كأننا في نهاية النفق أو على حافة الهاوية

 


 

 




عندما انقسم السودان إلى شطرين في نهاية الفترة الانتقالية حاولت الحكومة مداراة فشلها في الحفاظ على الوحدة، بأن السودان أصبح أكثر انسجاماً وتوحداً بعد ذهاب الجنوب، وأن الانفصال مع السلام خير من الوحدة مع الحرب، وأن الفجوة الاقتصادية بذهاب بترول الجنوب مقدور عليها بما تبقى لنا من بترول الشمال وبالتركيز على تعدين الذهب وبرسوم ترحيل بترول الجنوب عبر الشمال وبزيادة الصادرات الزراعية والحيوانية، وأن العلاقة مع المجتمع الدولي ستصبح سالكة بعد زوال مشكلة الجنوب، وأن حل أزمة دارفور سيصبح ميسراً بعد التفرغ له، وأن التوافق الوطني مع أحزاب المعارضة سيكون هم الحكومة الأول. ولكن ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى أن الأزمات تزيد ولا تنقص، وأن الحكومة تزداد عزلتها في الداخل والخارج بل ان قاعدتها الإسلامية بدأت تتململ ضدها بصورة معلنة ولا تجد الحكومة جواباً لها غير التهديد بالمحاسبة! ويبدو للمراقب أن الحكومة تقف عاجزة تماماً عن حل المشكلات المحيطة بها من كل جانب، فهي لا تملك استراتيجية واضحة للتعامل مع المشاكل والأزمات السياسية خاصة في مناطق الهامش غير القوة والقهر، وعندما تفشل تلك الوسيلة العسكرية كما يحدث دائماً ترفض الحكومة أن تعترف بخطأ تلك الاستراتيجية، ولا تملك الحكومة رؤية موحدة لمعالجة كل مشكلة على حدة، ولا تملك إرادة سياسية نافذة لتتبع الخطة المتفق عليها بالعمل إلى نهاية الشوط.ولذا فهي تقف عاجزة عن حل المشاكل العديدة التي تمر بها وكأنها تتوقع أن يأتيها الفرج من حيث لا تحتسب! دون مجهود ودون أخذ بالأسباب.
وأهم المشكلات التي تواجه الحكومة في الوقت الحاضر هي: استمرار العمليات العسكرية المدمرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق التي طال أمدها، وكانت نتائجها كارثية بالنسبة للمواطنين المدنيين الذين نزحوا من مناطق العمليات دون أن يجدوا مأوى أو غذاء أو دواء، ولن تصمد الحكومة طويلاً في وجه الضغوط الدولية المتزايدة حتى تسمح للمنظمات العالمية أن تدخل إلى مناطق المتأثرين لتقديم الإغاثة والدواء لهم، ومن ثم تصبح المشكلة دولية بامتياز كما حدث من قبل في الجنوب وفي دارفور.وبدأت الكتابات الصحفية عن مأساة المواطنين الإنسانية تتسرب من معسكرات اللجوء في الجنوب ومن مناطق الجيش الشعبي داخل جبال النوبة مثل مقالات نكولاس كريستوف في جريدة النيويورك تايمز، وهي من النوع الذي يؤلب جماعات الضغط المعادية للسودان التي ستحث الإدارة الأمريكية لإنقاذ أرواح النازحين والمتأثرين في سنة انتخابية. لقد اختارت الحكومة أن ترفض اتفاق نافع-عقار «28 يوليو 2011» وتخوض حرباً في الولايتين غير محسوبة النتائج، مما أدى إلى أن تلتحق بعض فصائل دارفور «العدل والمساواة، وفصيلي عبد الواحد ومني» بجيش الحركة الشعبية قطاع الشمال لتكوين الجبهة الثورية السودانية المدعومة من حكومة الجنوب. والمشكلة أن الحكومة لا تستطيع أن تمضي في هذه الحرب المكلفة وغير الضرورية طويلاً ولا تستطيع في نفس الوقت التراجع عنها دون أن تريق ماء وجهها!
