كان ضوءا صافيا في عالم معتم
د. عبد الرحيم عبد الحليم محمد
23 August, 2021
23 August, 2021
abdelrmohd@hotmail.com
1
لم يكن مسمى الصافي عنده اسم علم فحسب وانما صفة فهو صاف عذب المناهل...لين رطب وبسيط قوي في الحق .. يطرحه عليك فتحس أن جبال جهلك قد دكت دكا من هيبة تجلياته وجمال اضاءاته ونصاعة مفرداته. إنه ينقل الى مساماتك أنواره المعرفية عبر بسمة نقية ولغة بسيطة هي كشاشة سينما رضوانية تنقلك من مشهد الى مشهد عبر مجاري فيها اللغة والبيان ...وفيها الأدب ظاهر! القدرة على نقل المعاني والسير من خلال فراديس اللغة والفلسفة وبحار التصوف ،هبة من الله الى عبده الصافي جعفر فهو صافي ومرآة علم وفير وتأمل ثاقب مبارك في ملكوت الكون وسير الأنبياء والصالحين ومراقي الساعين إلى رب العالمين. للصافي هبة الهية في تجديد أوردة الحب في الناس واعادة الثقة الى المفردات فتعبر بإذن ربها عن الحقيقة. إعادة الثقة لقاموس اللغة مكنه من انتاج درر الكلام بثوب عصري لا مجال فيه للجمود والغلو و سعى إلى السير بالدين في طرق الناس كواقع وممارسة عبر بوابة جمال الخالق وجلاله وقدرته وفطرته وسلوكيات القادرين على هذا السلوك والممارسين له دينا ودنيا.
2
عندما تحاول الكتابة عن عالم جليل كالصافي جعفر، ينهال على ذاكرتك سرب من طيور غر تسبِّح بذكر ربها في الغدو والآصال...سرب يقتحم كل ساحات وجدانك عبر انتقاضات أجنحة جذلى على سدرة الصافي جعفر. مهمة ذلك السرب ليس العبور وانما الاستقرار في قلبك وفتح ملفات عديدة داخله منها الحقيقة والطريقة والجمال والاحسان والتواصل والحوار ووحدة الطريق إلى رب العالمين. بهذا فقد ظل الصافي ميسرا لأمر صعب هو صهر المعاني التي عتِّقت من عهد آدم لتكون لدى الناس سلوكا وقيما فكان هو أحد أقنيتها التي يصب منها في وجدان الناس كساق لندامى في حديقة الحب في الله والسعي لمرضاته:
خمرنا خمر المعاني
عتقت من عهد آدم
ولها نحن القنان
من زمان قد تقادم.
3
نشأ الصافي جعفر في بيت علم ودين. تشكلت خارطة الدين والتصوف لدى هذا العابد في منطقة تعج بالأولياء والصالحين ما بين بيت والده المقريء جعفر الصافي ووالدته الفارسة العالمة الحرم المدني حجر. في صباه دوى صوت وحدة الطرق إلى رب العالمين في دائرة السيد محمد علي العجيمي في البرصة ليس بعيدا عن بار الحجراب حيث أطلق الصافي صرخته الأولى. وما زال الصبي العابد يترعرع وتنمو بداخله حدائق الذكر والذاكرين عبر مختلف مراحل تعليمه وصلاته مع بيوت الفقرا داخل الوطن ثم من بعد دراسة الهندسة في المعهد الفني وبريطانيا التي زارتها والدته الحرم وحدثتنا عنها وعن مشاهدها وحواراتها وقصصها الايمانية الكثيرة والموحية هناك. ولأمنا الحرم كغيرها من الفقيريات العجيميات اللائي نلن قدرا بسيطا من التعلم في برامج محو الأمية ، قدرة هائلة على دهم طرحها بنذر من ديوان كامل الأنوار للشيخ العجيمي ومؤلفاته الموجهة الى وجدان الناس فيما يلى السعى إلى الله تعالى ونيل مرضاته.. عندما انبرت سلطة مايو يومها الى تعقب واعتقال من سمتهم بالإخوان المسلمين وكان الصافي بينهم ، توجهت الحرم الى مقابلة الوزير فاروق حمد الله حيث وصفت بدقة حرسه وهيبته ونياشينه وأنجمه المذهبة العديدة. هناك أخبرته بأن الدين عند ابنها السجين ليس انتماء سياسيا ولكنه ايمان أساسي:
قلتلو ولدي دا فكوه...بيسا عدني في تربية أيتام...هو ما هو من الأخوان المسلمين ...نحن شيخ طريقتنا معلمنا الزهد في الدنيا". وكانت عباراتها تلك أمر اطلاق سراح لابنها السجين. وتمر السنوات / ليحتفي به حكام الانقاذ كونه من الاسلاميين. وهناك قال قولته المأثورة:
أنا جاييكم بى كسيقي
والكسيق عند أعلنا شمالا هو مؤونة عينية يحملها المدعو الى بيت فرح كإسهام منه إلى صاحب الدعوة بحيث لا يكون دور حامل الكسيق هو التلقي وانما العطاء والإسهام فلم يكن محتاجا لمن يصادق على اسلاميته التي منحها له الخالق كفرد في امة جعلها الله وسطا إن الصافي كان من المدركين العارفين لرسالة الخالق للإنسان حين أنزله الى الأرض وجعله وريثا له في الخلق والابداع ليرجع الى الله في المنتهى ليحاسبه على الأداء "إن الى ربك الرجعى"
في سرادق عزاء والدنا شيخ الذاكرين وحبيبه وصفيه وشيخه، توسط الصافي الجمع ليحدثهم عن معاني الرجوع الى الله تعالى كمنطق رباني :
إني أحن الى تلك الديار ولي بها
عهد قديم قبل إحضاري.
