كلمة الإمام الصادق المهدي في تأبين الزعيم نيلسون مانديلا

 


 

 



بسم الله الرحمن الرحيم
تأبين الزعيم نيلسون ما نديلا
تحت شعار:
(نعم للتسامح) (نيلسون مانديلا: 1918- 2013م)
24-25 أبريل- الخرطوم/ قاعة الصداقة

كلمة الإمام الصادق المهدي

أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي
مع حفظ الألقاب لكم جميعاً
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أبدأ بالشكر على تنظيم هذا التكريم لأنه يدل فيما يدل على أننا نعتبر نيلسون مانديلا مواطناً عظيماً للقارة كلها، واحتفالنا به هنا ليس لتجديد المآسي، ولكن لنقيم من ذكراه تمثالاً معنوياً يكون فيه إن شاء الله قدوة لأجيال.
وأنا أبدأ وأقول: إن المأساة في وفاة الجسد يشعر بها كثيرون، ولكن ما يحدث لأمثاله أن بعد الموت حياتهم خالدة، هذا الخلود هو الذي سأتحدث عنه باختصار عبر نقاط عشر.
أول ما أبدا هو أننا كثير ما ندان: كيف تترحمون على من ليس مسلماً كيف وهؤلاء ليسوا في ملة الإسلام. فات على هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم: قام لجنازة يهودي، وقام وصلى وترحم على النجاشي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم امتدح كرم حاتم، ومروءة عنترة، وأنه قال في أمر الروم وهم عند العرب كل من يسكن شمال البحر الأبيض المتوسط الذي هو بحر الروم: قال عنهم  في حديث رواه مسلم رقم (5289).. قَالَ هؤلاء: "إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ". خصال ذكرها رسول الله صلى عليه وسلم، وعلى أية حال نحن في كتاب الله نقرأ: (وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [1].
النقاط التي سأتحدث عنها  كتمثال معنوي لنيلسون مانديلا هي:
أولاً: كان عصامياً وبموجب هذه الهمة استطاع أن يتغلب على ظروفه الاجتماعية ليصبح القائد المحرر لشعبه.
ثانياً: وهذه نقطة مهمة، كان مبدئياً للغاية ومرنا في الوسائل، لأن المرونة في الوسائل دائماً مهمة عندما يكون المبدأ قوياً.
ثالثاً: كان متواضعاً، عندما وصف بأنه قديس، قال لست قديساً، إلا إذا كان القديس هو أكثر الناس المحملين بالخطايا، أي إذا كان الكلام عني كأكثر الناس محملاً بالخطايا في هذا المعنى أنا قديس. والحقيقة كل الصالحين لديهم هذا الفهم المتواضع، يشكرون الله على ما نشر من خير، وما ستر من عيب.
رابعاً: كان أسلوب قيادته بالقدوة لا الأمر والنهي، والقدوة خير الواعظين، وليس الكلمة.
خامساً: الاضطهاد الذي عانى منه لم يورثه مرارة،  بل ظل بدون هذه المرارة. فنحن حتى على الصعيد الفردي نقول "كلّ ذي عاهة جبّار" أي أن الإنسان الذي يمر بظروف صعبة تنعكس على أسلوبه مرارة، ولكنه لم يفعل ذلك، واستطاع أن يحرر الضحايا من القهر والجلادين من الخوف، لأن الجلادين كانوا خائفين مما سيحدث لهم بعد التحرير. فهو حرر الضحايا من القهر وحرر الجلادين من الخوف.
سادساً: كان مثالاً للتسامح، أول خطاب له بعد السجن قال: أنا أتجاوز عن الماضي لبناء المستقبل، وعندما خاض الانتخابات الأولى الحرة قال: أيدونا لا على أساس أننا قدمنا كفاحاً ثمانين عاماً، ولكن لأننا الأجدر لأن نقيم لكم ونبني لكم جنوب أفريقيا التي تريدونها.
