كيف استمر نظام الأنقاذ فى الحكم مدة 22 سنه؟!
تاج السر حسين
13 May, 2011
13 May, 2011
royalprince33@yahoo.com
قبل أن أدخل فى الموضوع مباشرة لأتحدث عن جوانب محدده رصدتها مهما كان تأثيرها ضعيفا، تسببت فى اطالة فترة بقاء نظام (الأنقاذ) فى حكم السودان الذى وصل حتى الآن ل 22 سنه، أستعرض ما كتبه الصحفى المصرى المعروف (حلمى النمنم) على صحيفة (المصرى اليوم) بتاريخ 27 /4/ 2011 تحت عنوان " أقزام فى المحاكمه " وهو يعكس حالة رموز نظام (مبارك) الأقوى من نظام البشير بكثير، والذى كان يمتلك جهاز امن له امكانات لا يمكن أن يتخيلها بشر.
ولفائدة القارئ الكريم أستميحه عذرا فى نشر المقال بالكامل.
كتب الصحفى (النمنم):-
" تفاجئنا التحقيقات مع الرئيس السابق ومسؤولى نظامه بمستوى غير مسبوق من الهشاشة النفسية والأخلاقية، «صفوت الشريف» يبكى أمام المحقق، حين واجهه بممتلكاته والوثائق التى تثبتها، والأدهى من ذلك الرئيس السابق نفسه، فحين سئل عن دوره فى صفقة تصدير الغاز لإسرائيل ألقى بالمسؤولية على وزير البترول ومعاونيه وأنهم لم يكونوا يرجعون إليه، ثم قال إن الصفقة تمت، وفق اتفاقية «كامب ديفيد» التى وقعها السادات ولم يوقعها هو، وأنه ليس مسؤولاً عنها، وهذه إجابة موظف صغير أو تلميذ فى المدرسة يعنفه معلمه لأنه لم يقم بواجبه المدرسى، وليست إجابة رئيس جمهورية، كان مسؤولاً، وأعلن مراراً أنه يعلى المصلحة الوطنية العليا بغض النظر عن أى شىء!
ليست هذه المرة الأولى ولا هى الأخيرة فى التاريخ لانهيار نظام بأكمله ومحاكمة رجاله، لكننا لا نعرف رجالاً كانوا بهذه الهشاشة، بعد 23 يوليو 1952 حوكم رموز النظام الملكى، ولم يكونوا يمثلون أمام القاضى الطبيعى، بل كانت محاكم استثنائية لا يراعى فيها أى ضمانات قانونية، ومع ذلك كان باشوات العهد الملكى متماسكين.. واجه إبراهيم عبدالهادى حكماً بالإعدام وهو مطمئن إلى سلامة موقفه، وخفف الحكم ثم أفرج عنه ومارس حياته فى حدود الممكن وقتها، لم يكن وحده فى ذلك، بل كان هناك آخرون مثل فؤاد سراج الدين وعثمان محرم، وبعد انهيار النظام الناصرى فى 15 مايو 1971 تم إيداع رموز النظام السجن وحوكموا أمام محكمة استثنائية وتم توجيه تهمة الخيانة العظمى لبعضهم، ومع ذلك كان كبيرهم «على صبرى» متماسكاً وشامخاً، ومن يعد تأمل صورته وهو فى قفص الاتهام يجد نفسه أمام رجل توجه عيناه الاتهام لمن يحاكمونه، لم يبك ولم يولول ويتملص من التهم بصغَار شديد، على النحو الذى نراه اليوم، ولم يكن وحيداً فى ذلك، بل كان هناك آخرون كبار مثل محمد فايق والفريق فوزى و.... إلخ.
ورغم تسلط وإجرام صدام حسين فقد بدا فى التحقيق معه متماسكاً ويحمل موقفاً واضحاً لم يتراجع عنه ولم يتخاذل، على الأقل، أمام نفسه، وفى مشهد تنفيذ الإعدام بدا كأنه يولد من جديد.. قوياً غير هيّاب، لكن رئيسنا السابق وبطانته كشفوا خواء حقيقياً وللمرء أن يتساءل: كيف حكم هؤلاء مصر لثلاثة عقود؟!
كانوا صغاراً وهم يحكمون، وأقزاماً وهم يحاكمون، مبارك المتغطرس، يخشى الانتقال إلى السجن ويقول فى التحقيق «إلا أولادى».. لو كان لديه قدر قليل من المسؤولية الوطنية، وأصدر بياناً يعتذر فيه إلى الشعب المصرى عما صدر منه، ولو كان مدركاً لطلب هو من نفسه أن يتحمل المسؤولية ويحاسب عن كل ما وقع، فعلها عبدالناصر فى بيان التنحى، فاكتسب تقدير المصريين واحترامهم، وقبل ذلك بقرون تمسك طومان باى بدفاعه عن استقلال مصر، وحين عُرض عليه أن يحكمها، لكن فى تبعية غير مصرية، رفض وتقدم بكل ثقة نحو حبل المشنقة أمام باب زويلة، فحمله المصريون فى ضمائرهم تاريخاً حياً ونوراً لا ينطفئ حتى اليوم.
