انتشر على الوسائط الاجتماعية (فيس بوك وتويتر وواتساب) هاشتاق يحمل عنوان (كلنا نيرتتي). حدث هذا عقب توارد الأنباء بأن مدينة نيرتتي في وسط دافور قد تعرضت لحادثة دموية أودت بحياة شخصين على الأقل وجرح العشرات مطلع العام ومع احتفالات البلاد بأعياد الاستقلال ورأس السنة الميلادية. حقيقة الأمر إن مثل هذا الهاشتاق يتخذه بعض الناس هزواً، ليس بسبب أن " النضال الفيسبوكي" مريح كما يدَّعي أدعياء الحكومة، ولكن لأن شعور بعضهم بالأمر لا يتعدى الاستغلال السياسي في جانب، أو على الجانب الآخر أنهم يتعاملون معه كما يتعاملون مع ضحايا غزة وأحداث بورما، أي كصدمة إنسانية لا غير! قولي هذا لم يأت من فراغ، ولكنه مستند، ومن خلال متابعتي، على حقيقة أن غالبية من شارك الهاشتاق تعامل معه في مستواه السياسي و/أو الإنساني، وغاب بشدة الجانب الاجتماعي والقانوني. وهذا الأخير بالذات ينقذنا من سخف أدعياء الحكومة وأنصارها، مرة لأننا لن نتورط معهم في سؤال:إنتو يا ناس الخرطوم والوسط (نيرتتي) دي علاقتكم بيها شنو وسمعتو بيها من وين؟ فنتردَّد ونتلجلج في الإجابة، أو نجيب برؤوس مطأطأة: في ناس قالولنا شفنا الشافا.. ومرة أخرى لأننا يمكن أن نساهم بشكل عملي في رفع القضية وأخريات مثلها إلى مستوى الإهتمام الذي نريد، ولكننا في العادة لا نفعل وهذا هو نقص القادرين على التمام!
لقد أعطتنا الحكومة ورقة رابحة بقول وزير دفاعها بأن الحادثة هي (بوليس كيس) راجع صحيفة الجريدة 3 يناير 2017، أو بمعنى أوضح هي حالة تقع تحت طائلة التحقيقات الجنائية؛ هذا يعني أن الحكومة لديها دليل على هذا القول ولكي لا يأتي القول على عواهنه فهناك أسئلة حائرة ومن صميم عمل الحكومة الإجابة عليها لا جعلها حملاً على أكتاف الضحايا وأهاليهم فالحكومة عليها أن تجيبنا: أين هو الدليل على أنها مجرد (بوليس كيس)؟ هل هناك متهمون محددون؟ ما صفاتهم؟ وإذا كان لكل جريمة دافع وأداة لإرتكاب الجريمة، فما هي هذه الأداة؟ ومن أين تحصَّل عليها المجرم؟ ثم ما هو الدافع من قيام المجرم بهذه الجريمة؟ وأخيراً ما هي الخطوات العملية لمنع تكرار هذه الجريمة في نيرتتي وفي غيرها من المناطق بالبلاد؟ وهذا السؤال الأخير مهم في نظري وربما يمكن أن يكون أهم هاشتاق في هذه المرحلة من عمر البلاد.
هذا جانب، أما الجوانب الأخرى فهي:
1- إدِّعاء النظام بأن دارفور آمنة وكل مناطقها تحت السيطرة يصبح وبالاً عليها، فطالما هي تحت سيطرة الحكومة فالزج بالحركات في هذه التهمة أدعى لانتفاء هذا الإدِّعاء(راجع تصريح نائبة الدائرة بالبرلمان- المصدر السابق)، أي إنها ربما ليست آمنة و/أو ليست تحت سيطرة الحكومة!
2- الحادثة غير عادية بالطبع وطالما أن الحكومة ستستخدم التحقيق الجنائي والشرطة للتعامل مع القضية، فإن الإجراءات الجنائية وإيجاد الجناة ومقاضاتهم ومعاقبتهم ونشر نتائج التحقيقات واسماء المتورطين وكل الخطوات اللاحقة لذلك على الملأ يصبح أمراً ملزماً. وهذا أيضاً موضوع يستحق الضغط عليه في الجانب الدعائي والإعلامي والحملاتي والقانوني.
أخيراً فإن حادثات مثل هذه ودرجة التفاعل معها تؤثر على الُّلحمة الوطنية بالبلاد، وهناك إتهامات واضحة سابقة وحالية وربما تزداد مستقبلاً، بأن الاهتمام بقضايا الوسط أكبر من الاهتمام بقضايا الأطراف، ولتدارك هذا الأمر فالأوجب دعم القضايا الوطنية والالتفاف حول موضوع الوحدة والالتحام الوطني وعدم الركون لكونه جزءاً من قضية تغيير النظام، وذلك بجعل مسألة الالتحام الوطني وتمكين المساواة وترسيخ المواطنة الحقَّة موضوع حملات غير موسمية وغير متأثرة بأحداث معينة؛ ومثل هذه الحملات وتدبيرها هو ما سيساعد في تغيير النظام لا العكس. وليفكر الحادبون على الوطن مع بعضهم بعضاً في جعل أمر زيادة الُّلحمة الوطنية جزءاً أصيلاً من تفكيرنا جميعاً لا مجرد خاطرة عابرة مع حدث معين يمكن أن نجد من خلاله كسب سياسي.
ورغم كل ذلك:
#كلنا_نيرتتي
baragnz@gmail.com