كوشيب قد يضع البرهان تحت رحمة (المحكمة الجنائية الدولية)
مالك جعفر
15 June, 2020
15 June, 2020
اعتقال كوشيب المفاجئ نقطة فارقة. يمهد لتسليم كافة (حرامية) كوبر للعدالة. ورغم رفاهية سجون لاهاي إلا أنها عدالة وقصاص. أفضل على الأقل من اكذوبة سجن كوبر. فالقرائن تؤكد أن المخلوع وصحبه في حدائقَ ونعيمْ لا صلة له إطلاقا بكوبر.
كوشيب سعى للاعتقال. وأي مجرمْ في ظرفه، ما لم يكن غبيا بدرجة امتياز، يعرف أن التحول لشاهد ملك هو أقصر طريق للسلامة. لذا ستكشف محاكمته الكثير المثير. ومسألة وقت فقط قبل ان يشرّفْ البشير، علي عثمان، عبد الرحيم حسين واحمد هارون ساحة (الجنائية الدولية). ومسألة وقت أيضا قبل أن يلحق بهم البرهان. وهي ليست امنيات، بل مسلمات تعززت بعد تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أن المنظمة ستوفد الى الخرطوم من يحقق في انتهاكات حقوق الانسان. (بلا نبيل أديب بلا بطيخ).
البرهان الذي ظن أن لقاءه نتنياهو في يوغندا، قد جنبه مزالق لاهاي. لم يتخيل حتى في أسوأ كوابيس أحلامه، سيناريو كوشيب كشاهد ملكْ، وضع السودان تحت الفصل السادس وارسال فريق تحقيق لتحديد المسؤولية في مجازر القيادة. ذلك يهيئ لكشف ترهات (إله الفور) ومجازر دارفور، ويجعل وضع رئيس مجلس السيادة السوداني الأصعب وسط الطغمة. ولا شماتة.
لذا بدأت الفرفرة و(البطبطة)، تحفظات اللجنة الأمنية حول الدور الذي ستلعبه بعثة الأمم المتحدة، اجتماع عاجل لرئيس مجلس السيادة بقيادات الأمن والشرطة وتعيين عسكري آخر من مجلس السيادة (إبراهيم جابر)، رئيسا للجنة التعامل مع بعثة الأمم المتحدة.
ثم الصادق المهدي بأغرب تعليق حول اعتقال كوشيب. قال إن الاعتقال "يعرقل الحل السياسي في السودان ويفتح باب التدخل الأجنبي. وكان الافضل تسليمه ومحاكمته داخل السودان".
يا حفيظ؟!
هذا ليس تصريح انسان سوي مشارك في الفترة الانتقالية. هذا تصريح كائن يعتبر الفترة الانتقالية (مشكلْ سوداني) يحتاج حلا، و(الجنايات الدولية) تدخلْ أجنبي ينبغي تجنبه. ثم لا يمكن اعتبار التصريح جلطة من جلطات أرذل العمر المعهودة التي تعود إمام الأنصار إطلاقها. وحتى إذا كان المقام مقام تعليق على "التدخل الأجنبي وعرقلة الحل السياسي"، أما كان الأجدر أن يأتي تعليقا على قرار الأمم المتحدة ارسال لجنة تحقيق بديلة للجنة نبيل أديب؟
لا. يبدو أن المسألة أعمق والصادق المهدي يستبق الأحداث. هل ثمة زلزال سياسي سوداني سيقع في لاهاي الاثنين الحادية عشر صباحا بتوقيت السودان، حين تبدأ محاكمة كوشيب. المهدي لا يتحسب لاحتمالات ادانة الأربعة المبشرين بلاهاي مسبقا. لا. المهدي يخشى أن تكشف شهادة كوشيب متهمين جدد بمجازر دارفور. أشخاص وقفوا وساندوا ثورة ديسمبر. تحديدا البرهانْ. وربما حميدتي رغم تفكك جسور التحالف بين معسكري الأمة والدعم السريع.
إذن السؤال: هل هناك عسكري واحد ضمن مجلسي السيادة والوزراء ساعد فعلا في إنجاح ثورة ديسمبر؟
لنستفتي الكنداكات والشباب ولجان المقاومة الذين فجروا الثورة ورووها دماءهم. لندعوهم لابتداع وسيلة لتقييم مساهمتي البرهان وحميدتي في انجاح الثورة.
