كذبة سقوط حصن باب العزيزية

 


 

سارة عيسى
25 August, 2011

 



في العادة لا أستسيغ التحليلات العسكرية للأخوة المصريين ، فهم يفتقدون للموضوعية ويجنحون للخيال  في كثير من الأحيان ، وغير كل ذلك أنهم لا يخفون إنحيازهم مع هذا الطرف أو ذاك ، ففي حرب إكتوبر 73 ضخّم المصريون  خط بارليف وجعلوا منه إسطورة  ومناعة وقوة أشبه بسد ياجوج وماجوج ، لكن إذا شاهدت صور هذا الخط سوف تندهش لو علمت أنه حاجز من الرمل ، والدليل على ذلك أن المصريين دكوه بخراطيم المياه وليس عن طريق القصف المدفعي ، وهناك من يقول أن حرب إكتوبر 73 كانت هدية من أمريكا للسادات حتى يوقع إتفاقية كامب ديفيد ، وذلك لأن الشعب المصري لن يقبل بهذه الإتفاقية إذا أتت تحت ضغط الهزيمة ، لذلك كان لابد من نصر حتى ولو على الورق ،  ولذلك أعتبر إحتفاء المصريين بنصر أكتوبر أشبه بإحتفائهم بذلك السبايدر مان الذي تسلق فوق مبنى السفارة الإسرائيلية وأسقط علمها من علو شاهق ، طبعاً هذا النصر المعنوي لن يغير الحقائق على الأرض ، فالمصريون كانوا في حاجة لنصر معنوي يشعرهم بالراحة ويجعلهم يقبلون بالخطوة التي أقدم عليها الرئيس السادات ،  ، ولذلك لو قرأت الملف التاريخي لحرب إكتوبر من كل الزوايتين ، من زاوية السادات الذي وصف نفسه بأنه منتصر ، ومن زاوية الفريق سعد الدين الشاذلي وهو يتحدث عن تلك الثغرة الوهمية التي أدت لفقدان النصر  ، ربما يقودك ذلك لخلاصة مهمة وهي أن كل الرجلين لم يكونا في الجبهة بناءً  وذلك بناءً على البون المتسع في سرد الحقائق وتولي كل طرف نظرية مختلفة عن الثاني ، وهناك الآن في مصر من يقول أن الرئيس حسني مبارك لم يقوم بالضربة الجوية داخل إسرائيل وفقاً لما تكرسه مصادر التاريخ المصري ، وربما يؤكد هذا زعمي أنه لم تكن هناك ضربة جوية من الأساس ، وأن ما حدث في حرب 73 هو مسرحية وبروفة للحرب كان الهدف منها الوصول لكامب ديفيد بشكل سريع  ، وقد أستخدم المصريون خيالهم وأدمغتهم لرسم صورة حرب لم تكن موجودة .
في حرب العراق الأخيرة بين صدام والولايات المتحدة ، وعندما أحتلت الأخيرة مطار بغداد كان الفريق سعد الدين الشاذلي يكذب الصور ، ولا زلت اذكره عندما قال أن مطار بغداد مساحته أربعمائة كيلومتر ، لذلك تصعب السيطرة عليه ، ثم أردف قائلاً أن أمريكا لا تملك العدد الكافي من الفرق العسكرية للسيطرة على العراق اللهم إلا إذا سحبت قواتها من أفغانستان و كوريا الجنوبية ، طبعاً لم يكن هذا  وبأي حال من الأحوال تحليل عسكري ، فالرجل كان يحاول بث الروح المعنوية في الشعب العربي الذي ابتلاه الله بالهزائم ، لكن هذا يجعلنا نشك في مصداقية كل من يسمون أنفسهم  بالخبراء العسكريين .
هذه الصورة النمطية تكررت في ليبيا ، خبير عسكري مصري إسمه صفوت الزيات ، وهو ضيف على كل الفضائيات العربية وهو يحدثنا عن الحرب والقتال ، وهو يتحدث عن مجمع باب العزيزية جعلنا هذا الرجل نعيش في وهج الإسطورة ، وأجزم بأن سد ياجوج وماجوج  - كما جاء في وصف هذا الرجل - كان لا يُقارن من حيث المناعة والقوة  بحصن العزيزية ، فهو تحدث عن ثلاثة اسوار منيعة ودولة كاملة تحت الأرض ، وسجون ، وأجهزة تحكم في الهاتف والكهرباء والمياه ، ومبنى محصن من الزلازل والهجمات النووية ، وتحدث عن أنفاق طويلة وممتدة تحت الأرض ، لكن ما رايته على الفضائيات خيّب ظني وجعلني لا أثق البتة في الإعلام العربي ، فأنا لم ارى ثواراً بل رايت مليشيات منفلتة تقوم بأعمال السلب والنهب ، ولا يبدوا أنهم يكترثون كثيراً لهرم القيادة العسكري ، فهم مجموعات تعمل من دون تنسيق أو تلقي الأوامر من جهة واحدة ، بل أننى لم أرى لهم قيادة مركزية في طرابلس ، والفرق بينهم وبين الحالة العراقية أن اللصوص هنا يُسمون ثواراً ولهم سند دولي وهم يقومون بنهب الدور الحكومية ، وقد ضخّمت وسائل الإعلام العالمية قصة سقوط حصن العزيزية لكن الصورة التي نقلتها لنا لا تناسب الحدث ، حيث رأينا مباني مهدمة ، خيام وحدائق ، نافورات مياه ، واثاث مبعثر ، ولن يصل إلى مخيلتك أن هذا المجمع كان يستخدم في قيادة العمليات العسكرية ، وحتى لم أرى أي تحصينات عسكرية ، وسور المجمع من مبنى من الواح الخرسانة الجاهزة وهو غير مرتفع وليس عليه ما نسميه " بشبك الحرامي " ، مما يعني أنه يُمكن الدخول لهذا المبنى من دون طرق الأبواب الأربعة ، وفي العمل العسكري يُعتبر الإستيلاء على هذا المجمع صيد إستخباراتي حيث يتم جرد المحتويات ومصادرتها وتقييم حجم المعلومات ، لكن ما رايته هو دخول تلك المجموعات المجمع والإستيلاء على كل محتوياته من دون الإكتراث للمقولة الذهبية أن هذه المقتنيات تخص الشعب الليبي  كله ، فلم يعد هناك فرق بين ليبيا وليبريا ، فهذا البلد قد تم إحتلاله من جديد ، وفاجعة المعارضين لنظام القذافي أن الأموال المُجمدة لن تسلم لهم مباشرة ولكنها تُسلم للجنة تكونها مجموعات الإتصال الدولي حول ليبيا ، وهذه أشبه بلجنة النفط مقابل الغذاء في العراق التي كونتها الأمم المتحدة للإشراف على عائدات النفط العراقي ، فالتجربة تتكرر في ليبيا ، ولكن هذا العرس الذي كثر فيه المعازيم على المال الليبي سوف ينتهي وينفض بعد أن نرى نذر الحرب الأهلية

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء