كُلما صرح عنطج، ملعون أبوكي بلد!! … بقلم: مهدي إسماعيل مهدي/ بريتوريا

 


 

 

mahdica2001@yahoo.com
ظن البدوي المُدهش/ الحاردلو، أن سيل وطنه السودان قد بلغ الزُبى وجاوز حزامه الطبيين (ولم يدر أن الله لطف به فلم يشهد قيامة الوطن الحقيقية في 30 يونيو 1989، وما بعده) تأوه شاعرنا الشفيف الرهيف، والتاع  حُباً وحُرقةً وأسى وأطلق مقولته التي سارت بها رُكبان البُطانة وعموم أهل السودان "ملعون أبوكي بلد"، أما الرائع الراحل، صاحب موسم الهجرة إلى الشمال/ الطيب ود الصالح، الذي شهد بداية الواقعة، فمط شفتيه وقطب حاجبيه ودمدم، وهو الدمث الوديع كإسمه، وأرسل زفرة حرى (وحاشاها أن تكون كزفرات شبيهه في الإسم فقط-إبن مُصطفى كوبر) متسائلاً "من أين أتى هؤلاء؟؟ بل من هُم هؤلاء؟؟؟". ورغم ذلك، لم تردع هذه المقولات العُصبة ذوي البأس فتحملهم على التواضع قليلاً تأسياً بقول المًصطفى الكريم "من تحدث فليقل خيراً أو ليصمت"، ولكن سدر القوم في غيهم وضلالهم، وقدلوا قدلة الهر الذي يُحاكي صولة الأسد، وتفرعنوا وتجرأوا في باطلهم وأباطيلهم غير مُدركين "إن الجُرأة في الباطل، محض وقاحة ليس إلا". فابتدرنا قائلهم في بداية عهدهم "الزارعنا غير الله، الليجي يقلعنا" وكيف لا يقول ذلك وهو صاحب السيخة الشهيرة وبرنامج "الهبروا ملوا" وحائز قصب السبق في إبادة وحرق أهل دارفور (وقد قيل أنه تصوف أخيراً، طالباً الرحمة والمغفرة)، ومن بعده آذانا و"كدًر صفانا" الحانوتي المُفارق إسمه المُفيد لفعله الضار بتكرار مقولات "ألحس كوعك" و "حفرنا القبور وجهزنا الشواهد"، وهاهو دباب دبلوماسيتهم البئيسة، الذي عذبنا وحيرنا، ينفث سمومه غير آبه لتمثال الحُرية الرابض على مقربة منه في جزيرة مانهاتن ويقول "شيوخكم/كُباركم، الميرغني والصادق، قبضوا قروشنا (أي رشوتنا) ليلاً وشتمونا صباحاً"، ولعله صدق حين أضاف "ديل سجمانين" ولو تريث قليلاً (صاحب دبلوماسية الرزق على الله) لأدرك أن الراشي والمُرتشي صنوان، ووجهان لعُملة واحدة، فهل بعد هذا السجم لا يزال مولانا مُصراً على حمل قربة الوحدة المقدودة على رأسه.
لم يشأ الوزير كمال عبيد، فأتحفنا الإعلامي فلتة زمانه الأغبر، فرمانا بداهية التصريحات "الجنوبيين لو إختاروا الإنفصال، لا مكان لهُم في الشمال، ولن يجدوا حتى حُقنة في مُستشفياتنا"، واتفرج ياسلام.
ثمة أسئلة تتزاحم في الرأس، هل هذه تصريحات رسمية أم شخصية أم حزبية لهؤلاء المستوزرين؟؟ وكيف يدلي الدكتور الفيلسوف بذلك ونائب رئيس جمهوريته مازال يتفاوض في نيويورك حول ترتيبات ما بعد الإستفتاء/الإنفصال؟؟ كيف يؤجج النيران والكُل يتضرع إلى الله أن يلطف بالبلاد والعباد إن وقع المقدور؟؟ " والجميع يُردد بإشفاق واجف، اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن اللُطف فيه". هل أصبحت قلة الحياء والتصريحات العنترية، "التي ما قتلت ذُبابة" هي المؤهل الأول لتبوء المنصب الوزاري، الذي أصبح مسخرة وعلى قفا من يشيل؟؟ ألا يعلم الدكتور وزير الإعلام وربما الثقافة، أن نشيد دولة جنوب السودان الجديدة يحتوي على نص يُشير إلى أجداد أبناء الجنوب الكوشيين، نسل تهراقا وبعانخي؟؟ ألا يعلم معاليه أن رئاسة قبيلة الدينكا كانت بالُقرب من مدينة الكوة على ضفاف النيل الأبيض؟؟، ألا يُدرك سليل العباس أنه لا يوجد ركن من أركان الدُنيا الخمسة (بما فيها إسرائيل) إلا وبه سوداني مفصول للصالح العام أو خريج من بيت أشباح أو والدة فقدت إبنها في أصياف العبور أو أرملة لا تعرف أين قبر زوجها المقتول غيلة، ولم يقل أحد لهؤلاء؛ عودوا إلى بلادكم ولا شأن لنا بكم ؟؟