قومية البجـا بين الحقيقة العرقية والحقيقة الثقافية وتقرير المصير بينهما
جعفر بامكار
19 May, 2012
19 May, 2012
jbamkar@yahoo.com
موضوع مفهوم قومية البجا يثير هذه الايام الكثير من النقاش والجدل بين مثقفى البجا وهل البجا عرق قائم بذاته ام هم مجموعة ثقافية عربية ذات شخصية خاصة بين المجموعات العربية بالسودان حيث ان معظم القبائل البجاوية الحديثة تدعى نسباً للعرب . هذا الامر يثير الكثير من الجدل والنقاش خصوصاً بنادى البجا ببورتسودان ومركز دراسات الثقافة البجاوية وجامعة البحر الاحمر وغيرها من المنتديات الثقافية ولم يصل المتجادلون والمتناقشون لنتيجة يتفقون عليها رغم أهمية الامر فى حاضر ومستقبل البجا بالسودان . لقد كتب الكثيرون من الكتاب عن البجا من زوايا مختلفة عن ماضى البجا وحاضرهم ومستقبلهم ومصبرهم وخصوصاً فى مجال التاريخ والاجتماع ولكن اغلب هذه الكتابات كتابات سطحية مكررة انطباعية وغير معاصرة او مواكبة للاحداث والتطورات السياسية كما انها لم تعطى الكثير من الاهتمام للجانب الثقافى والسياسى الذى يدور حول قومية البجا ومصيرها فى الحاضر والمستقبل وليس الماضى فقط رغم أهميته .
الاستاذ الكاتب د/ محجوب الباشا محمد احمد فى كتابه القيم " التنوع العرقى والسياسة الخارجية فى السودان"والصادر من مركز الدراسات الاستراتيجية عام 1998م تعرض لموضوع الاعراق بالسودان وهو يعتبر ان اهم الاعراق بالسودان ثلاث هم النوبيون والبجا والزنوج والكتاب كما هو واضح يعنى بالشأن السياسي مع التركيز الكبير على مسألة جنوب السودان . لقد حسم الكاتب بان البجا عرق قائم بذاته رغم اقراره بان اخطلاطا وامتزاجا كبيرا قد حدث بين البجا والعرب قبل الاسلام وبعده . ان بعض البجا الان يدعون الاصل العربى من حيث الانساب فى خلاف وتعارض كبيرمع القومييين ا لبجا الذين يقللون من شان العلاقات التاريخيه بين البجا والعرب بالحق او بالباطل . فى فصل هام من هذا الكتاب يكتب دكتور محجوب عن ظاهرة العرقية بشكل شامل على مستوى العالم خصوصاً فى المجال السياسي وهذا الفصل يهمنا نحن البجا كما يهم كل الاعراق لان المشكلة العرقية مشكلة خطيرة على مستوى العالم ان لم تجد المعالجات الحكيمة والمناسبة ولا تقتصر خطورتها على السودان فقط ولذلك رايت ان انقل هذا الفصل لعله يثرى ويفيد فى الجدل والنقاش الدائر اليوم حول الموضوع املا الا يضطر البجا العروبيون منهم والقوميون لخوض اى صراع ايا كان نوعه مع الدولة المركزية من اجل تحقيق امالهم ومصا لحهم وتغيير اوضاع اهلهم البائسة والمزرية . واليكم ما ورد بالفصل المذكور من الكتاب :
المجموعة العرقية والانتماء العرقي :
( عرفت المجتمعات البشرية منذ بداية التاريخ الإنساني وعلى مختلف درجات نموها وجود ما يسمى بالمجموعات العرقية ، وقد ظلت المجموعات العرقية محور اهتمام علماء الاجتماع الذين عنوا دائماً بدراسة المميزات الثقافية لهذه المجموعات والتصرفات الشخصية لأفرادها . وقد شهدت المجتمعات الصناعية الحديثة في اوربا والولايات المتحدة في الفترة الأخيرة عودة ظاهرة تعلق المواطنين في هذه الدول بانتماءاتهم العرقية وهو أمر أثار اهتمام العديد من علماء الاجتماع والسياسة وأدى لارتفاع كبير في عدد الدراسات التي تركز على المحتوى السياسي للظاهرة.
