لأحبانا السلفيين سلام .. وكلام … بقلم: د. محمد وقيع الله

 


 

 

( 1 من 4)

 

لأحبابنا السلفيين سلام وأجل احترام فهم الحاملون للواء الدعوة إلى الإسلام بحق في هذه الأيام وكم يسر القلب جهادهم الدعوي المستبين الباهر وتغلغلهم في سائر أوساط البلاد وإنقاذهم لشبابنا الغض من براثن الفكر المادي الدهري وانحرافات الإعلام ومغريات الفن الهابط والسلوك المشين.

وللدعاة السلفييين جهود غير منكورة في نشر العلم الشرعي وتبني أسلوب الوسطية البعيد عن التشدد والمغالاة والتطرف والشطط, ولهم فهم مصيب للواقع وفقه جيد لمقتضياته، وإلا لما اتخذوا هذه الخطوة الصحيحة في خضم الأوضاع السياسية المعقدة والخطيرة في البلاد وذلك بإعلانهم الصريح القوي غير المتردد بتأييد المرشح الإسلامي السيد عمر حسن البشير لحكم البلاد على خلفية أنه أقرب المرشحين طرا إلى نهج الإسلام لا يدانيه في ذلك شخص آخر وأنه لا يخالف في ذلك الأمر البين إلا معاند معلوم العناد.

وقد حمل البيان الصادر من المجلس العلمي الصادر من جماعة أنصار السنة والذي أذاعه  الشيخ أبو زيد محمد حمزة رئيس الجماعة أن دعم الجماعة لترشيح السيد البشير جاء بناء على ما يقتضيه الاجتهاد الفقهي للمرحلة، أي فقه الواقع الدعوي والسياسي السوداني.

ووكلت الجماعة لجنة برئاسة صاحب الفضيلة السيد الدكتور محمد شقة حماد الأمين العام للجماعة للعمل على اختيار الأصلح من المرشحين الولائيين بالتشاور مع أمانات الجماعة بالولايات وأكدت الجماعة أن قراراها جاء حرا ووليد الاجتهاد الفقهي الواقعي ولا علاقة له ولا صلة بأي تحالفات مع أي حزب من الأحزاب.

استكمال الاجتهاد:

 وطالما أن الأمر كله وليد الاجتهاد الفقهي الواقعي المخلص غير المتعصب فنحب أن ندلي في الموضوع بكلمة لأن إخواننا السلفيين الأفاضل استثنوا من السباق الانتخابي النساء فقالوا إن العمل البرلماني ولاية كبرى لا يجوز توليها للنساء.

ولأننا لم نسمع بأدلتهم فنود أن لو استحضروها في البيان أو أفردوها بدراسة خاصة لأن الأمر مهم وموضوع خلاف ولكل فيه وجهة نظر.

 وحتى نسمع من هؤلاء السادة الإخوة الأفاضل رأيهم الفقهي المؤسسي نضع على بساط البحث آراء مشابهة لآرائهم في الموضوع، ونقدم ردودا عليها، ثم نستعرض بعض الأدلة والآراء حول مشروعية اشتراك النساء في العمل الشوري البرلماني.

ولابد أن نعترف أن أن لآراء إخواننا السلفيين في الموضوع أصول في فكر السلف  الصالح حيث أنكر أكثر الفقهاء القدامى  حق المرأة في الشورى، ولكن مع شدة أنكارهم  ذاك فإنهم لم يوردوا الأدلة المقنعة.

 

رأي إمام الحرمين:

ومن أمثلة هؤلاء إمام الحرمين الجويني الذي تحدث بلغة الجزم فقال :" فما نعلمه قطعا، إن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعَقد الإمامة، فإنهن ما روجعن قط، ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة رضي الله عنها، ثم نسوة رسول الله أمهات المؤمنين، ونحن بابتداء الأذهان، نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور وكر الدهور". (راجع: أبوالمعالي الجويني،غَياث الأمم في التياث الظُلَم، تحقيق مصطفى حلمي وفؤاد عبد المنعم أحمد، القاهرة: دار الدعوة،1979م، ص48) .