والمشكلة الثانية هي سوء العلاقات مع الجنوب حول المسائل العالقة التي قبلت الحكومة أن تؤجل التفاوض حولها إلى ما بعد الاستفتاء، وكانت غفلة تسببت في المعاناة الطويلة التي نشهدها منذ الانفصال حتى اليوم. ورغم شهور التفاوض الطويلة لم يحدث اتفاق في أي من المسائل العالقة ووصلت الأمور إلى طريق مسدود بعد أن قفلت حكومة الجنوب آبار النفط وتبادلت الاتهامات مع الحكومة حول دعم كلٍ منهما للمعارضة المسلحة ضد الطرف الآخر. ولا يستبعد أن تنشب حرب بين الدولتين بسبب الخلاف حول أبيي ومناطق الحدود المتنازع عليها، وطالما بقي الخلاف مع الجنوب على هذه الوتيرة العالية فلن يتمكن السودان من تطبيع علاقاته مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. وسيؤدي سوء العلاقة مع الجنوب بالضرورة إلى وقف الرعاة الشماليين من الرحيل جنوباً في موسم الصيف ووقف التجار الشماليين من بيع سلعهم في الجنوب وهذه خسارة بالغة بالنسبة لقطاع كبير من المواطنين، وربما يؤدي هذا الوضع إلى سوء معاملة الشماليين في الجنوب كما تفعل الحكومة للجنوبيين في الشمال. وستظهر المشكلة في شكل درامي عندما يصل التفاوض إلى قسمة مياه النيل التي سيطالب الجنوب فيها بحقه من حصة السودان الموحد «18,5 مليار متر مكعب» رغم عدم حاجته لها في الوقت الراهن ولكن الاحتكاكات السائدة بين الحكومتين ستجعل كل طرف يستخدم كل كروته ضد الطرف الآخر.
والمشكلة الثالثة هي الوضع الاقتصادي المتدهور الذي يتمثل في عجز الموازنة بحوالي 6 مليارات جنيه، وشح العملة الأجنبية في الأسواق مما رفع سعر الدولار حتى دخل السوق الأسود، وزيادة أسعار السلع الضرورية بصورة جنونية جعلت كل الناس تشكو لأن الأجور ما عادت تفي بمتطلبات الحياة في الوقت الذي ينعم فيه الدستوريون بمخصصات عالية تستنزف قدراً كبيراً من مال الدولة بحكم التضخم الهائل في هذه الوظائف المركزية والولائية، اضافة إلى الصرف السياسي والأمني الذي يستهلك أكثر من نصف الموازنة السنوية، وباستمرار الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق سترتفع هذه النسبة. وسيجبر الوضع الاقتصادي الحكومة على ضعف تنفيذ اتفاقية الدوحة وما تتطلبه من تعويضات للمتأثرين وتنمية وخدمات في الاقليم وتعمير القرى لجذب النازحين عنها.ولن تستفيد الحكومة من نظام إعفاء الديون على الدول الفقيرة «تبلغ ديون السودان حوالي 40 مليار دولار» لأن الشروط السياسية التي ربطت بإعفاء الديون لا ترغب الحكومة في الاستجابة لها.
والمشكلة الرابعة هي ضعف الحريات العامة وكبت القوى المعارضة من التعبير عن رأيها في الندوات والمحاضرات والمسيرات السلمية، وحظر الصحف ومصادرتها، واعتقال العشرات من الشباب والطلاب لأسابيع أو شهور.وهذه من سمات ضعف الدولة وليس من قوتها كما شاهدنا بالأمس في اليمن وكما نشاهد اليوم في سوريا. وفي ظل المشكلات الأخرى سيصبح الوضع قابلاً للإنفجار في أية لحظة ودون سابق إنذار مثل ما حدث من قبل في السودان وفي دول الربيع العربي من حولنا. ولا ينبغي للحكومة أن تغتر بقوتها أو بضعف المعارضة فهي ليست بأقوى من النظام المصري ولا التونسي ولم تكن المعارضة المنظمة هي التي أودت بالنظامين.
والطريق للخروج من النفق المسدود وتفادي حافة الهاوية التي نسير عليها هو التداعي الجاد لتوافق وطني شامل بين القوى السياسية والمدنية والنظامية حول معالجة المشكلات المذكورة وغيرها ، ووضع خريطة طريق واضحة المعالم لمستقبل نظام الحكم في السودان، فالوضع القائم غير قابل للاستمرار لمدة طويلة. وقد أعذر من أنذر!

aalabdin1940@yahoo.com

 

آراء