كلنا يبكي.. فمن ضيّع الوطن؟ … بقلم: هاشم بانقا الريح

 


 

 

hbrayah@yahoo.com

 

تقول الرواية أن شيخاً وعظ جمعاً من الناس موعظة عظيمة، وجلت لها القلوب، وانهمرت لها الدموع.. وبعد أن انتهى من موعظته، التفت فلم يجد كتابه الذي كان بين يديه.. تفحص وجوه القوم مليّاً فوجدهم جميعاً يبكون بحرفة تأثّراً بموعظته!!.. حينها تساءل باندهاش: كلكم تبكون.. فمن سرق الكتاب؟!

السياسيون في الخرطوم وجوبا يبكون ويندبون حظ الوطن، والمواطن المسكين لا يدري ما يحدث.. ولا أحد يقول له ماذا هناك!! تنقطع الكهرباء فيأتي وزير الطاقة ليقول لنا إن 91 في المائة من طاقة سد مروى مستغلة، مؤكداً أن كهرباء سد مروي لا تزال تحت التجريب وتخرج وتعود حسب ظروف التشغيل التجريبي، بينما يقول رئيس وحدة تنفيذ السدود كلاماً مختلفاً وهو أن 42 في المائة من كهرباء سد كروي غير مستغلة!

تنقطع المياه عن المواطنين لعدة أيام حتى يصل سعر البرميل في بعض مناطق العاصمة إلى 24 جنيهاً (بالجديد طبعاً)، فيخرج علينا مسئول معني بالمياه ليعزي أسباب الانقطاع لتراكم الطمي في محطة المقرن، وترجع العامة لهيئة مياه ولاية الخرطوم أسباب استمرار انقطاع المياه إلى ارتفاع تكلفة الكهرباء.!

يأتي الخريف – وهو بالمناسبة معروف موسمه حتى للكثير من مخلوقات الأرض ناهيك عن الإنسان – فتغرق العاصمة مقر الحكومة وملتقى أفئدة أهل السياسة والمال، دعونا من الأقاليم فلها رب يحميها.  وفي هذا الوضع  يخرج علينا وزير البنى التحتية بالولاية ليشن هجوماً – وصفته وسائل الإعلام المحلية بالعنيف- على أجهزة الدولة ووصفها بـ "الكسيحة" في الأزمات ومطالباً إيّاها بالتخلي عن ما أسماه سياسة المجاملات و"الطبطبة" وداعياً لتفعيل القوانين ذات العلاقة بتصريف السيول والأمطار. وربما نسي سعادته أنه جزء من هذه المنظومة!

في خضم كل هذا أكاد أجزم أن قليلاً من بني وطني قد توقفوا عند "بشارة" الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار رئيس الجمهورية وهو يتحدث في ندوة أقامتها أمانة العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني في إطار المؤتمر العام لحزب للمؤتمر الوطني، الذي أنهى أعماله في وقت سابق من الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الحالي. فقد ذكر سعادة المستشار، ضمن ما صرح به، أنه يتوقع أن تصل الكمية المستخرجة من البترول في السودان إلى مليون برميل العام المقبل.

ولعل السبب الرئيس الذي جعل بني وطني لا يعيرون انتابهاً لمثل هذه التصريحات هو أنهم لم يذوقوا حلاوة بترولهم بعد، وأنه أثناء هذه التصريحات، التي تبشر بارتفاع إنتاج البترول إلى مليون برميل، كان الناس يشكون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل اللحوم، والخضروات، والفواكه. فإذا كان إنتاج البترول لا يحسه المواطن في حياته اليومية، فكيف له أن يبتهج ويفرح بأي خبر متعلق به؟ 

الذي يبتهج بمثل هذه الأخبار هو الذي يرى انعكاسها على حياته اليومية، فمن غير المعقول أن تشهد أسعار السلع الضرورية هذا الارتفاع الجنوني ونحن نتحدث عن ارتفاع إنتاج البترول؟ وتمهلوا لنقرأ سويُّا هذه الأرقام عن ارتفاع بعض السلع والتي أوردتها جريدة "الصحافة" في عددها الصادر في الثالث من أكتوبر الحالي (2009م). جاء في الصحيفة على لسان عدد من المواطنين دعوتهم بضرورة تدخل الحكومة بصورة مباشرة لحل مشكلة الغلاء التي استمرت لفترة امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر دون مبررات مقنعة. وقالت إحدى السيدات إن "الغلاء أصبح من الأمور التي يصعب السيطرة عليها، وشمل كل السلع خاصة الأساسية منها، ونخشى أن يمر علينا يوم لا نشترى فيه أي شيء، بعد إن سقطت العديد من السلع عن قائمة المشتروات"، وتساءلت: هل يعقل أن يرتفع سعر كيلو الطماطم إلى 15 جنيهاً في الوقت الذي بلغ فيه سعر كيلو اللحمة العجالي 10 جنيهات ؟

وذكرت الصحيفة أن سعر كيلو الطماطم  بلغ 15 جنيهاً، وكيلو البطاطس 5 جنيهات، وكيلو الباذنجان "الأسود" 3 جنيهات، و12 جنيهاً لكيلو الليمون، والخيار 3 جنيهات للكيلو، والبامية 6 جنيهات للكيلو.، بينما بلغ سعر كيلو الفلفل الأخضر 6 جنيهات، والبصل 10 جنيهات للربع. أما اللحوم فقد بلغ كيلو الضأن 16 جنيها، والعجالى 12 جنيهاً فيما وصل سعر كيلو الفراخ إلى 16 جنيها وارتفع سعر طبق البيض إلى 15جنيها.

كلنا نبكي الوطن ونعلن أننا نحبه وندافع من أجله، ولكن إذا كنا كلنا نحب هذا الوطن، فلماذا تتردى الخدمات، وترفع الدولة يدها عن صحة المواطن وتعليمه، وترتفع أسعار السلع اليومية الضرورية، وتنقطع الكهرباء والماء وتدمر الأمطار الممتلكات وتقضي على الأرواح، ولا أحد يحاسب أحد، ولا أحد يستيقظ ضميره الوطني ليترك منصبه عن رضا واختيار ويعلنها للملأ أنه عجز عن الوفاء بالالتزامات الوطنية التي يمليها عليه منصبه؟

إذا كنا فعلاً نحب هذا الوطن ونجتمع ونتفرق ونتخاصم من أجله – كما ندّعي-، بل ونحمل السلاح في وجه بعضنا البعض من أجله أيضاً، فتعالوا نصلح حاله اليوم قبل الغد، وإذا لم نفعل فيكون حالنا أشبه بحال القوم الذين وعظهم ذاك الشيخ في القصة التي وردت في صدر هذا المقال.

 

 

* مترجم وكاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية

 

 

آراء