هناك حيث استفاض العالم الجليل في ايضاح مفهوم المرجعية إلى الخالق منبها الناس الى أن مخمتهم هي بناء الكون مستندين إلى قدرة الله تعالى وما منحه الله تعالى للإنسان بقدرته من مواهب لبكون قادرا على حمل الأمانة التي ناءت عن حملها الجبال.
الآن يعود الصافي المهذب صافيا الى رب العالمين ...صافيا كجدول نمير يمر من النيل الى بساتين "الدائرة" أو يسقي نخلا في البار والناصراب وجلاس والأركي ومنازل الفقرا ...اخوان الصفاء والحب في الله في رومي البكري والعفاض وجرا والجابرية وغيرها في منحنى النيل وغيره وأراهم هنا ينشدون:
تودعنا
يا رقيق الرقايق ترحل
يا شاسعا كفضاء المديح
وتوجعنا بالرحيل المباغت
يا بلسما للجروح
يريق كؤوس التلاوات في الفجر
حين يراح بها فتريح
يا عاشقا مستهاما
يمد يد الحب للناس
والسنوات جروح
كنار المكلم
كنت تضيء المكان
وتعبر طوفانه كسفينة نوح
ان السفينة تبرم عقدا
بانك رمز اراح اماكننا
واضاء الصروح
ترحل
لن تختفي او تموت
سيحفظك الدهر سرا وجهرا
وحبا به سيبوح
تصعد بالمدح روحك
يا صافيا في الاعالي
وتسكن في كل بهو فسيح
لك الرحمة يا أبا جعفر والشمول بلطف اللطيف وغفران الغفور ورحمة الرحمن الرحيم. ‘ن الى ربك الرجعى.
1
لم يكن مسمى الصافي عنده اسم علم فحسب وانما صفة فهو صاف عذب المناهل...لين رطب وبسيط قوي في الحق .. يطرحه عليك فتحس أن جبال جهلك قد دكت دكا من هيبة تجلياته وجمال اضاءاته ونصاعة مفرداته. إنه ينقل الى مساماتك أنواره المعرفية عبر بسمة نقية ولغة بسيطة هي كشاشة سينما رضوانية تنقلك من مشهد الى مشهد عبر مجاري فيها اللغة والبيان ...وفيها الأدب ظاهر! القدرة على نقل المعاني والسير من خلال فراديس اللغة والفلسفة وبحار التصوف ،هبة من الله الى عبده الصافي جعفر فهو صافي ومرآة علم وفير وتأمل ثاقب مبارك في ملكوت الكون وسير الأنبياء والصالحين ومراقي الساعين إلى رب العالمين. للصافي هبة الهية في تجديد أوردة الحب في الناس واعادة الثقة الى المفردات فتعبر بإذن ربها عن الحقيقة. إعادة الثقة لقاموس اللغة مكنه من انتاج درر الكلام بثوب عصري لا مجال فيه للجمود والغلو و سعى إلى السير بالدين في طرق الناس كواقع وممارسة عبر بوابة جمال الخالق وجلاله وقدرته وفطرته وسلوكيات القادرين على هذا السلوك والممارسين له دينا ودنيا.
2
عندما تحاول الكتابة عن عالم جليل كالصافي جعفر، ينهال على ذاكرتك سرب من طيور غر تسبِّح بذكر ربها في الغدو والآصال...سرب يقتحم كل ساحات وجدانك عبر انتقاضات أجنحة جذلى على سدرة الصافي جعفر. مهمة ذلك السرب ليس العبور وانما الاستقرار في قلبك وفتح ملفات عديدة داخله منها الحقيقة والطريقة والجمال والاحسان والتواصل والحوار ووحدة الطريق إلى رب العالمين. بهذا فقد ظل الصافي ميسرا لأمر صعب هو صهر المعاني التي عتِّقت من عهد آدم لتكون لدى الناس سلوكا وقيما فكان هو أحد أقنيتها التي يصب منها في وجدان الناس كساق لندامى في حديقة الحب في الله والسعي لمرضاته:
خمرنا خمر المعاني
عتقت من عهد آدم
ولها نحن القنان
من زمان قد تقادم.