أهتم العلماء على مدى السنوات بإيجاد تعريف محد للفظة "مجموعة عرقية" وتبدأ معظم الدراسات حول الموضوع بمحاولة للتوصل إلى تعريف محدد لللفظ . يعرف موريس المجموعة العرقية بأنها "مجموعة محددة تختلف ثقافتها عن المجتمع الكبير الذي تعيش فيه ، ويعتقد أفرادها ، أو يعتقد الآخرون ، أنهم يرتبطون بأواصر عرقية او وطنية أو ثقافية مشتركة "
يصف الجزء الأول من هذا التعريف المجموعة العرقية بأنها أقلية ذات صفات ثقافية أو عرقية تختلف عن المجتمع الذي تعيش فيه ، غير أن البعض يرى أن هذا التعريف غير كامل إذ أن المجموعة العرقية من ناحية فنية لا ترتبط بالوضع الاجتماعي سواء أن كانت أقلية أو أغلبية ، ففي نظر هؤلاء أن الأغلبيات نفسها لا تخرج عن كونها مجموعات عرقية ذات صفات مميزة . هذا فضلاً عن أن لفظتى أقلية أو أغلبية نفسهما ربما يتخذان أبعاداً متباينة في ظروف اجتماعية مختلفة . ويبدو أن مفهوم المجموعة العرقية كأقلية داخل مجموعة أكبر مـتاصل في الثقافة الأمريكية نسبة لأن كل المجموعات باستثناء الأمريكيين من أصول أفريقية- قد قدمت للبلاد طواعية للبحث عن أوضاع اقتصادية أفضل . ولعل هذه الخلفية التاريخية جعلت هذه المجموعات ، بما فيها الأقلية السوداء ، تسعى لأن تندمج في المجتمع وتتبنى ثقافة المجموعة العرقية الغالبة . لذلك فإن هذه المجموعات تسعى للتعبير عن ثقافتها ومميزاتها الخاصة فإنها تفعل ذلك باعتبارها أقلية وسط مجموعة أكبر ذات ثقافة غالبة . وبالرغم من أن بعض هذه المجموعات لم تندمج بصورة كاملة في المجتمع وظلت من حين لآخر تعبر عن توجهات ثقافية متميزة إلا أنها لم تحاول إلا في حالات نادرة وعلى نطاق محدود ممارسة حق تقرير المصير وهو حق طبيعي لأي مجموعة عرقية . ولعل إحدى هذه المحاولات تلك الدعوى التي أطلقها الزعيم الإسلامي الأسود مالكولم أكس وانتشرت في ظروف خاصة ارتبطت بحركة الحقوق المدنية في الستينات .
على النقيض من الفكرة السائدة في الولايات المتحدة فإن تعريف المجموعة العرقية في أوربا قد ارتبط وثيقاً بحق تقرير المصير . ينبع هذا بالطبع من الانتشار الواسع لفكرة الدولة القومية (nation state) في اوربا في أعقاب الثورة الفرنسية وحملات نابليون العسكرية ، حيث برز العديد من المجموعات العرقية التي تطالب بالانفصال من الامبراطورية العثمانية والامبراطورية النمسوية – المجرية وتكوين دول مستقلة خاصة بها . وقد أدى أنهيار هاتين الامبراطورتين في أعقاب الحرب العالمية الأولى إلى ظهور فكرة إعادة تخطيط الحدود في أوربا لتتطابق مع الحدود العرقية للمجموعات المختلفة خلال مؤتمر السلام في باريس ، إلا أن ازدواجية المعايير التي اتبعتها الدول المنتصرة في الحرب أدت إلى أن يتم تطبيق مبدأ تقرير المصير على بعض المجموعات العرقية الأوربية فقط دون سائر الشعوب في بقية أنحاء العالم . ولعل الأدهى والأمر أن هذا المبدأ السامي قد استغل كمبرر لاستعمار الشعوب في اسيا وافريقيا ، فقد أدعت الدول الأوربية أنها تضع هذه الشعوب تحت الإدارة الاستعمارية بغرض إعدادها لممارسة حقها في تقرير المصير مستقبلاً . وقد كذبت الأحداث التالية إدعاء الدول الاستعمارية إذ أن دول العالم الثالث في اسيا وأفريقيا لم تتمكن من ممارسة حقها في تقرير المصير إلا بعد نضال شاق وطويل راح ضحية له العديد من الأنفس.
وكما هو الحال بالنسبة للعديد من المسميات في العلوم الإنسانية فإن ارتباط لفظة "المجموعة العرقية" بالكثير من المفاهيم غير الموضوعية يجعل من الصعب جداً اتفاق العلماء على تعريف واحد ومحدد . وفيما يلي من فقرات سنسعى إلى تحديد الصفات الخاصة باللفظة على أمل أن نصل لمفهوم محدد يمسكن استعماله كأساس لهذه الدراسة.
ولعل أول سمات المجموعة العرقية هو ما يعرف بالانتماء المشترك . ومع أن الشعور بالانتماء المشترك عاطفة ترتبط بالمفاهيم غير الموضوعية في الكثير من الأحيان إلا أنها تمثل عاملاً هاماً في تكوين المجموعات العرقية وتتولد عادة من التاريخ الطويل المشترك بين أعضاء المجموعة . ويرى العديد من المفكرين الاجتماعيين أن هذا الشعور يمثل الأساس لقيام المجموعة العرقية وأن العناصر الأخرى كالدين واللغة والثقافة ما هي إلا عوامل مساعدة . وبذات الدرجة من الأهمية بالطبع نظرة الأخرين للمجموعة العرقية باعتبارها تمثل وحدة متميزة تختلف عن غيرها من المجموعات . وليس بالضرورة أن تكون الاختلافات التي تفصل المجموعة عن غيرها حقيقية ومحسوسة ، فالاعتقاد بوجود هذه الخلافات سواء أكان حقيقة أو مجرد خيال يقود في النهاية لذات النتيجة.