أول من سيعترض على الاستفتاء البرهان نفسه (رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه). هاجس البرهان منذ تنصيبه رئيسا لمجلس السيادة، كان وسيظل الخروج الآمن. التقى نتنياهو في يوغندا طمعا في تفادى (الجنائية الدولية) والخروج الآمن. رصيده في دعم الثورة ليس صفرا فحسب، بل إجهاضْ وتآمرْ وتعويقْ وسعي متواصل لإعادة انتاج (الإنقاذ)، بنفس التجنيب، نفس التمكين. فقط بوجوه جديدة من العسكر الدفعة والمقربين.
ماذا عن حميدتي؟
على الأقل هو الوحيد وسط جوقة عسكر السيادة الذي يمكن أن يقول إنه لولا ميليشياته لتحول السودان على يد تنظيم (الإخوان المسلمين) الى سوريا أو صومال أو ليبيا أخرى. و ما لديه الآن من دعم إقليمي خليجي يمكّنُه من توقيع اتفاقات السلام وتفكيك الأزمة الاقتصادية الخانقة.
نعم هناك دور ثانوي لجنود الدعم السريع في فض اعتصام القيادة. فبحسب تقرير هيئة محامي دارفور الذي تسلمه نبيل أديب: "شارك 1200 عنصر من الدعم السريع في فض اعتصام القيادة مسلحين بالعصي فقط. والجهة التي أطلقت الرصاص وقتلت المُعتصمين هي قوة من الدفاع الشعبي والأمن الطلابي وكتائب الظل التابعة للحركة الإسلامية. هؤلاء هم من ارتكبوا المجازر وربطوا الأثقال في أقدام المقتولين".
إذن في غياب تقرير نبيل أديب، يصبح تقرير هيئة محامي دارفور صكْ براءة لقوات الدعم السريع من مجازر فض الاعتصام.
هل يعني ذلك أن صفحة حميدتي بيضاء من غير سوء؟ لا، إذ لا زال هناك القصاص المطلوب لطلاب مجزرة الأُبيّض المقتولين برصاص الدعم السريع. هذه القضية ما زالت معلقة يرفض القضاة البت فيها خوفا من انتقام الدعم السريع.
لا زالت هناك الثروة الطائلة التي كونها حميدتي في عهد المخلوع من ذهب (جبل عامر). هذه الثروة توسعت الآن لتشمل مائتي ألف فدان أرض زراعية في الولاية الشمالية، تحتاج الى شق ترعة متفرعة من النيل لريها. هذه الثروة تضم شركة (الفاخر) وما أدراك ما (الفاخر). وقريبا مسلخ بكلفة 40 مليون دولار في شمال الخرطوم.
في السابق أعلن حميدتي أنه يقبل المساءلة وفق مبدأ من أين لك هذا؟ ومستعد لتقديم إبراء ذمةْ بشأن هذه الثروة الطائلة.
تنفيذ إبراء الذمة ودفع القصاص للضحايا الطلاب في الأبيض كفيلان بإزالة الفهم السائد في إذهان الكثيرين أن حميدتي فوق القانون، وأنه الحاكم باسم الدعم السريع في السودان.
أما ما ستتمخض عنه جلسة كوشيب في لاهاي فتبقى في دائرة الظن ولكل حادثٍ حديثْ.
كل هذ الزخم، يتواصل ورئيس وزراء الانتقالية في بياته الأبدي مؤديا دور (الكومبارس) بإتقان محيّرْ. ينتظر وصول بعثة الفصل السادس لتنظيم أوضاع السودان. وحتى البعثة المرتقبة ليست من ابداعات حمدوك. الفكرة (بريطانية المانية) وصلت لمكتبه في خطاب ليمهره بتوقيعه ويوصله (مشكورا) للأمين العام، وقد كان.
الأمل أن يؤدي وصول الأمم المتحدة وفق الفصل السادس أو السابع أو تحت أي مسمى، الى دق آخر مسمار في نعش الدولة (الدينية) في السودان. يُلْجِمْ سطوة العسكر ويضعهم في وزنهم الحقيقي وفق قدراتهم المحدودة.
ومن يدري ربما. ربما تعطي بعثة الأمم المتحدة حمدوك الشجاعة المطلوبة لملء منصب رئيس وزراء الفترة الانتقالية الذي ما زال شاغرا.
ونصيحة للمتواطئ نبيل أديب: الأمم المتحدة في الطريق. ولا شيء سيظل طي الكتمان. احفظ آخر قطرة من ماء وجهك المسال وانشرْ نتيجة التحقيق.