كيف تتعامل أمريكا مع الإسلاميين الليبيين الذين يقودون الثورة؟! … بقلم: د. محمد وقيع الله

 


 

 


صحيح إن الولايات المتحدة اتخذت إجراءات قوية ضد العقيد القذافي بتجميد أرصدته المالية وتجميد سفارته بواشنطون.
ولكن لا يزال الأمريكيون مترددين في التعامل مع الثوار ومع مجلسهم الوطني الذي توافقوا عليه وارتضوه لقيادتهم.
وقد ردد المسؤولون الأمريكيون عبارات باردة تقول إن سر ترددهم في التعامل مع الثوار الليبيين أنهم لا يعرفونهم على وجه أكيد ولذا لا يريدون أن يغامروا بالاعتراف بهم وتأييدهم ودعمهم.
ولكن حديث الأمريكيين عن عدم معرفتهم بالثوار الليبيين حديث مغلوط.
والصحيح أنهم يعرفون الكثير من وجوه الثورة الليبية معرفة أكيدة ولهذا السبب عينه لا يودون الاعتراف بهم ولا يريدون أن يؤيدوهم أو يدعموهم.
إن الأمريكيين يعرفون على مستوى شخصي الكثير من طلائع القيادات الليبية الإسلامية
حيث عاش هؤلاء طويلا في أمريكا بعد أن جاؤوا إليها لاجئين سياسيين.
والكثير منهم كانت لهم صلات وارتباطات عميقة بدت لي مريبة بالإدارات الأمريكية المتعاقبة.
وعندما سألتهم مستعلما في استنكار برروا هذه الصلات والارتباطات بصروف شتى من التعليلات التي ما راقت لي.
ولكنهم ربما كانوا مصيبين وصادقين وربما كانت حالتهم أدني إلى الاعتدال والواقعية من حالة مراقب مثلي ليس له غير الملاحظة والاستقراء والاستنباط من دروس الحاضر والتاريخ.
فهم بطبعة الحال أقرب إلى فهم الواقع واستيعابه وربما كانوا لهذا السبب أدنى مني إلى الهداية والصواب.
ومن ناحيتي فليس لي من مطعن واحد في واحد منهم ولا أشك في مصداقية أي منهم على الإطلاق.
كما أن توجسي الذي أعبر عنه ولا أخفيه من مكر الدول الكبرى وحذري من التعامل معها لا يعني أني ضد التعامل الخارجي مع الأعداء.
وإنما أضاعف التحذير من داءين مهلكين أحدهما داء الغفلة الذي يؤتى من قبله السياسيون بعامة والإسلاميون بخاصة.
وثانيهما داء التلبس بأحابيل التبعية والتوظف والعمالة لدى لقوى العظمى، وهو الداء الذي قل أن يصيب الإسلاميين وإن لم تكن لهم العصمة المطلقة منه.
فالتعامل مع الغرب ينبغي أن يوكل إلى الأكفاء المتفوقين المخلصين من أصحاب الثقافات المكينة، وأرباب المرونة الفكرية الرزينة، القادرين على إدارة حوار حضارات راق مع الغرب، يزيحون به عن الذهنية الغربية تراكمات العصور القديمة من لدن عصر الحروب الصليبية إلى حروب التحرير والاستقلال وما بعدها، ويبددون به دعايات الإعلام الصهيوني التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين في مخيلة الغرب.
ولكن هذا هدف عظيم عزيز بعيد المنال.
فحوار الحضارات قل أن يثمر ثماره المرجوة عندما يجرى مع السياسيين المفسدين المتربعين على عروش السلطان.
فأمثال هؤلاء أصحاب أجندة شرسة لا تأبه بالحق، ولا تحترم المبادئ السامية، وإنما تعنى فقط بالأهداف الآنية، التي تستخدم الآليات الغاشمة لتحقيقها في أسرع وقت.
ومن الأهداف الملحة التي ينشغل بها صناع القرار الأمريكيون موضوع الأمن والتخويف من الإسلاميين.
وهو أمر يشاركهم ويسابقهم بل يسبقهم إليه الإسرائيليون.
وبخصوص الموضوع الليبي فإن خوف الأمريكيين من البديل القادم الذي تلوح طلائعه في الأفق، وهو بديل إلا يكن إسلاميا بشكل كامل فهو إسلامي بشكل غالب، يبدو خوفا مبررا بالنظر إلى ما نعرفه من الاعتبارات.
وأما خوف الإسرائيليين فهو أكثر من مبرر على ضوء الاعتبارات ذاتها.