السمة الثانية من سمات المجموعة العرقية هي التفرد الثقافي ، والثقافة هنا مقصود بها معناها العريض بحيث تشمل كل العوامل التي تحكم الحياة الاجتماعية للفرد وتنعكس على تصرفاته اليومية كاللغة والدين وغيرها من العوامل . ولإدراك التفرد الثقافي فإن المجموعة في حاجة إلى مرجعية تمثل مقياساً لها إذ أن الأشياء تعرف بأضدادها ، فالمعروف أنه ليس بإمكان المجموعة العرقية التعرف على سماتها المتفردة إلا بعد اتصالها بالمجموعات الأخرى والمقارنة ين ثقافتها وثقافة تلك المجموعات . وقد ساعدت ثورة الاتصالات الحديثة في تسهيل عملية التواصل بين مختلف المجموعات العرقية حتى أضحت أكثر المجموعات انعزالاً في افريقيا وأسيا على مقدرة باكتشاف ما يجمعها مع المجموعات الاخرى أو ما يميزها عنها ليس داخل الوطن الواحد فحسب بل وعلى النطاق الاقليمي والعالمي.
أما السمة الثالثة فإنها تتعلق بالعضوية الإجبارية للمجموعة العرقية ، فالإنسان يحصل على عضوية المجموعة بمجرد الميلاد وليس له الكثير من الخيار في ذلك . وحتى في المجموعات العرقية التي تتسم بالكثير من عدم التماسك ، كالدينكا في السودان والاشولي في يوغندا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين ، فإن تغيير الانتماء العرقي كان من الأشياء صعبة التحقيق . وهناك ولا شك بعض الحالات التي تقوم فيها الأقلية بالاندماج الكامل وتبني ثقافة الأغلبية كما هو الحال بالنسبة للأقليات البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن مثل هذه الأقليات تظل دائماً متمسكة ببعض مظاهر ثقافتها الأصلية وتترك أحياناً أثاراً واضحة في ثقافة الأغلبية . وكما يقول هويت الفرسون ، فإن الانتماء العرقي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشخصية بحيث لا يتمكن الإنسان من التخلي عن هذا الانتماء إلا بتضحيات كبيرة قد تترك أثارها الباقية على نفسياته .
والسمة الرابعة هي الجهوية التي تكسب الانتماء العرقي مدلوله السياسي وتؤثر بصورة واضحة على الوضع في البلاد عامة . فالمجموعة العرقية عادة ما تتركز في اقليم بعينه داخل وحدة سياسية أكبر ، كما هو الحال مثلاً في أوربا وكندا ، حيث تحتل اقليات عرقية معروفة كالباسك والفليمنج والفرنسيين الكنديين اقاليم جغرافية محدودة داخل الدول التي يعيشون فيها . غير أن الحال يختلف في الولايات المتحدة واستراليا حيث تتنوع الأقليات بنسب مختلفة بين أقاليم البلاد ولا تتركز في أقليم بعينه . أما بالنسبة لافريقيا فإن الخريطة العرقية للعديد من المجتمعات وتوافقها في الكثير من الأحيان مع الاتجاهات الانفصالية ظلت تمثل دائماً أحد أهم الأسباب وراء عدم الاستقرار السياسي الذي تعاني منه أغلب دول القارة . فتركيز الايبو في جنوب شرق نيجريا والعناصر غير المسلمة في جنوب السودان تعتبر من أهم الأسباب وراء المشاكل التي يعاني منها بلدان من أكبر البلاد في افريقيا . وبينما يساعد التركيز الجغرافي لأقلية بعينها في اقليم ما في ظهور الاتجاهات الانفصالية فإن تعايش الأعراق المتنازعة في نفس الاقليم قد يقود احياناً إلى وقوع مذابح جماعية وعمليات تطهير عرقي كما هو الحال في رواندا وبوروندي أو البوسنة والهرسك .
ومما لا شك فيه أيضاً أن الاثار السلبية للانتماء الجهوي لم تعد محصورة في الجهات التي تقيم فيها هذه الأقليات العرقية بل انتقلت بفضل التمدن المتنامي في معظم دول العالم الثالث إلى المدن الكبرى . فالاتجاه السائد هو أن يقيم القادمون من اقليم معين بالبلاد في احياء خاصة من المدن الكبرى ، ويقوم هؤلاء في الكثير من الأحيان باطلاق اسماء قبلية أو أسماء بعض المناطق المعروفة في اقاليمهم على الأحياء التي يقطنونها في المدن الكبرى تعبيراً عن روابطهم العاطفية بمناطقهم التي هاجروا منها . ولعل المذابح التي تعرض لها أفراد قبيلة الايبو في مدن شمال نيجريا كانت من الأسباب المباشرة التي قادت لحرب بيافرا التي عانت منها البلاد وظلت آثارها باقية حتى الآن . وكما سنرى خلال هذه الدراسة فإن بعض المفكرين الاجتماعيين يرون أن التمدن يقود-على عكس الاعتقاد السائد- إلى زيادة الروابط العرقية.
