كارثة السيول والأمطار، حروب القبائل – اضمحلال سلطة!

 


 

عدنان زاهر
1 September, 2022

 

1
مقدمة الاعادة
كتبنت هذا المقال فى 17 أغسطس 2013 أى قبل تسع أعوام بالتمام و الكمال، و قد نسيته فى خضم المآسى المتجددة و المستمرة الممسكة بخناق الوطن، و أستمر قابعا بين أوراقى .عندما ضربت كارثة السيول " الحالية " السودان قررت الكتابة عنها مرة أخري، و أنا أبحث و أنقب وجدت ذلك المقال ضمن أوارقى.
عند أطلاعى عليه..... اندهشت، عندما وجدت نفس الوقائع فى المقال السابق قبل تسع اعوام تكرر الآن بشكل رتيب و بليد و مثير للحزن و الغضب. قررت نشر المقال السابق و بايراد الوقائع الحالية بين أقواس للمقاربة و المقارنة، التعرف على بؤس حالنا و لكشف اننا فى واقع الحال نسير الى الخلف بشكل منتظم كما ان الوطن يدور فى حلقة مفرغة!!
2
نص المقال السابق :
يواجه السودان اليوم بحدثين مهمين و لكى يصبح قولنا أكثر دقة و تحديدا كارثتين مدمرتين،هما السيول و الامطار التى ضربت كل انحاء السودان و من ثم الحروب المشتعلة أصلا أو التى اندلعت حديثا بين بعض القبائل فى انعدام و اختفاء كامل للدولة و السلطة المناط بها أدارة شئون المواطنين و الوطن .
أمطار و سيول دمرت 20 ألف منزل كليا و 20 ألف جزئيا،خلفت 80 قتيلا و شردت 150 ألف نسمة فى العراء بلا مأوى،دخل أو مورد تقتات منه.( المتحدث الرسمى للدفاع المدنى العميد عبدالجليل عبد الرحيم يقول انهيار 20 الف فى جميع أنحاء البلاد ).......كما ( أعلنت الأمم المتحدة تضرر أكثر من 25 ألف شخص و نزوح 2500 فى محلية المناقل كما ان أكثر الأماكن تضررا هى شرق ، وسط ،جنوب دارفور ،النيل ، النيل الأبيض ،غرب،جنوب و شمال كردفان،سنار " المتضررين 136000 " )........أعلنت حالة الطوارئ فى ستة ولايات من أصل 18 ولاية ) ( موت 89 شخصا جراء الفيضانات )..... وقعت الكارثة فى غياب كامل للسلطات لحماية المواطنين أو تقديم العون لهم، بل أكثر من ذلك منعت السلطة منظمات المجتمع المدنى من تقديم العون للمتضررين.
طرح المسؤلين فى السلطة و المؤتمر الوطنى اسبابا واهية و مخجلة و احيانا مستفزة لقصورهم.المتعافى والى الخرطوم يصرح بأن ما وقع ليس بكارثة بل هى أزمة لأن حسب رأيه " الكارثة تكون عندما يروح ضحيتها نصف السكان ) !.......و أضاف بان مثل هذه الأمطار لم تكن متوقعة!
أحد المسئولين يقول كان على المواطنين المتضررين أن يقوموا ببناء منازلهم بمواد " أقوى " حتى لا تسقط و تقاوم الأمطار و السيول !!....أما ( مسئول الدفاع المدنى الحالى فيقول...السيول كانت قوية و هنالك حافلات كانت تقل الركاب على الأسفلت فتأتى الفيضانات و السيول لتحرف المركبه و تسبب فى الحوادث و الغرق )!!.......
مدير هيئة الارصاد الجوى الدكتور عبداله خيار يكذب قول المسئولين و يصرح لبعض الصحف بأنهم أبلغوا المسؤلين منذ مايو الماضى بأن التوقعات تشير الى أن خريف هذا العام سيكون شديدا و أن الأمطار ستهطل بكميات غزيرة و كثيفة .
موقف السلطة ، " افعالهم " و ليس فقط اقوالهم، كانت مخزية و تفتقر ليس فقط للمسئولية بل أيضا للحس الانسانى و الوجدان السليم و بل يمكن أن يصنف بُعض من تلك الممارسات معارضتها للقانون ( ضعف و أهمال القنوات الرئسية التى تمنع تلك السيول قرب النيل الأبيض التى تقع فيها تلك القرى ).....( الأهمال الممنهج و تدمير مشروع الجزيرة مع تسليم مصدات الحماية فى القنوات الرئيسية و مصارف التنفيس لبطانة السلطة بدلا عن أدارة الرى و الحفريات )......... نسوق أيضا بعض الأمثلة القليلة فقط لموقف السلطة :
1- رفضت السلطة الاعتراف بأن ما حدث هو كارثة حقيقية حتى يتدخل المجتمع الدولى للمساعدة كما حدث ابان خريف 1988 و صرح مسئول مبررا ذلك الرفض و موغلا فى الفجور فى الخصومة (بأن عام 88 لم تكن هنالل دولة )!!!كأن الحكومة التى تحكم السودان الآن تمثل دولة !!