وفي هذا الصدد لم يكن مثيرا ما نقلته صحيفة (إيلاف) اليسارية السعودية عن موقع (تيك ديبكا) الإلكتروني المختص بالشؤون الاستخبارية، حيث ذكر أن إسرائيل وأمريكا أصيبتا ببالغ القلق من سيطرة الشباب المصري على مباني أمن الدولة، وأن الرئيس الأميركي بعث بوزير دفاعه إلى القاهرة، ليعقد مباحثات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تتناول هذه التطورات الخطرة.
ولم يكن عجبا ما نقلته الصحيفة اليسارية السعودية عن الموقع إياه من أن الإدارة الأميركية أخذت تبلور خطة لشيطنة الحركة الإسلامية، يشارك في تنفيذها بعض كبار المسؤولين الأميركيين، وفي مقدمتهم وزيرة الخارجية، التي زعمت أمام لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ، أن حركة حماس شرعت في تنفيذ مخطط لزعزعة الأمن المصري بالتعاون مع الإخوان.
ولم يكن غريبا هذا التقرير الذي بثته بتاريخ العاشر من شهر مارس الجاري إذاعة الجيش الإسرائيلي، وقد جاء فيه أن العلاقات الليبية الإسرائيلية تحسنت في السنوات الأخيرة، وآية ذلك أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، قام بنسج شبكة علاقات متينة مع النظام الليبي، وامتدح القذافي في الكثير من الاجتماعات الحكومية وأشاد به ووصفه بالمصداقية.
ولم يكن جديدا هذا الخبر الذي أوردته إذاعة الجيش الإسرائيلي بخصوص تحسن العلاقات الليبية الإسرائيلية منذ عام 2003م حين تخلى النظام الليبي عن مفاعله النووي، وانخرط في التعاون مع أمريكا والدول الغربية في جهدها لمكافحة ما يسمى بالظاهرة السياسية الإسلامية.
فهذا الخبر قد سبقه حديث القذافي الذي قال فيه إن سقوط نظامه يمثل خطرا بالغا على مستقبل دولة إسرائيل!
هذا ولم يكن سوى تضليل وذر للرماد على العيون وصرف للأنظار عن حقيقة التدابير التي اتخذها الإسرائيليون لإجهاض الثورات العربية، ومنها الثورة الليبية، ذلك الخبر الذي نشرته صحيفة (معاريف) الإسرائيلية بتاريخ 10 من مارس الحالي.
وهو الخبر الذي أفاد بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي، نتنياهو، قد أعد خطة محكمة لمنع الحركات الاسلامية من الوصول إلى السلطة في أي دولة من دول العالم العربي.
وأن عماد هذه الخطة تخصيص صندوق دولي لتشجيع التوجهات الديمقراطية، عن طريق تحقيق نمو اقتصادي، على اعتبار أن هذه الوسيلة الأمثل للحيلولة دون سيطرة الحركات الاسلامية على الجماهير في العالم العربي.
فهو خبر مدسوس به يتجمل الإسرائليون كعادتهم ويجملون به خطتهم الخبيثة لتخريب الثورات العربية وتعطيلها بهذا الجهد التنموي الاقتصادي (النبيل!).
وبعيدا عن هذا التزويق والتزوير واستخلاصا من المعلومات الأكيدة الصلبة فإنه لا يعيينا أن نقول إن عدم تأييد أمريكا للثورة الليبية ليس المقصود به الحفاظ على عهد القذافي ولا إطالة أمده.
وإنما المقصود به إطالة أمد الحرب الأهلية الليبية إلى أقصى مدى ممكن بهدف القضاء على قادتها الإسلاميين من خلال المعارك الدموية الضارية.
فكلما طال أمد المعارك كلما تمكن العقيد المجرم من تصفية وحصد أكبر عدد من القياديين الإسلاميين.
وبعد القضاء على القياديين الإسلاميين وطحنهم يمكن للأمريكيين أن يدعوا الثورة الليبية لتنتصر ويمكن أن يفسحوا المجال لجهود الإطاحة بالقذافي لتتكلل بالنجاح.
على أن يكون على قيادة الثورة حينها من ترتضيهم أمريكا من العناصر المريبة المنبثقة بطرق اصطناعية استخبارية خفية.
وهي العناصر التي ترعاها أمريكا وترجو أن تخضع لإملاءاتها في المستقبل.
أو تكون على أقل التقدير عناصر طيعة لا تتمتع باستقلالية الإسلاميين وإبائهم وحسهم الوطني النقي.

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

 

آراء