ما ذكر سابقاً يقدم أربعاً فقط من السمات المميزة للمجموعة العرقية ، ولا شك أن هناك العديد من السمات الأخرى التي يمكن أن تضاف لهذه القائمة ، غير أننا نعتقد بأن السمات التي أشرنا إليها هي الأهم من ناحية المحتوى السياسي للانتماء العرقي . ولابد من الإشارة إلى أنه ليس من الضرورة توفر كل هذه السمات في المجموعة العرقية كما أن كل مجموعة قد تولي أهمية أكبر لواحدة أو عدد من السمات التي تميزها عن غيرها . فبالنسبة للاقباط في مصر أو الشيعة في لبنان فإن الدين يكتسب أهمية خاصة بينما تكتسب اللغة الأهمية الأكبر بالنسبة للأكراد في كل من العراق وايران وتركيا . وبالنسبة لمجموعات أخرى فإن لون البشرة قد يكون هو العامل الأهم . وجانب هام آخر لا بد من الإشارة إليه هنا هو الانتماء العرقي قد يأخذ أبعاداً مختلفة باختلاف الاطار الاجتماعي ، فالسوداني الشمالي ينظر إليه في جنوب السودان باعتباره عربياً بينما قد يكن الانتماء القبلي هو العامل الحاسم في تحديد هويته في الشمال ، وفي اطار اجتماعي آخر كأوربا أو الولايات المتحدة أو حتى في بعض الدول العربية فقد ينظر إليه كأفريقي.
ويختلف بالطبع الدور الذي يقوم به عامل الانتماء في السياسة باختلاف المجتمعات ، ففي الولايات المتحدة مثلاً فإن الاتجاه العام في أوساط علماء السياسة والاجتماع هو أن المجموعة العرقية ينظر إليها بصورة متزايدة كمجموعة ضغط تسعى لتحقيق مصالح من تمثل داخل المجتمع الأمريكي ، بينما يختلف الحال بالنسبة لأفريقيا حيث يلعب الانتماء العرقي الذي يسمى هناك بالقبلية دوراً مختلفاً ويرتبط ارتباطاً مباشراً بمفاهيم كالوحدة الوطنية وبناء الدولة . وكما شهدنا في السابق فقد كان الانتماء العرقي هو الأساس الذي قامت عليه الدول الغربية الحديثة سواء في القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين . ولقد أدى الاختلاف في الدور الذي يلعبه الانتماء العرقي في مختلف المجتمعات إلى تشكك بعض العلماء في الحكمة من وصفه في كل الحالات بذات الصفة . فمفهوم الانتماء بالنسبة للهوتو في بوروندي أو الايبو في نيجريا يختلف اختلافاً نوعياً عن المفهوم لدى الايطالي الأمريكي أو الاوكراني الكندي.
غير أن بعض العلماء لا يعتنق الرأي نفسه ويعتقد أن هناك اختلافات جوهرية في التعبير عن الانتماء العرقي بالنسبة لمختلف المجموعات حتى داخل المجتمعات المتقدمة ، فشتان ما بين التعبير عن الانتماء العرقي لدى مجموعة تكتفي بالاحتفال سنوياً بأعيادها القبلية معبرة عن ذلك بالرقص والموسيقى وبين الأسلوب الذي يتبعه الكاثوليك في ايرلندا الشمالية مثلاً . وعلى ذلك يمكن القول أنه بالرغم من اختلاف اسلوب التعبير فإن الانتماء العرقي كمفهوم لا يختلف من بيئة لأخرى.
دور الانتماء العرقي :
في الستينات من هذا القرن كان الاتجاه السائد وسط علماء الاجتماع هو اعتبار الانتماء العرقي ظاهرة في طريقها للاندثار خاصة في الدول المتقدمة ، وقد كان علماء السياسة بصفة خاصة ينظرون إلى الظاهرة باعتبارها نقيضاً للجهود المبذولة من أجل تحقيق الوحدة الوطنية وبناء الدولة في العالم الثالث كذلك . وكان الاعتقاد وسط هؤلاء العلماء ، الذين تاثروا كثيراً بكتابات المفكر المعروف كارل دوتش(karl deutch) ، أن الظاهرة تعكس تخلف المجتمع المعني وأنها تزول تدريجياً مع تحقق التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ولم ينحصر هذا المفهوم الخاطئ عن المجموعات العرقية ودورها فيي المجال الاكاديمي فحسب بل تعداه ليشمل كذلك السياسيين . والمتابع للأحداث في افريقيا في أعقاب استقلال أغلب دولها في الستينات يلحظ بوضوح مدى ضيق الزعماء الافريقيين في ذلك الوقت بالظاهرة والنظر إليها كأحد العوامل التي تؤخر عملية بناء الدولة . ولعل هذا هو الذي قاد بعض هؤلاء القادة للتعبير عن ضيقهم باتباع سياسات ترمي إلى دمج المجموعات العرقية في بوتقة واحدة عن طريق القوة ، ولا شك أن هذه السياسات العقيمة قد قادت في أغلب الأوقات إلى المزيد من الخلاف وجعلت تحقيق الوحدة الوطنية هدفاً أبعد منالاً.