حتى معتادو الإجرام حين يضبطون ويدركون أن حبل المشنقة أمامهم، يبدون أكثر تماسكاً.. حين قبض على «ريا» فى الإسكندرية، مطلع العشرينيات من القرن الماضى، قالت أمام وكيل النيابة: هىّ موتة ولا اتنين، وأدلت بكل ما لديها، بلا خوف وبلا وجل من مواجهة مصيرها المحتوم، بينما صفوت الشريف يبكى.. بكاء الخوف والفزع، لا بكاء الندم أو التطهر.. والرئيس السابق يقول: «ماليش دعوة»!!
لقد استقوى هولاء بضعفنا، وكان هذا النظام يستحق السقوط.
كانوا صِغاراً وزادتهم السلطة صَغارًا، لم يكبروا بها ولم يرتقوا معها، بل انحدروا إلى حد غير مسبوق، وها هم يدخلون التاريخ اليوم من باب التخاذل والصَّغار والخواء الإنسانى إلى أقصى حد، فافتقدوا الحدود الدنيا من التعاطف، وإذا لطف الله بهم نالوا الإعدام، أما ما يستحقونه فهو أن يظلوا هكذا مسخة وعبرة، فلو أعدمنا كلاً منهم عشرات المرات فلن يوفيه ما يستحق من عقاب".
أنتهى مقال الكاتب حلمى النمنم.
وبالعودة لنظام الأنقاذ ورموزه الأكثر هشاشة وضعفا من رموز نظام (مبارك) أقول أن من ضمن الأسباب التى ساهمت فى بقاء هذا النظام (المكروه) من غالبية شرفاء الشعب السودانى فى الحكم طيلة هذه الفترة، أن التنظيمات (القديمه والجديده) والحركات والأحزاب التقليديه والتاريخيه اخترقتها فئتان مهما كان عددها قليلا.
فئة مشتراة من نظام الأنقاذ وظلت تعمل لصالحه وتطلعه على جميع القرارات التى تتخذها تلك (التنظيمات) الخطير منها والأقل خطرا، وبقيت تلك الفئه ولا زالت باقيه داخل جسم التنظيمات والأحزاب والحركات تنخر فيها وتعمل على ابعاد الشرفاء والمخلصين باغتيال شخصياتهم وأطلاق الاشاعات حولهم وبكل السبل الممكنه، وحينما أكملت مهمتها بنجاح أعلنت انسلاخها عن تلك التنظيمات والأحزاب والحركات وأنضمت (للأنقاذ) فى شكلها الجديد الذى سمى "بالمؤتمر الوطنى"، ومن عجب أن تلك الفئه بدأ المؤتمر الوطنى يتخلى عنها ويلفظها بعد أن استنفذت غرضها وعملا بمبدأ القائد الفرنسى (نابليون بونابرت) الذى قيل له أن شخصية هامه تنتظر مقابلتك فى الخارج فسأل عن سبب اهمية تلك (الشخصيه) فقيل له انه (جاسوس) كان يساعدنا ضد بلده خلال الحرب ، فقال لهم : انفحوه شيئا من المال (فنابليون) لا يتشرف بأن يضع يده على يد من خان وطنه!
اما الفئة الثانيه التى ساهمت ولو بقدر قليل فى اطالة عمر نظام الأنقاذ، فهى التى - وبوعى منها أو لا وعى - ظلت تعمل على اضعاف هذه التنظيمات والأحزاب والحركات، بالدخول فيها والتسلل الى أعلى المراكز القياديه دون اقتناع كامل بدورها وما يمكن أن تفعله وكأنها تشارك فى الأعداد لرحله مدرسيه (ترفيهيه) أو منتدى ثقافى محدود الأثر، للأسف تلك هى رؤية هذه الفئة للمعارضه ولفكرة الثوره والأطاحه بنظام متجبر ومتغطرس يبطش بالشرفاء داخل الوطن ويهدر ثرواته، وهى تدرى ألأو لا تدرى بأنها تشارك مجموعه صادقه ومخلصه تجود بمالها وزمنها وهى مستعده للتضحية بحياتها اذا وصل الأمر درجة الصدام والقتال من أجل (التغيير) والخلاص من نظام فاسد وديكتاتورى سوف يرتجف قادته ورموزه ويظهرون هشاشة وضعفا اذا تم اعتقالهم ذات يوم بصورة أكثر مما ظهر على رموز نظام (مبارك) .. لأنهم لم يجتمعوا الا من أجل الحياة الرغده وجمع المال الحرام وركوب السيارات الفارهه وتملك الشقق والعمارات الشاهقه داخل السودان وخارجه، لا يهمهم أن تأكل حرائر السودان من اثداهن خشية (الموت) لا الجوع ، ولا يهمهم أن يبحث بسطاء الشعب عن طعامهم مداخل أكياس (القمامه) .. فى بلد ينتظر منه أن يصبح (سلة غذاء العالم)!