كرامات القطب نتنياهو
د. عبد الوهاب الأفندي
17 October, 2011
17 October, 2011
(1)
بعد حوالي شهرين من بداية الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، قلت في محاضرة لي في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية إن أنصار الزعيم الراحل آية الله الخميني يكونون معذورين لو رأوا إننا أمام "كرامة" من كرامات الإمام الراحل. ذلك أنه كان على رأس أهداف الخميني ونظامه منذ قيام الثورة الإسلامية إسقاط نظام صدام في العراق وزعزعة استقرار دول الخليج. وقد حقق الغزو كثيراً منها.
(2)
بعد قيام نظام طالبان في أفغانستان في عام 1996، أضيف إلى أهداف النظام الإيراني إسقاط الطالبان، وأوشك الأمر إلى أن يصل إلى حرب مفتوحة بين الطرفين في نهاية التسعينات. وخلال أعوام قليلة تحققت كل هذه الأهداف تقريباً. فقد تصدع الحلف العراقي-الخليجي بغزو صدام للكويت، وجعل الله بأسهم بينهم شديداً. وتعرضت دول الخليج وعلى رأسها السعودية لاضطرابات داخلية بعد دخول القوات الأمريكية إلى الخليج. وهذا بدوره أدى إلى تصاعد الهجمات ضد أمريكا من حركات مثل القاعدة، بحيث انقلب الأمر فأصبح الإسلام السلفي الذي تمثله السعودية هو العدو الأول لأمريكا بدل الإسلام الشيعي كما كان الحال أيام الخميني.
(3)
اكتمل النسق بين عامي 2001 و 2003، حيث أطاحت أمريكا وحلفاؤها بنظام طالبان ثم ثنت بالإطاحة بصدام وتنصيب حلفاء إيران حكاماً على العراق مكانه، وهو ما لم يكن يخطر لقادة إيران حتى في أكثر أحلامهم وردية. ولو أن إيران نجحت في إسقاط نظام صدام وتنصيب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة حكاماً للعراق لقامت فيامة الدنيا عليها وعليهم. ولكن هذه المنظمات وصلت إلى الحكم على الدبابات الأمريكية وفي حراسة القوات الدولية وبمباركة وحماس من دول الخليج، ولله في خلقه تدابير يعلمها.
(4)
بنفس القدر فإن أغلى أماني رئيس وزراء إسرائيل بنجامين نتنياهو حين جاء إلى الحكم لم تكن تبلغ إسقاط نظام الأسد وتحويل حزب الله إلى ميليشيا طائفية كسيحة في حالة حرب مع المجتمع اللبناني بينما إسرائيل منها آمنة مطمئنة. لم يكن نتنياهو يتوقع، وإن كان يتمنى، إشعال الصراع بين إيران والسعودية، وتعبئة الولايات المتحدة في حملة مباشرة ضد النظام الإيراني.
(5)
بح صوت بيبي نتنياهو وهو يصرخ "الذئب! الذئب!" عن الخطر الإيراني دون أن يصدقه أحد، لمعرفة الجميع بأنه كذوب. ويحتاج بيبي لانشغال الناس بإيران وأسلحتها النووية المزعومة عن جرائمه في الأراضي المحتلة، ويتركوا له الفرصة ليملأ الأرض المباركة بالمستوطنات، حتى إذا فرغ الناس من شأنهم وجدوا فلسطين وقد اختفت من الخارطة. وكما أن غاية أماني عباس والقادة العرب اليوم هو دولة فلسطينية فيما تبقى من الضفة، فإن المطالبات ستكون وقتها بالسماح بدولة فلسطينية في غزة، وهو مطلب سترفضه إسرائيل.
(6)
ولكن كل ذلك حدث الآن. فسوريا خرجت من اللعبة ومعها حزب الله، والسعودية وإيران سيكونا مشغولين لسنوات قادمة بالحرب التي اشتعلت بينهما بعد أن نجحت إسرائيل والإدارة الأمريكية في تحقيق المعجزة وتجنيد السعودية لتصبح رأس الرمح في الحملة الجديدة ضد إيران.
(7)
لا يبدو أن بيبي من صنف من يؤمنون بالله وينسبون له المعجزات، ولكن هناك في ائتلافة حشد غير قليل من المتطرفين الدينيين ممن سيرون في هذه التحولات آية جديدة من آيات رضا الله عن بني إسرائيل ومدافعته عن شعبه المختار. فبينما كانت إسرائيل تواجه عزلة دولية بسبب عنجهية حكومة نتنياهو المتطرفة حتى بمقاييس غلاة الصهاينة وأنصارهم، إذا بالأمور تتحول فينشغل الأعداء بأنفسهم. فقد سخر الله السعودية ودول الخليج لمعاقبة إيران وعزلها كما سخرهم من قبل بقدرته لمعاقبة العراق وحصاره وعزل صدام.
(8)
ولكن ما هو التفسير المقبول لهذه التحولات عند من لا يؤمن بأن بيبي من أولياء الله الصالحين وأصحاب الكرامات؟ يمكن في هذه الحالة أن تلام الشياطين، نعني شياطين الإنس، وهي غالباً أجهزة المخابرات. فإذا كانت أماني إسرائيل وأنصارها هي أن توقع بين إيران والسعودية، وحدث هذا ب "معجزة" ما، فلا بد أن جهاز مخابرات معين ساهم في اجتراح هذه المعجزة.
(9)
قد تكون بعض عناصر النظام الإيراني من الغباء بحيث وقعت في حبائل عناصر تعمل للموساد بعلم أو غير علم. ولكن ما نأمله ألا تكون السعودية من الغباء بحيث تبلع هذا الطعم. فمن المسلم به، مهما كانت ملابسات العملية الإرهابية السريالية المزعومة، أن إيران ليست حالياً في حالة حرب مع السعودية ولا تريد أن تكون. ولكن إذا قررت السعودية أن تدخل في اللعبة الإسرائيلية الحالية لتصبح رأس الرمح في الحملة على إيران وحشرها في الزاوية، فإن إيران ستصبح في حالة حرب مع السعودية، دفاعاً عن نفسها.
(10)
نتيجة لما حققته السعودية وحلفاؤها الأمريكيون من "إنجازات" فإن إيران التي ستواجهها السعودية اليوم ليست إيران أيام حرب الخليج، بل هي إيران جديدة لها نفوذ واسع في العراق، وقدرات عسكرية متطورة، وسيمتد أي صراع معها بالضروة إلى العراق والخليج نفسه.
(11)
قد يكون من العقل أن تنأى السعودية بنفسها عن هذه المسرحية، وأن تترك الأمر لأمريكا وإسرائيل وحلفائهما. وإذا كان لا بد فعلى السعودية أن تعزز موقفها بدعم التيار الديمقراطي داخل إيران وأيضاً التيارات السياسية الديمقراطية المناوئة لإيران في العراق وسوريا. فهذا أسلم بكثير من الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران لن تخدمها، بل قد تعجل كل ما تخافه. ولعل ما ما تحققه من "إنجازات" هنا قد يفوق ما حققته التدخلات السعودية من قبل في العراق ولبنان وغيرها.
Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]