وتؤكد الدلائل بما لا يدع مجالاً للشك أن ظاهرة الانتماء العرقي تظل واضحة للعيان ليس في دول العالم الثالث فحسب بل وفي الدول المتقدمة كذلك ، ويرى البعض أن انتهاء الحرب الباردة أدى إلى تفاقم الظاهرة التي انفجرت في شكل صراعات دموية في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك بعض الدول الأوربية . وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الدول التي يمكن أن توصف بأنها متجانسة من الناحية العرقية لايتجاوز الخمس عشرة دولة ، وهو رقم يقل عن 10 % من جملة الدول الأعضاء في المجتمع الدولي . وحتى في دولة كاليابان تعتبر من أكثر الدول تجانساً من الناحية العرقية في العالم نجد أقليات عرقية تعاني من التفرقة كالأقلية العرقية الكورية والآينو (Aino) الذي تشير بعض النظريات إلى أنهم السكان الأصليين للبلاد . ومما لاشك فيه فإن حقائق عالم اليوم المعقدة تجعل من المستحيل تخطيط الحدود السياسية للدول بحيث تتطابق مع الحدود العرقية . والاعتقاد هو أن الظاهرة استمرت لأن عامل الانتماء العرقي يربط ربطاً وثيقاً بين المصلحة والرمزية ويقوم بدور اجتماعي تعجز العوامل الأخرى عن القيام به.
ومن جانب آخر يرى بعض العلماء أنه على عكس الاعتقاد السائد فإن النمو الاقتصادي يساعد أحياناً على تكريس ظاهرة الانتماء العرقي . فقد توصل عدد من العلماء الامريكين في دراسة وسط المهاجرين الأوربيين إلى الولايات المتحدة إلى أن هؤلاء المهاجرين يعملون عادة في الصناعات التي تشهد انتعاشاً في وقت هجرتهم إلى الولايات المتحدة . وقد أدى هذا في عدد من المدن الامريكية إلى أن يعيش هؤلاء المهاجرون تحت ظروف اقتصادية واجتماعية متشابهة مما جعلهم يلجأون إلى السكن في مناطق متجاورة وتتميز علاقاتهم الاجتماعية ومصالحهم بالتشابك وهي عوامل تساعد في نظر هؤلاء العلماء في تكريس الظاهرة بدلاً من زوالها.
وقد وضح جلياً خلال السنوات الأخيرة أن ظاهرة الانتماء العرقي تلعب دوراً سياسياً هاماً على المستويين المحلي والعالمي . وأن ذلك ليعزى إلى عدد من الأسباب . على المستوى الداخلي فعند اضمحلال دور عوامل أخرى كالايديلوجية والطبقية قد جعل الانتماء العرقي واحداً من أهم العوامل في التعبئة الجماهيرية من أجل تحقيق مصالح المجموعات العرقية . ومن جهة أخرى فإن الديمقراطية الليبرالية التي تركز بصورة أساسية على حقوق الفرد قد عجزت بصورة كبيرة عن مقابلة احتياجات ومصالح الاقليات ، وقد حدا ذلك ببعض علماء السياسة إلى البحث عن مخرج فظهرت نظريات تدعو إلى ما يمكن أن نسميه بالديمقراطية الوفاقية واستيعاب الصفوة في محاولة لخلق نوع من التوازن بين حقوق الفرد وحقوق الجماعات . ولعل اسلوب الحملات الانتخابية في عالم اليوم قد ساعد كذلك على تكريس الانتماء العرقي وذلك بمحاولة السياسيين كسب أصوات الأقليات العرقية الاستراتيجية ، كاليهود في الولايات المتحدة مثلاً ، مما زاد من أهمية الانتماء العرقي كعامل هام في التعبئة الجماهيرية وخدمة مصالح المجموعة . أما بالنسبة للعالم الثالث وافريقيا بصفة خاصة فان استغلال ظاهرة الانتماء العرقي لتحقيق المكاسب السياسية ، أمر شائع لا يخفى على أحد ، حتى أن بعض الكتاب السياسيين قد وصفوا الإفارقة بأنها أكبر دعاة القبلية .
والمراقب للوضع السياسي في افريقيا والعالم الثالث عموماً يجد أن كل القادة ينادون عند الاستقلال بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية كأساس لبناء الدولة الحديثة إلا أن أغلبهم ينتهي باتباع سياسات تساعد على تكريس القبلية والفرقة ، فالفساد السياسي والإداري بالإضافة للمحسوبية تجعل الانتماء القبلي العامل الأهم بين النجاح والفشل في الكثير من هذه الدول ، ونجد في افريقيا مثلاً أن قطاعات كاملة من النشاط الاجتماعي تسيطر عليها قبيلة بعينها ، وربما كانت هذه الظاهرة نتيجة للإرث الاستعماري حيث حرصت القوى الاستعمارية بعدد من الدول الافريقية على وضع القوات المسلحة والنشاط الاقتصادي ، مثلاً ، في أيدي الأقليات العرقية وذلك لعلمها بأن القبائل الكبرى تسيطر على النشاط السياسي في هذه الدول , ولم يكن بالطبع رغبة من المستعمر في خلق نوع من التوازن في المجتمع وإنما لخدمة هدفين أساسيين هما ضمان ولاء هذه الأقليات لاستغلالها في كبت الرغبة المشروعة للشعوب في الحرية وتكريساً للخلافات والنزاعات وإذكاء نارها مما يبرر عودته للقارة بصورة أو أخرى .
ومع إيماننا بأهمية العامل التاريخي ، إلا أن ذلك لا يجب أن ينظر إليه كتبرير لما يحدث في هذه الدول ولا يعفي قادتها من المسئولية ، فقد كان ولا زال اعتماد بعض هؤلاء القادة على التحالفات القبلية كبيراً للوصول إلى كراسي الحكم والبقاء فيها ، مما يفسر النزاعات والحروب التي تنتظم العديد من دول العالم الثالث وبصفة خاصة القارة الافريقية . وقد أظهرت الأزمة الصومالية بعداً جديداً للمسألة يتبدى في أنه حتى في حالة الدول التي تتمتع بانسجام عرقي واضح فإن عوامل أخرى قد تعمل في اتجاه إثارة النزاع بين مختلف طوائف المجتمع . ويقول بعض علماء الاجتماع والسياسة أن ضعف الدولة عموماً قد يكون سبباً في نشوء مثل هذه النزاعات بحيث تشعر كل مجموعة أو طائفة أن الدولة قد لا تتمكن من حمايتها عند التعرض للخطر من الطوائف الأخرى مما يجعلها تتجه نحو تسليح أفرادها وتدريبهم هذا فضلاً عن أسباب أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية.
لم تنحصر أهمية ظاهرة الانتماء العرقي على السياسات الداخلية للدول بل تعدتها إلى خارج الحدود لتنعكس على السياسات الخارجية كذلك . ولعله من نافلة القول أن النزاعات العرقية وما تخلفه من تهديد للأمن الاقليمي والدولي وما ينتج عنها من مشاكل ، كمشكلة اللاجئين ، وغيرها لم تعد أموراً داخلية بحتة تهم الأطراف المعنية مباشرة بل أنها اصبحت عاملاً هاماً في رسم السياسة الخارجية لكل الدول . والمعروف أن الانتماء القبلي بمعناه الواسع يمثل القاعدة التي ترتكز عليها كل الحركات الوطنية والانفصالية في عالم اليوم . وقد اثبت التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية أن التعبير عن مطامح هذه المجموعات وسعيها للتأثير على السياسات الداخلية والخارجية للدول المستهدفة اتخذ شكل الحروب التحريرية أو اللجوء للعمليات الارهابية ، غير أن التعبير عن الانتماء العرقي لا يكون دائماً عن طريق العنف . مثال ذلك أن المجتمعات العرقية داخل الدول الصناعية الكبرى التي تتميز بالتنوع العرقي والثقافي تتبع عادة أساليب سلمية للتأثير في السياسة الخارجية ، كما أن هذه الدول تسعى لرسم سياستها الخارجية بالصورة التي تعكس هذا التنوع وتعبر عن مصالح المجموعات المختلفة المكونة لها .
لعل المراقب للتطورات السياسية الدولية يلحظ بوضوح ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن الدولة لم تعد هي اللاعب الوحيد على الساحة الدولية فقد ظهر لاعبون جدد كالمنظمات الاقليمية والدولية وحركات التحرير والهيئات غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسية التي أصبحت تلعب دوراً متعاظماً على الساحة الدولية ، يرى المفكر السياسي عبد العزيز سعيد أن الدولة كوحدة لتحليل السياسة الخارجية ستفقد أهميتها مع مرور الزمن والتقدم التكنولوجي الذي جعل الدفاع عن حدود جغرافية محددة في عهد الصواريخ العابرة للقارات إرثاً من ماض سحيق. ويمضي الدكتور عبد العزيز سعيد إلى القول بأن المجموعات العرقية تمثل وحدة أكثر واقعية لقياس السياسة الدولية لما تظهره من تشابه يجعل المقارنة بينها ممكنة في حين تبدو المفارقات بين الدول عظيمة بالدرجة التي تجعل المقارنة بين الولايات المتحدة ، مثلاً ، ودولة فيجي ضرباً من المستحيل . ورغم أن البعض قد يختلف مع نظرة الدكتور عبد العزيز سعيد فمن المؤكد هو أن دور المجموعات العرقية أخذ في الازدياد على المستوى الدولي.