سابعاً: في العصر الحديث الإطاحة بالقوة الذاتية مستحيلة اليوم، إلا في حالتين: أن تنهار الدولة رغم قوتها من داخلها مثلما حدث لمنقستو فدولة منقستو انهارت بسبب خلل داخلي، أو غزو خارجي تحريري مثلما حدث في يوغندا عيدي أمين في الماضي. ولكنه أدرك أن السلاح الأكثر قابلية لتحقيق الأهداف الوطنية هو القوة الناعمة: الاضطرابات والاعتصامات والمظاهرات والحوار الذي يجني ثمار هذا الضغط. هذه كانت السمة التي تحررت بها الهند ويوغندا (نقابة التضامن)، وهو كذلك الأسلوب الذي اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كثير من الناس عندما يتكلمون عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلمون عن المغازي، كأنما حقق ما حقق بالقوة، ولكنه أقام الدولة في المدنية سلمياً، واستمال الجزيرة العربية في عامي الحديبية، وفتح مكة سلمياً، هذه كانت الوسائل الناعمة التي استطاعت السيرة المحمدية أن تحققها. وانهيار الإمبراطوريات الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية كانت بوسائل القوة الناعمة، وما حدث في جنوب أفريقيا على يد مانديلا كان كذلك، صارت المانديلية هذه مدرسة للانتقال من الصدام للوئام، وهذه المدرسة التي نحن الآن نسعى للاقتداء بها، لأننا نعتقد أنها هي السبيل الأفضل، بل في كل القارة حولنا وفي كل المناطق التي خاضت الربيع العربي أفضل توصية لهمم جميعاً هي مدرسة مانديلا هذه: أن يخرجوا من المواجهات الحالية عبر لقاءات موائد مستديرة ليقيموا المستقبل الذي يريدون، لأن المواجهات  الموجودة حالية للأسف ستودي بالمنطقة إلى الهاوية.
ثامناً: أفكار هذه المدرسة واضحة: هدنة، تعبئة، حوار شامل، خريطة طريق للمطلوب مستقبلاً بما لا يهيمن عليه أحد ولا يعزل أحداً، هذه هي الخطة هذا هو المفهوم الذي نريده نحن معنوياً من نيلسون مانديلا، ونعتقد أنه مفتاح للخروج من الصدام للوئام، وفيه ما فيه من آلية المساءلة الناعمة، المسائلة الخشنة هي التي تتم على العقاب ولكن المسائلة الناعمة كما حدث في جنوب أفريقيا آلية الحقيقة والمصالحة.
النقطة التاسعة والمهمة جدا:  نظرته غير العنصرية. كان قد تبنى فكرة أن نكون فما يتعلق بعلاقتنا البشرية color blind (أي بغض النظر عن اللون)، نكون غير ملتزمين وغير منطلقين من مفاهيم العنصرية بل منطلقين من الإخاء الإنساني وهذا معنى عظيم جداً.
والنقطة العاشرة والأخيرة: نظرته غير العنصرية لمستقبل القارة الأفريقية. هناك كثيرون ينظرون للقارة الأفريقية في فاصل لوني: جنوب الصحراء وشمال الصحراء، وهذا روج له المستبدون والمستعمرون لكي يمزقوا القارة، ولكنه كان ضمن الذين يدعون لقارة تجمع بين شمالها وجنوبها، وتدرك أن كلمة أفريقيا نفسها من شخص من شمال إفريقيا.العبارة هي أننا ينبغي أن ننظر  لأفريقيا نظرة غير عنصرية لندرك الحقيقة الأخوية التي تجمع بيننا جميعاً.
في ختام هذا الحديث أعزي أسرته وأحمل حفيده هنا تعازينا للأسرة وتعازينا لشعبه ولحكومته راجين أن يدركوا أن السودان بكل ما فيه من معاني يعتبر هذا الرجل ابناً باراً بالإنسانية وبأفريقيا، رحمه الله رحمة واسعة.

والسلام عليكم ورحمة الله،،


 

آراء