، ألا يفتح هذا الحديث الفج باب جهنم والفتنة، فقد ينبري أحدهم (ومعه ألف حق) ويقول للوزير الهُمام عُد إلى جدك القُرشي في صحراء أبي جهل، كما عاد عبد الله الصغير من الأندلس باكياً كالنساء حُكماً لم يصنه كالرجال، أو كما طُرد ملوك آلـ-البوسعيدي من أرض الزنج (زنجبار)، ولا تنسى أن إسم السودان له من الزنج نصيب!!!.
قبل أن نستفيق من داهية العنطج الصغير داهمنا العنيطج الأصغر بتصريح آخر أضل سبيلاً مُشترطاً فيه إنسحاب الجيش الشعبي وإلا فلا إستفتاء، في وقت تعهد فيه شيخه على رءوس الأشهاد بالأمم المتحدة أن أمر الإستفتاء قد قُضي ولم تتبق إلا مراسم الدفن في يوم الهول الأعظم (يناير 2011)، ويبدو أن هذا الفتى الغرير لم يتعظ من كبوة تصريحاته المُهببة عن القوانين الوطنية ذات السيادة على قوانين الفيفا، والتي عاد ولحسها صاغراً. بالمناسبة هل فقد القوم البوصلة؟؟ أم أصيبوا بمُتلازمة أوكامبو؟ وإلا فما أسباب هذا التضارب التصريحاتي؟؟ أولا يُحق لنا أن نتساءل عن من يحكم هذه البلاد؟؟ بل وكيف تُحكم؟؟. فو الله ما عُدنا نُميز الطُرة من الكتابة.  
كتب أحدهم في موقع إسفيري مُعلقاً على تصريح عبيد "إن جدادة الخلا تُريد أن تطرد جدادة البيت"، وكيف لا تفعل ذلك وقد سبقها إلى تلك المحاولة ديك العدة الأول عندما زعم أنه يُريد أن يُنظف العاصمة المُثلثة من الأوساخ، فجرد عسسه المدججين بالسلاح وأرسل الكشات وحملات الإعادة القسرية التي استهدفت الزُرقة في كنابي أطراف العاصمة المُثلثة، فصدر الكتاب الأسود، ودخلنا في العهد الغيهب وجُحر الضب وشهدنا تمزق النسيج الإجتماعي وبروز العنصرية والجهوية الكريهة التي نكتوي بنار نتائجها الآن، ويبدو أن المُسلسل لا يزال جارياً.
ولم يقتصر مُسلسل التصريحات العجيبة على جماعة المؤتمر الوطني، فهاهو لام أكول ومن قبله ديفيد ديشان يقولان قولاً عجباً، ودعونا نسألهما مُجرد سؤال واحد، لماذا لم يذهبا إلى الجنوب ويكررا كالببغاوات هذا الكلام الخايب؟؟، وسؤال آخر للجوال السياسي المُحترق ذاتياً/ لام أكول (مؤسس حركة تحرير جنوب السودان، وعضو المؤتمر الوطني في زمن الجهاد) هل أنت مع الإنفصال أم مع الوحدة؟؟.
طالما هذه هي تصريحات أولي أمر آخر الزمان (أو بالأحرى بُغاث الطير، الأكثر صراخاً)، فلن يكون إنفصال الجنوب خاتمة الأحزان، بل مدخلاً لبوابة الشر التي سوف تسحقنا جميعاً في دوامتها في دارفور وجبال النوبة وأرض الفونج، إن لم ننهض لها نهضة رجل واحد وننتظم في جبهة وطنية عريضة واضحة الأهداف بلا ختل ولا مواربة ولا أنصاف حلول، ومن له بديل موضوعي آخر فكُلنا آذان.
قيل أن أحد السودانيين، وإسمه عبيد (للمُفارقة)، ذهب مُعتمراً إلى الأراضي المُقدسة، وعند هبوطه في مطار تلك الدولة، تفحص ضابط الأمن جواز سفره وسأله، إسمك شنو؟؟ فأجاب صاحبنا ببراءة "عبيد" فرد عليه السائل "أدري أنك عبيد، شو إسمك؟". فيا أيها الهجين ويا أيتها الخُلاسيات (الجميلات كما برتقالة ود المكي المملوءة الساقين والمكحولة العينين والمجدولة من شعر أغنية) أرجو أن تفوقوا من أوهام الإستعلاء العرقي، وأعلموا أن دولة الباطل إلى زوال، وأن الساعة آتية لاريب فيها، وحينها سوف تذهل كُل مُرضعة عن مأ أرضعت ولات ساعة مندم ، فمن لا يرى الشجر المتحرك فقطعاً هو أعمى البصر والبصيرة.

 

 

آراء