وبالرغم من تعاظم دور اللاعبين الجدد الذين أشرنا إليهم أعلاه والتناقص في أهمية الدول على الساحة الدولية ، فإن المبدأ الذي كان الأساس الذي قامت عليه الدول الحديثة ، وهو تقرير المصير ، ما زال سائداً في الفكر السياسي الدولي ، وقد ارتبط مبدأ تقرير المصير في الفكر الأوربي بالأفكار الثورية والديمقراطية التي انتظمت القارة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وبصفة خاصة بمفاهيم الحقوق الطبيعية والعقد الاجتماعي والحكم بالتراضي بين الحاكم والمحكوم . من جانب آخر فقد ساعدت الثورة الفرنسية وحروب نابليون في انتشار الروح القومية وارتباطها بمبدأ تقرير المصير . وقد اكتسب المبدأ زخماً دولياً بعد تضمينه في نقاط الرئيس الأمريكي ويسلون الأربعة عشر في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، وتم تكريسه بصورة أكبر عند تضمينه في ميثاق الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
ارتبط تطبيق مبدأ تقرير المصير في القرن التاسع عشر بخلق دول كبيرة كألمانيا وايطاليا بتوحيد عدد من الدويلات الصغيرة ، أما في القرن العشرين فقد أتخذ شكلاً آخر تمثل في تفتيت الامبراطوريات الكبرى كالإمبراطوريتين التركية والنمساوية –المجرية في بداية القرن العشرين ، أو الامبراطوريات الاستعمارية الأوربية في العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية . وقد أدى تطيق المبدأ بعد الحرب العالمية الثانية إلى ميلاد العديد من الدول الصغيرة مما ساعد على دعم دعاوي بعض المجموعات العرقية في الانفصال . ويذهب هؤلاء جدلاً إلى أنه إذا كان من حق مئات الالاف من سكان دولة فيجي خلق دولة خاصة بهم ، فلماذا لا يعطي نفس الحق لعشرة ملايين من الايبو في نيجريا ، لا شك أن حق هذه المجموعات في خلق دول خاصة بها قد يكون أمراً مطروحاً للجدل إلا أنه من الصعب انكار حقها في العيش وفقاً لعاداتها وتقاليدها في اطار دولة متعددة الأعراق والثقافات . وبالنظر إلى الوضع السائد في افريقيا حالياً وهو الذي يرفض الدعوات الانفصالية رفضاً قاطعاً – فإن العديد من المجموعات العرقية قد تنازلت عن المطالبة بحق تقرير المصير إلا أنها استمرت ساعية للاعتراف بها كوحدة ذات كيان وثقافة خاصة في اطار الدول التي تنتمي إليها .
إلا أن ذلك لا يعني أن هذه المجموعات لن تطالب بحق تقرير المصير في المستقبل خاصة وأن الفكرة السائدة دولياً هي الربط بين الدولة والأمة حتى أنهما يستعملان في الكثير من الأحيان كمترادفين مما ساعد على زيادة دور المجموعة العرقية –التي تمثل أساس الأمم- على الساحة الدولية.
لعل استحالة رسم الحدود السياسية للدول لتتطابق مع الحدود العرقية بالإضافة إلى العدالة في تطيق مبدأ تقرير المصير بالنسبة للأقليات العرقية في اوربا قد جعل الكثير من هذه الأقليات تعيش في مجتمعات انعدم فيها التوافق ، وما يحدث في ايرلندا واسبانيا خير دليل ، وقد أضافت الأزمة اليوغسلافية بعد انهيار النظام الشيوعي بعداً جديداً لهذه الحقيقة . أما في افريقيا وبدرجة أقل في اسيا فقد تم رسم الحدود السياسية لتتناسب مع احتياجات المستعمر دون الالتفات لآمال وتطلعات الشعوب التي شاء حظها العاثر أن تقع تحت الاحتلال الأجنبي . لقد كانت النتيجة الطبيعية لهذه السياسة الجزافية أن جاءت هذه الحدود غير مطابقة للخريطة العرقية وتفرق عدد من المجموعات العرقية بين أكثر من دولة ، كما هو الحالة بالنسبة لقبيلة الايوي التي تنقسم بين غانا توغو بغرب افريقيا ، أو الصوماليين الذين يوجدون في اربع دول مختلفة هي : الصومال وجيبوتي وكينيا واثيوبيا ، ولقد ظل انقسام المجموعات العرقية بين دولتين أو أكثر واحداً من أهم أسباب النزاعات الحدودية التي يعاني منها العديد من الدول الافريقية .
