كيف فرّطنا في حماية جنين الثورة؟

 


 

 

الشعب السوداني على مستوى قاعدته العريضة طيب ومسامح وكريم يحب فعل الخير، أما قيادته السياسية والعسكرية المعبرة عنها الاحزاب والحركات والقوات المسلحة، فهي متنافرة متناحرة متجافية منذ مغادرة اخوة الجنرال البريطاني كتشنر لقصر الحاكم العام، الكيد السياسي بين مكوناتها بلغ مرحلة من التشفي والغدر والانتقام بحيث لجأت هذه الاحزاب للجيش ثلاث مرات وحرضته للانقضاض على السلطة، فدائماً تجد بأسها بينها شديد لدرجة السعي لانهاء واستئصال بعضها بعضا، فهي في ركض محموم من أجل الوصول للامساك بصولجان الملك والاستحواذ على التاج الملكي انتهازاً لا انتخاباً، فالبون كبير بين قيادتها وقاعدتها بحيث أنك لن تجد زعيماً حزبياً واحداً قد اتخذ من حلول أزمة المعيشة هماً أولياً ولا جنداً اساسياً مكتوباً على صفحات مفكرته اليومية، فالسيولة التنظيمية لازمت جل احزاب الطائفة والعائلة مما افرز شخصيات هلامية لا يمكنها بأي حال من الاحوال مواكبة الطفرة العظيمة للتقدم والتطور الذي بذله الجهد الانساني الكوني.
خيبات الأمل الكبيرة الصائبة لوجوه الشباب من بعد احداثهم التغيير الابريلي المستحق، تأتي دائماً من مغبة استئمان ديناصورات الاحزاب الكسيحة على قضية الشعب، في ابريل من قبل ثلاثة اعوام انتشينا وطربنا وبكينا فرحاً لرفع علم التغيير على سارية قصر غردون، لكن سرعان ما برزت الثعالب الماكرة من بين الاجداث منسلة تبحث عن فتات موائد العسكر الانتهازيين، الذين تربعوا للتو على عرش السلطان الموروث من الزعيم المعزول، لقد تكالبت الثعالب والذئاب الحزبية وخرجت من كل فج عميق لتقول للناس أن وقت قطاف عملهم الطيب قد حان، وأنها هي القاطف الأمين والقاصف السديد لقمم ابراج الظلم والطغيان، فصدّق الشعب الأمين والصدّيق قولها ومنحها شيكاً على بياض، ووهبها الجمل بما حمل وقال لها سيري وعين الله ترعاك، كيف تسير وهي محملة باوزار الشراكة الدائمة للنظام البائد؟، لن تسطيع السير في طريق الصادقين وزعيم أكبر حزب طائفي قبيل سقوط الطاغية بسويعات كان لا يتوقف رنين جرس هاتفه بسبب المكالمات الواردة من هاتف رئيس جهاز مخابرات النظام (البائد).
لقد فرّطنا في حماية جنين الثورة في ذلك اليوم الذي رفع فيه رجل الاعمال - الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني - يد المفتش العام للقوات المسلحة احد اذرع الرئيس المخلوع، مبشراً الناس بمقدم الفارس المغوار على صهوة الفرس الأبيض، تلك كانت أولى خطوات التدحرج نحو هاوية السقوط الاخلاقي الكبير، الذي وضع أولى لبنات انطلاقة دكتاتورية عسكرية جديدة لا يعلم مداها الا الله، ففي حين غفلة من عيون الشعب الذي نام على فراش الاحلام الوردية وهو يتابع مشاهدة برنامجي بيوت الاشباح وحوار البناء الوطني، فجأة ينقلب قائد الجيش على السلطة الحاكمة التي ارتضاها الناس حلّاً انتقالياً عاجلاً ينتشل الوطن، من وهدة التخلف والوقوع بين براثن الاوضاع المأساوية التي انتجتها الدويلة البوليسية الارهابية الكهنوتية المهووسة دينياً، ومن بعد هذه الفعلة الشنيعة بدأت عودة الحرس القديم تدريجياً للمشهد الى أن عاد رموز حزب الرئيس المعزول، وان في ذلك لعبرة لأولي النهى - قادة تحالف قوى اعلان الحرية والتغيير - الذين استأمنهم محمد احمد على مولوده الديسمبري.
المشهد اليوم تغطيه حالات من اليأس والقنوط والاحباط لما آلت إليه مآلات امور ثورة ديسمبر المجيدة، التي كان من الأحق أن تلد فيلاً عظيماً لا فأراً قزماً لا يقوى ساعده على قذف الحجارة ولا يستطيع جمعها، فقد ارتدت الأمور لنقطة الصفر من ذات الشهر الابريلي من العام الثالث رجوعاً للماضي، ومازالت شرايين واوردة الشباب تغلي فيها الدماء من اجل تحقيق الوصول، اولئك الذين يجب عليهم الكفر البواح بهذه الاحزاب الديناصورية المهترئة، والتخلي عن تلك الحركات المسلحة الوصولية ذات الظل غير الظليل الذي لايغني عن اللهب، فاليوطد الشباب عبر لجانهم المقاومة وشيجة الرابط الوطني المبرأ من الانتماء الحزبي، حتى يكتمل لهم العبور الميمون نحو وطن السلام والحرية والكرامة والديمقراطية وكفالة حقوق الانسان، لقد كانت تجربة مشاركة احزاب تحالف قوى اعلان الحرية والتغيير للعسكر، بمثابة الطعنة الغائرة المسددة لظهر جنين الثورة ووليدها الذي لم يكمل عامه الثالث، صفّروا العداد واوقدوا شموع الأمل ولا ترهنوا مصير عملكم الطيب لمن لم يمرغ خده يوماً بغبار ارصفة شوارع هذه المدن المستحيلة الترويض.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
8 ابريل 2022

 

آراء