كيف نضع الجنيه في مسار التصحيح؟

 


 

 


منصة حرة

 

قدمت وعدا للقراء بأن يكون مقالي هذا عن سعر صرف العملات، وسياسات البنك المركزي، وإلى أين ستقود الاقتصاد؟، وصدقت توقعاتي في ما ذهبت إليه قبل أشهر، أن سعر صرف الجنيه لن يتحسن في الأمد القريب، واختلفت مع زملاء اقتصاديين بعد رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، وكان رأيهم يتحدث عن تحسن اقتصادي ونمو سريع للاقتصاد بدعم الاستثمارات الخارجية والتدفقات النقدية التي ستنعش حركة المصارف، ولكن مرة أخرى صدقت توقعاتي، بأن الارتفاع الدراماتيكي الأخير لم يكن حقيقيا، فرفع العقوبات أفقد الحكومة "الشماعة" الجاهزة لتعليق فشل سياستها الاقتصادية التي لم تنتهي ببيع القطاع العام، ولكن ايضا بانتهاجها سياسة دبلوماسية خاطئة بكل معنى الكلمة فالحكومة تظهر للعالم في الخارج خلاف ما تبطنه في الداخل، متناسية حقيقة أن العالم أصبح شاشة كمبيوتر، فكل ما يحدث من حراك في الداخل يشاهده العالم لحظة بلحظة، وهنا ينكشف زيف الحكومة، فتتهدم الثقة، وتهرب الاستثمارات الخارجية باحثة عن فرص وضمانات أفضل.
السياسات الأخيرة لبنك السودان، لن ترفع سعر الجنيه مقابل العملات، في عدم وجود دعم من الدولة بالتدخل في الإنتاج، والاستثمار، وبناء قطاع عام قوي قادر على إدارة الموارد بأسلوب احترافي يحرك من خلاله القطاع الخاص كداعم للقطاع العام، عكس ما هو حاصل اليوم، فالحكومة رهنت الاقتصاد للقطاع الخاص ليتحكم فيه كيفما يشاء، وتفرغت لتحصيل الجبايات والرسوم والضرائب، وهذا ينعكس بوضوح في النسبة العالية من الإيرادات الضريبية التي تلامس 68 في المائة من ميزانية 2018، وبعد أن فقدت الدولة الإيرادات النفطية بعد انفصال جنوب السودان، كنا في انتظار إنشاء شركات حكومية عملاقة لتستثمر في قطاعات الزراعة، والتعدين، والثروة الحيوانية، والثروة السمكية، وتدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتفتح سوق عالمية تستوعب هذه المنتجات، وللأسف لم نشاهد هذه الشركات، مقابل تحطيم واضح للقطاع العام.
وبالعودة للقرارات الأخيرة للبنك المركزي، والتي هدف من خلالها ضبط سعر الصرف، نؤكد أنها لن تنجح في ظل غياب الدعم الحكومي من خلال ضخ عملات أجنبية في المصارف، وتغطية على الأقل أكثر من 90 في المائة من الطلب عليها، وفي العدم - "وهذا هو الأرجح لعدم وجود صادرات قوية للقطاع العام، بالإضافة إلى سيطرة المحسوبية على مفاصل الحكومة" - لن تنجح سياسة "النطاقات" بوضع حد أعلى وحد أدنى لسعر الصرف يوميا لتتحرك خلالها المصارف، وهذه الخطوة تعتبر "شبه تعويم" للجنيه، وتسبق مباشرة قرار "التعويم الكامل" الذي يحدد السعر الحقيقي للجنيه مقابل العملات، وطالما هناك سعر رسمي، سيظل هناك "نطاقات" موازية في السوق السوداء، فالمصارف لا تمتلك النقد الكافي لتغطية الطلب المتزايد على العملات، والحياة لن تستمر في السودان بدون واردات، وفي حالة طالت فترة ما قبل "التعويم الكامل" الحالية، أتوقع أن يكسر الجنيه حاجز الـ56 جنيه أمام الدولار، فعندما تحدثنا عن حاجز الـ35 السعر الحالي للجنيه، ظنه البعض من المستحيلات، بل ويتجه نحو الـ40، ولا أخفي عليكم، ففي ظل الوضع الراهن للاقتصاد، أشجع بكل قوة قرار "تعويم الجنيه" بالكامل، حينها فقط ستدخل العملة السودانية مسار التصحيح، فكل الحلول التي تتحدث عنها الحكومة حاليا لن تحل مشكلة سعر الصرف.

الجريدة
manasathuraa@gmail.com

 

آراء