وهنالك عامل آخر ساعد على زيادة ظاهرة الانتماء العرقي على المستوى الدولي وهو التطور الواسع في وسائل المواصلات و الاتصال . إن هذا التطور قاد إلى اختفاء الحدود وأتاح الفرص لأكثر المجموعات العرقية انعزالاً أن تتصل بالعالم الخارجي كما أتاح للقوى الأجنبية الاتصال بكل المجموعات داخل أي بلد . وقاد هذا العامل من جانب اخر إلى أن تتمكن الأقليات المضطهدة من طرح قضاياها على المجتمع الدولي وإثارة اهتمامه ، إلا أن استغلاله ، خاصة بعد نهاية الحرب الباردة ، قد أدى كذلك إلى تقليص أهمية مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهو من أهم المبادئ التي يقوم عليها التعايش السلمي على المستوى الدولي . فقد استغلت بعض القوى العظمى مبادئ سامية كمراعاة حقوق الإنسان وحماية الأقليات لتسوية خلافاتها مع الدول النامية التي تسعى لانتهاج سياسات استقلال لا ترضي عنها هذه القوى . ومن جهة أخرى ، كان لسيطرة الدول المتقدمة على وسائل الاتصال وسعيها إلى نشر مبادئها الدور الأكبر في اتاحة الفرصة لكل المجموعات العرقية لطرح قضاياها على المجتمع الدولي ، وبدت هذه الحقيقة واضحة أثناء الحرب الباردة عندما كان التنافس محتدماً بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي . والآن خلا الجو تماماً للولايات المتحدة وحلفائها فقد امتلكت المجموعات العرقية الوحدوية منها والانفصالية سلاحاً فعالاً يتمثل في أجهزة الإعلام وبصفة خاصة الانترنت والفضائيات والهواتف النقالة لنقل صراعها مع حكوماتها إلى الساحة الدولية . فاستطاعت أجهزة الإعلام عن طريق تغطيتها للأحداث الفدائية والإرهابية وسعيها نحو الإثارة أن تقدم مثالاً يحتذى لكل المجموعات إن أرادت سلوك الطريق الأسهل للفت الانتباه .
النزاعات العرقية :
كما ذكرنا فإنه لا توجد دولة في العالم اليوم تخلو من النزاع العرقي إلا أن حدة النزاع تختلف بالطبع من دولة إلى أخرى حسب الظروف المحيطة بالنزاع نفسه . وتمثل هذه النزاعات كما هو معروف خطراً كبيراً بالنسبة لدول العالم الثالث حيث لا زالت هذه الدول تفتقر إلى الوحدة الوطنية التي تقيها شر الوقوع في حرب أهلية . من جانب فإن الربط الوثيق بين النزاعات العرقية وحق تقرير المصير يؤدي إلى إثارة اهتمام العالم الخارجي بهذه النزاعات خاصة عندما تتحول إلى صراع دموي بين مختلف الأطراف .
ولعل الأحداث التي شهدتها كاتنقا وبيافرا وبنغلاديش تؤكد ان الربط بين النزاع العرقي وحق تقرير المصير يقود عادة إلى تدخل القوى الخارجية ويتكون الصراع العرقي عادة عبر فترة طويلة من الاتصال بين مختلف المجموعات العرقية ويقوم أحياناً على سوء الفهم ويتم توارثه عبر الأجيال . ورغم أن الجانب العسكري من هذا الصراع قد يكون قصيراً ودموياً كما هو الحال بالنسبة لمشكلة بيافرا مثلاً إلا أن الصراع نفسه قد يستمر لفترة طويلة في حالة خمود قبل أن ينفجر مرة أخرى إذا لم يتم حله وتجاوزه . من الواضح أن استمرار الصراع لفترة طويلة يقود الأطراف إلى البحث عن حلفاء سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي ، ومع طول فترته قد تتكون لدى بعض هؤلاء الحلفاء شبكة من المصالح الخاصة التي لا تتطابق بالضرورة مع مصالح أطراف الصراع الأساسية مما يكون مدعاة للتدخل الأجنبي ويقود بالتالي لطول الفترة الزمنية للصراع.
لا يكون التدخل الخارجي في الصراعات العرقية بصورة سالبة دائماً بل أن هناك بعض الحالات التي قادت فيها هذه الصراعات إلى تدخل الدول المجاورة في شكل وساطة لوضع حد للصراع ، ولعل تدخل دول مجموعة الإيغاد للبحث عن حل سلمي لمشكلة الحرب في جنوب السودان يمثل واحداً من الحالات الإيجابية للتدخل الخارجي . وهناك بعض الحالات القليلة في افريقيا التي سعت فيها الدول لوضع حد للنزاعات عن طريق التعاون فيما بينها كإعادة تخطيط الحدود أو العمل على العودة الطوعية للاجئين .
إن النزاعات العرقية تؤثر بطريق غير مباشر على سياسات الدول وذلك بإضعاف هذه الدول اقتصادياً واجتماعياً مما يجعل تصرفاتها السياسية غير متزنة في كثير من الأحيان . يقول علماء السياسة الخارجية أن الدولة الضعيفة تتبع في الغالب سياسات غير مستقرة يصعب التكهن بها أو بنتائجها وذلك لضعف تركيبتها السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى ضعف مقدراتها في تحليل الأحداث الدولية ورسم وتنفيذ السياسات الفاعلة . من جهة أخرى فإن الدول التي تعاني من الصراع العرقي قد تتبع أحياناً سياسات تتسم بالمغامرة خاصة إذا كانت الدول المجاورة لها تعاني من مشاكل مشابهة . ولعل خير مثال لذلك السياسة التي كانت تتبعها اثيوبيا في عهد منغستو هايلي مريم تجاه كل من السودان والصومال . كانت اثيوبيا تتبع سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لجارتيها على أمل الضغط عليهما للتعاون في جل مشاكلها الداخلية او على الأقل ضمان انشغالهما بمشاكلهما الخاصة.