وواضح أن الإمام الجويني يحصر حديثه هنا في عملية انتخاب الخليفة ويستثني المرأة من  إبداء الرأي وما يسمى اليوم بحق التصويت، ولكنه نسي أن نساء جرت استشارتهن في بيعة الخليفة الثالث، عثمان، رضي الله عنه، وأن السيدة عائشة، رضي الله عنها كانت لها آراؤها ومبادراتها السياسية المعروفة التي نافحت عنها في أعقاب بيعة الخليفة الرابع، علي رضي الله عنه.

رأي الإمام القلعي:

ومن الفقهاء القدامى الذين اعترضوا على دخول المرأة مجالات الشورى الإمام محمد بن علي القلعي القائل إن :" النساء مأمورات بملازمة الخدور، منهيات عن مباشرة الأمور، ومزاحمة الخطوب، فهن قليلات الخبرة في هذه الأمور". (راجع: محمد بن علي القلعي، ترتيب الرياسة وتهذيب السياسة، تحقيق إبراهيم يوسف عجوذ، عمَّان: مكتبة المنار، 1985م، ص77).

والاعتراض هنا مبرر بقلة الخبرة، فلقلة خبرتهن نهين – كما قال- عن مباشرة الأمور والخطوب. وإن كان الأمر كذلك فإن زادت خبرتهن انتهت تلك العلة، وجاز لهن الاشتراك في تلك الأمور!

رأي الإمام السباعي:

وممن نصبوا الاعتراضات على دخول المرأة في الشورى من الفقهاء المعاصرين الشيخ مصطفى السباعي، قائد الإخوان المسلمين الأسبق في سوريا، حيث لم ير في اشتراك في المرأة في بيعة العقبة دلالة على إجازة اشتراكها في العمل السياسي. وقال إن من زعم شيئاً من ذلك: " فقد ركب متن الشطط، وحمل وقائع التاريخ ما لم تحتمل". (راجع: آمنة فتنت مسيكة، واقع المرأة الحضاري في ظل الإسلام منذ البعثة النبوية حتى نهاية الخلافة الراشدة (بيروت: الشركة العامة للكتاب، 1996م، ص415-416).

   واحتج الشيخ الإمام لتأييد رأيه بأن المرأة لم تشارك في اجتماع السقيفة لاختيار الخليفة الأول، ولا دعيت لتلك المهمة.

       ولم يراع بأن تلك المهمة لم  يدع لها كل الناس، وإنما تداعى لها بعض الأنصار على عجل، ولحق بهم بعض المهاجرين، ولا بأس بإيراد ما جادت به قريحة الباحثة المغربية الدكتورة آمنة فتنت مسيكة حيث تقول :"ولا شك أن السبب في غياب المرأة عن هذا الاجتماع يعود بالدرجة الأولى إلى هول الفاجعة المفاجئة التي حلت بالمسلمين عامة من موت نبيهم فلم يصدقوا الخبر... فإذا كان هذا حال الرجال الأقوياء الأشداء... فما عساه يكون حال النساء وهن إلى الضعف أقرب؟!" (المرجع السابق، ص 417 ).

هذا عن يوم السقيفة فمذا تقول الباحثة الشيخة عن البيعات الأخرى؟ تقول:" ولكن الوقائع التاريخية تثبت أن المرأة وإن تقاعست عن استعمال حقها في النتخاب الخلفاء الراشدين، إلا أنه كان لها فيه رأي مسموع وأثر ظاهر في سير الأمور" (المرجع السابق، ص 417 ) . وأشارت هذه الباحثة الفقيهة المجدة في هذا الصدد إلى مواقف الزهراء من الصديق، وعائشة من سياسة عثمان، ونائلة بنت القرافصة من سياسة علي، وأم الخير بنت الحريش البارقية وخطابها في صفين على إثر مقتل ياسر بن عمار، رضي الله عنهم أجمعين.

