والجوع والمرض والخوف ، ويفتقر إلى أدنى مقومات الحياة سيصوت لسودان موحد ؟ أم أن الوحدة تعشعش فقط فى رؤوس المسئولين!؟ أفيقوا يرحمكم الله !
أفيقوا قبل مجئ الطوفان وتبحر سفينتكم فى بحر الظلمات ، ويتخبط كل من فيها الشيطان! أفيقوا قبل أن تغرب شمسكم ولايأتى الغد الذى ترقبونه ! أفيقوا فماعاد الوطن ذات الوطن وماعاد السودان ذاك البلد الذى كان يزخر بمصادر ثرواته البشرية والطبيعية فى مساحة المليون ميل مربع التى يحسده عليها القاصى والدانى! أفيقوا فماعاد المواطن يتحمل التقلبات السلبية فى السياسة والإقتصاد وكل جوانب الحياة !
لقد سيطر الحزب الواحد على دفة الحكم طوال مايزيد على العقدين من الزمان ! أما آن لقيادته مراجعة النفس والنظر بتجرد لما يحدث فى البلاد من خراب إقتصادى وفوضى عامة ضربت أطنابها كل مرفق من مرافق الحياة ، وقاربت أن تصيب البلاد بشلل عام ! أما آن للسلطة أن تعلن فشل سيطرة الحزب الواحد فى عالم باتت التعددية فيه ليست مطلبا فحسب ، بل هى المحرك الرئيسى للتنمية والإزدهار ورفاهية الإنسان ؟
ليعلم الجميع أن القيادة السياسية ليست هى التمسك بالرأى حتى وإن كان خاطئا ، بل القيادة السياسية الرشيدة هى التى تراجع مواقفها وتتحسس مواطن الداء وتعمل بأقصى مالديها لإيجاد الدواء. والقيادة السياسية الواعية هى التى تسخر كل الإمكانيات المتاحة لخدمة جميع المواطنين بغض النظر عن الولاء أو عدم الولاء ، ولاتفرق بين زيد وعبيد . وهى التى تعمل لإستتباب الأمن ، ليس بتسخير قوى الأمن لردع المواطن ، بل لطمأنة المواطن ليعيش آمنا فى حرية يطلق فيها كل طاقاته لرفعة الوطن .
كما أن على المعارضة أن تكون ملتزمة بالأمانة والصدق فى تعاملها مع السلطة ، بحيث أن عليها وضع يدها على الأخطاء والسلبيات بهدف معالجتها ، وليس بهدف نصب فخ للسلطة لإثبات فشلها ، بدون الأخذ فى الإعتبار حق المواطن الذى يرنو إلى العيش الكريم الآمن . إن فعلت ذلك ، عندها ، وعندها فقط ستأمن السلطة جانب المعارضة ولن تجد بدا من أن تمد لها يدها ليعمل الجميع للصالح العام الذى يؤدى فى النهاية إلى إسعاد المواطن .
هل ما أدعو إليه هو مجرد أمانى أو يعتبر وهما لايتعدى كلمات سطرتها ، أم أن الحلم ربما يصبح حقيقة ويفيق الجميع وتتحقق الأمانى ؟ مجرد سؤال!