2- وزير الصحة يطلب من منظمات الأغاثة المُبادرة لمساعدة المواطنين فى غياب الدولة، تسليم الأدوية التى بحوزتهم لتقوم الدولة بتوزيعها.ما يثير الحيرة و الدهشة أن هذه السلطة لا زالت تعتقد أن المواطنين يثقون بها مع كل الفساد الذى يعشش على أجهزتها و مؤسساتها !
3- تم أختفاء و سرقة مواد اغاثة قادمة من دولة قطر من مطار الخرطوم بمساعدة أمن المطار( صحيفة حريات )
4- اللجان الشعبية فى الاحياء المتضررة توزع مواد الاغاثة المتاحة لمنسوبيها و معارفها و افراد اسرهم و تحجبها عن بقية المواطنين المتضررين.
5- قالت أحد الصحف بأن مسئول سيادى أجلى أو " خارج " ابقاره من المزرعة التى يملكها تاركا القاطنين بها من السكان للامطار و السيول.!
التلخيص المختصر الذى ذكر أعلاه كان عن الكارثة الأولى أما الكارثة الثانية فهى الحروب المشتعلة بين القبائل القديم منها و الجديد. فقد اشتعلت حربا مدمرة بين الرزيقات و المعاليا راح ضحيتها حتى الآن أكثر من مائة و خمسين شخصا كما جرح المئات و تم ذبح طبيب فى الضعين كما يذبح الخروف بدعوى تعاطفة مع المعاليا !
يقول واحد من الرزيقات كما جاء فى احد الصحف و فى لغة تشابه لغة الناطق الرسمى للجيش السودانى ( لقد واجهنا المعاليا و دمرنا أحد قواعدهم و قتلنا 70 منهم و خسرنا 30 رجلا ) !!
هنالك الحرب الدائرة بين قبيلة المسيرية و السلامات و التى راح ضحيتها العشرات!....الحروب المشتعلة أدت الى نزوح 30 ألف شخص الى تشاد منذ شهر يوليو المنصرم .
و الجديد فى حروب القبائل انتقالها لشرق السودان لتبدأ اشتباكات و مناوشات بين الهدندوة و الفلاتا. (الاقتتال فى مدينة الجنينة التى تقوم به قوات الجتجويد " محلية كرنك " الحروب الأخرى المنتشرة فى دارفور ،النزاع بين المساليت الذين يسكنون المنطقة و القبائل العربية " الرزيقات "،النزاع المسلح فى النيل الأزرق بين قبيلتى الهوسا و البرتا و المتحالفين معها ...ألخ )
الكارثتين و أعنى كارثة السيول و الامطار و من ثم الحروب المندلعة بين القبائل ليست بالفعل المفاجئ أو هى انبعث من العدم،هى حروب لها اسبابها الكامنة فى بنية السلطة الحالكمة و سياساتها المقصودة و المتخبطة .
1-سلطة الانقاذ عملت منذ استيلائها على الحكم بانقلاب على توجيه موارد الدولة لحماية نظامها ( 70% من الميزانية تخصص للأمن و القوات النظامية ).أهملت تماما الصرف على البُنى التحتية أو تأهيل القديم منها بما يواكب العصر و التوسع الذى قامت به من غير دارسات علمية، و بالطبع كان من الطبيعى ان تتسبب الأمطار و السيول فيما يشاهد الآن .
2- لتوطيد حكمها عملت على بث الفرقة و النزاعات بين القبائل التى عاشت لقرون متجاورة و متصالحة،وزعت الأراضى و الحواكير لمن لا يستحقونها و تلاعبت بالموارد لمصالحها أو مصالح من يؤيدونها لتشتعل الحرب بين القبائل حول الأرض و الموارد، لاحقا تتحول لحروب عرقية و حول السلطة التى قامت باحتكارها. ( فى دارفور وحدها قتل 300 الف شخص و شرد الملايين).
3- نفس السياسات تقوم باتباعها الآن فى الحروب التى تقودها فى كردفان و النيل الأزرق .
ان عجز السلطة عن مواجهة كوارث الأمطار و السيول،تأليبها و تأجيجها للحروب بين القبائل يعكس اضمحلال و تفكك هذه السلطة ، عدم قدرتها على أدارة الدولة و يمكن القول باطمئنان أنه يؤرخ لنهاية حكومة أسست سلطتها على العنف،قهر الآخرين و مصادرة الحريات .

3
خاتمة جديدة للمقال !

ما يحدث فى سودان اليوم ليس صدفة،بل هو نتيجة حتمية لسياسات خاطئة أستمرت طويلا، و عمل انقلاب البرهان و رهطه المسيطرين على السلطة ،فى الأستمرار فى نفس الممارسات....السياسات بل تعميقها.هم السبب فى كل مايحدث امام أعيننا.....فأن لم يبعدوا و يزالوا سريعا، فنحن موعودون بكثير من المآسى و المحن !

عدنان زاهر

28 أغسطس 2022

elsadati2008@gmail.com
///////////////////////

 

آراء