 رأي الشيخ عزة دروزة:

 وللأستاذ الكبير محمد عزة دروزة رأي سائغ في هذا المنحي يقول أن الإسلام قد منح المرأة هذا الحق ولكنها لم تمارسه في أيام الراشدين لأنها كانت في حاجة إلى تدريب عليه.وذكر ارتباط أوضاع المرأة بالتقاليد الاجتماعية التي لم تكن تسمح لها بالخروج كثيراً لمباشرة الحياة العامة ، ولكن ليس لتلك التقاليد قوة أحكام الكتاب والسنة، وذكر قول عمر بن الخطاب:  " كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك حقا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا ". (راجع: محمد عزة دروزة، الدستور القرآني في شؤون الحياة، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية،1956م، ص 82 ). فهو اعتراض بدافع الغيرة كما حاول بعض الصحابة منعهن من شهود صلاة المجاعة بالمسجد، أو ربما كان عموم النساء زاهدات في ممارسة الحق السياسي!

رأي الإمام عبد الكريم زيدان:

وأما الإمام الفقيه المعاصر الشيخ عبد الكريم زيدان فقد أجاز للمرأة أن تشارك في انتخاب رئيس الدولة، وفي انتخاب أعضاء الشورى، إذ لا يُشترط هنا إلا البلوغ والعقل والإسلام ،كما قال. أما عن انتخاب المرأة لعضوية مجالس الشورى فقال الشيخ : " الذي أراه، لا يجوز للمرأة أن تكون عضوا في مجلس الشورى، وبالتالي لا يجوز انتخابها لهذه العضوية ". (راجع: عبد الكريم زيدان، المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية (بيروت: مؤسسة الرسالة،1413هـ، المجلد الرابع، ص333 ). 

وعدد الشيخ الإمام زيدان أدلته في أن المرأة لا يجوز أن تجعل من عضويتها في مجلس الشورى للكسب والارتزاق لأنها مكفية المؤونة، ولأن أعمال المجلس هي من قبيل الواجبات الكفائية، التي يمكن أن يقوم بها الرجال دون النساء، ولأن عمل المرأة بمجلس الشورى قد يتعارض مع واجباتها البيتية ويعرضها للاختلاط بالرجال.

 وهذه جملة من الأسباب الضعيفة. فالعمل بمجلس الشورى حتى لو كان مدفوع الأجر لا تمنع منه المرأة، فهي غير ممنوعة شرعا من العمل المدفوع الأجر، مكفية المؤونة أو غير مكفيتها، والواجب الكفائي لا تمنع المرأة من الاشتراك في أدائه حتى ولو كان جهادا في سبيل الله،، وأما التعارض مع الأعمال البيتية، والتعرض للاختلاط، فذلك لا يحدث ضربة لازب، وبالإمكان توقيه.

رأي الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس:

ومن الفقهاء المعاصرين أبدى الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس اعتراضه على اشتراك المرأة في الشورى واضعا الذكورة شرطا لإبداء الرأي الشوري: ‏«‏فلا تكون المرأة من أهل الشورى، لأن الرجال أكفأ من النساء فكانت القوامة لهم، قال تعالى:   الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ   فلا تقدم المرأة على الرجل ولا تؤمر. وقد يقول قائل إن الآية متعلقة بالمسؤولية في الأسرة، وليست عامة، فالحجة تبقى قائمة كذلك. فإن كانت المرأة عاجزة عن إدارة أسرة تتكون من مجموعة أفراد لا تعدو أصابع اليدين، فمن باب أولى أن تكون أكثر عجزاً في إدارة شؤون الناس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً ". (أخرجه البخاري فيكتاب المغازي ).

وهذا رأي متشدد يتحدث عن عجز المرأة بصورة شبه مطلقة، ويقيس على ذلك فيحرم المرأة من قيادة أي عمل ولو كان صغيرا كشركة أو متجر أو نحو ذلك. وهو أمر لا تقره المشاهدة الاجتماعية العامة حيث نجحت النساء في كثير من الميادين العملية.

 أما قوامة الرجل على المرأة في مجال الأسرة فهو أمر بدهي وطبعي، والمرأة نفسها لا تعترض عليه بل تقبله وتفخر به، ولكن القوامة السياسية أمر آخر غير القوامة على البيت، فهي شأن دستوري تحكمه قوانين من نوع مختلف، وإن كان مصدرها أيضا من الشرع الحنيف.

 

آراء