3
نشأ الصافي جعفر في بيت علم ودين. تشكلت خارطة الدين والتصوف لدى هذا العابد في منطقة تعج بالأولياء والصالحين ما بين بيت والده المقريء جعفر الصافي ووالدته الفارسة العالمة الحرم المدني حجر. في صباه دوى صوت وحدة الطرق إلى رب العالمين في دائرة السيد محمد علي العجيمي في البرصة ليس بعيدا عن بار الحجراب حيث أطلق الصافي صرخته الأولى. وما زال الصبي العابد يترعرع وتنمو بداخله حدائق الذكر والذاكرين عبر مختلف مراحل تعليمه وصلاته مع بيوت الفقرا داخل الوطن ثم من بعد دراسة الهندسة في المعهد الفني وبريطانيا التي زارتها والدته الحرم وحدثتنا عنها وعن مشاهدها وحواراتها وقصصها الايمانية الكثيرة والموحية هناك. ولأمنا الحرم كغيرها من الفقيريات العجيميات اللائي نلن قدرا بسيطا من التعلم في برامج محو الأمية ، قدرة هائلة على دهم طرحها بنذر من ديوان كامل الأنوار للشيخ العجيمي ومؤلفاته الموجهة الى وجدان الناس فيما يلى السعى إلى الله تعالى ونيل مرضاته.. عندما انبرت سلطة مايو يومها الى تعقب واعتقال من سمتهم بالإخوان المسلمين وكان الصافي بينهم ، توجهت الحرم الى مقابلة الوزير فاروق حمد الله حيث وصفت بدقة حرسه وهيبته ونياشينه وأنجمه المذهبة العديدة. هناك أخبرته بأن الدين عند ابنها السجين ليس انتماء سياسيا ولكنه ايمان أساسي:
قلتلو ولدي دا فكوه...بيسا عدني في تربية أيتام...هو ما هو من الأخوان المسلمين ...نحن شيخ طريقتنا معلمنا الزهد في الدنيا". وكانت عباراتها تلك أمر اطلاق سراح لابنها السجين. وتمر السنوات / ليحتفي به حكام الانقاذ كونه من الاسلاميين. وهناك قال قولته المأثورة:
أنا جاييكم بى كسيقي
والكسيق عند أعلنا شمالا هو مؤونة عينية يحملها المدعو الى بيت فرح كإسهام منه إلى صاحب الدعوة بحيث لا يكون دور حامل الكسيق هو التلقي وانما العطاء والإسهام فلم يكن محتاجا لمن يصادق على اسلاميته التي منحها له الخالق كفرد في امة جعلها الله وسطا إن الصافي كان من المدركين العارفين لرسالة الخالق للإنسان حين أنزله الى الأرض وجعله وريثا له في الخلق والابداع ليرجع الى الله في المنتهى ليحاسبه على الأداء "إن الى ربك الرجعى"
في سرادق عزاء والدنا شيخ الذاكرين وحبيبه وصفيه وشيخه، توسط الصافي الجمع ليحدثهم عن معاني الرجوع الى الله تعالى كمنطق رباني :
إني أحن الى تلك الديار ولي بها
عهد قديم قبل إحضاري.
هناك حيث استفاض العالم الجليل في ايضاح مفهوم المرجعية إلى الخالق منبها الناس الى أن مخمتهم هي بناء الكون مستندين إلى قدرة الله تعالى وما منحه الله تعالى للإنسان بقدرته من مواهب لبكون قادرا على حمل الأمانة التي ناءت عن حملها الجبال.
الآن يعود الصافي المهذب صافيا الى رب العالمين ...صافيا كجدول نمير يمر من النيل الى بساتين "الدائرة" أو يسقي نخلا في البار والناصراب وجلاس والأركي ومنازل الفقرا ...اخوان الصفاء والحب في الله في رومي البكري والعفاض وجرا والجابرية وغيرها في منحنى النيل وغيره وأراهم هنا ينشدون:
تودعنا
يا رقيق الرقايق ترحل
يا شاسعا كفضاء المديح
وتوجعنا بالرحيل المباغت
يا بلسما للجروح
يريق كؤوس التلاوات في الفجر
حين يراح بها فتريح
يا عاشقا مستهاما
يمد يد الحب للناس
والسنوات جروح
كنار المكلم
كنت تضيء المكان
وتعبر طوفانه كسفينة نوح
ان السفينة تبرم عقدا
بانك رمز اراح اماكننا
واضاء الصروح
ترحل
لن تختفي او تموت
سيحفظك الدهر سرا وجهرا
وحبا به سيبوح
تصعد بالمدح روحك
يا صافيا في الاعالي
وتسكن في كل بهو فسيح
لك الرحمة يا أبا جعفر والشمول بلطف اللطيف وغفران الغفور ورحمة الرحمن الرحيم. ‘ن الى ربك الرجعى.