كيف ماتت سماح؟

 


 

 

 

قضية الطفلة المرحومة سماح اصبحت قضية رأي عام، فهي شبيهة بقضية الطالبة المخطوفة والمغدورة أميرة في عهد الديمقراطية الثالثة، عندما كان المرحوم سيد احمد الحسين وزيراً للداخلية، هل هو سوء طالع ونذير شؤم صادف تعيين مدير شرطة ولاية الخرطوم الجديد؟، الرجل الذي ما يزال يخطو خطواته الأولى للأمساك بملفات أمن الولاية المكتظة بملايين الناس من ذوي السحنات والأعراق والأمزجة والسلوكيات المختلفة؟، قبل يومين او ثلاثة اثيرت فضيحة جلد النساء وقهرهن بسياط النوق في طرقات هذه المدينة المركزية، واليوم تطفو على سطح الاحداث قضية الطفلة سماح التي لم تتجاوز الاربعة عشر ربيعاً، وبحسب تسريبات الاعلام الاجتماعي ان المتهم في قتلها هو والدها!!، هل يعقل أن يكون الأب السوداني الحنون الرؤوف ببناته قبل اولاده منزوع الرحمة لهذه الدرجة حتى يقدم على ارتكاب هذا الجرم البشع والشنيع، الذي يتبرأ منه ابليس اللعين ويستحي منه الشيطان الرجيم؟، لابد وأن يكون وراء الأمر هم دفين وسر مكتوم في جوف الليل، ولغز مدفون في عمق النيل الذي اغرقت فيه جثث ضحايا فض اعتصام القيادة العامة، الخرطوم مدينة غير آمنة برغم ما تمثله من رمزية العاصمة القومية لارض مساحتها مليون ميل مربع قبل الانشطار، لقد شهدت هذه المدينة المخيفة احداث مروعة منذ تأسيسها وظهورها كحاضرة للبلاد في العهد التركي.
لم تشهد الخرطوم استقراراً قط منذ نشأتها الأولى، استباحها الاتراك وحررها السودانيون واعاد استعمارها الانجليز واستقلت صورياً وخرجت من قبضة التاج البريطاني والخديوية المصرية، لكنها وبعد رفع العلم الوطني على سارية القصر الجمهوري ظلت رابضة على الموانيء الاجنبية تستجدي الطعام والشراب، برغم الثروات والكنوز التي تحتضنها بواطن اراضيها الواسعة والشاسعة على امتدادات اقاليم السودان، تصارعت حولها ذات القوى والمحاور الاقليمية فدب الخلاف بين الضباط المنفذين لانقلاب مايو نهاية الستينيات، في يوليو من العام الأول المفتتح لعقد السبعينيات وسالت شوارع الخرطوم دماً، تحركت قوات الجبهة الوطنية المناوءة للنميري منتصف سبعينيات القرن الماضي، فخيّم الرعب والخوف على بيوتها واحيائها ولاذ المواطنون بالفرار داخل منازلهم، ومكبرات الصوت تدعوهم للإبلاغ عن (المرتزقة) الليبيين الذين قصدوا بالبلاد شراً، ذات السيناريو تكرر يوم الاثنين الاسود المؤرخ لمقتل ملهم مشروع السودان الجديد، واعيد المشهد نفسه بعد ثلاثة اعوام بدخول قوات المرحوم خليل لامدرمان.
الخرطوم غير آمنة ولن تكون ما دامت هدفاً ومقصداً للنهب والسلب والتحاصص، ففي مركزها تتداخل الاجندات وتختلف الرؤى والافكار وتتصارع الاحزاب والطوائف، ويقتل الاب فلذة كبده ويظلم الشقيق شقيقه ويعق الابن اباه، لا لشيء سوى أن صورة هذه المدينة (الفاضلة) جُسدت في مخيلة كل فرد على انها جنة الله في السودان، مقتل سماح واختطاف وقتل اميرة واغتيال اديبة وهروب احسان لتتزوج عشيقها بالجنوب الحبيب، واغتصاب صفية داخل المؤسسة المنوط بها توفير الأمن والأمان لصفية، كلها احداث يجب ان لا تخرج من سياق الانحرافات السلوكية والمجتمعية، وان لا تبتعد كثيراً عن الأجندة السياسية والفوارق الطبقية والأطماع الرأسمالية لرجال الأعمال الذين نبتت ثرواتهم وازدهرت على ارض السلطة، فالعيش في الخرطوم له شروط بعدم توفرها يكون الأولى لمن تسول له نفسه البقاء بها أن يلملم اغراضه ويتجه صوب الاقليم الذي اتى منه، فهي لا ترحم صغير ولاتعرف حق لمولود شرعي او غير ذلك ودار المايقوما خير شاهد ودال على ضخامة هذا البؤس، الجرائم المرتكبة على ترابها بشعة بشاعة الحدث الأعظم الذي حوّل فندق اراك الى (خرابة) ينعق في دهاليزها البوم ، وامسى معلم شاهد على جرم شيطان هذه المدينة التي قطعت رأس غردون، إنها العاصمة التي لا تعترف بمواطنها الا بعد امتلاكه للمال والنفوذ، بغير ذلك عليه العيش غريباً في موطنها وعلى هامش خارطتها.
الحق يجب أن يتبع، لابد من نبش القبر الذي ترقد عليه جثة هذه الطفلة البريئة والصغيرة، وذلك لتحديد سبب الوفاة، فالشعب يريد اسقاط الاتهام، الذي طال والدها حتى لا تشوه الصورة الزاهية والجميلة للأب السوداني، ذلك الرجل الحنون والطيب النبيل والانسان الشهم الكريم، لا مناص لشرطة ولاية الخرطوم من اعادة فتح ملف هذا البلاغ، ولا مفر للنيابة العامة من بدء التحقيق في ملابسات موت هذه الصبية اليافعة الصغيرة، وواجب على شعبة الطب الشرعي القيام بدورها، وعلى شرطة ولاية الخرطوم ونيابتها واجب اخلاقي عظيم تحتمه الضرورات التي دعت لقيام ثورة الشعب في ديسمبر، وحُق للمطالبين بتفريغها من الجيوش المكدسة والذخائر المعبأة ان يعلو صوتهم، فالجيوش مكانها ثكناتها النائية ومصانع الأسلحة لها خطورتها المدمرة اذا ما بقيت على مقربة من مساكن المدنيين، وحادثة مصنع اليرموك حري بها ان تكون خير واعظ لمتخذي القرار، فقد لطف الله بالسكان حينما قصف الطيران الحربي الاسرائيلي هذا المصنع العسكري لمتاخمته مساكن المواطنين.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
27 مارس 2021

 

آراء