لا تعليم في وضع أليم ..!

 


 

هيثم الفضل
2 February, 2023

 

haythamalfadl@gmail.com

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح
لو لم يكُن لثورة ديسمبر المجيدة أية مطالب سوى مطلب إنصاف المعلم السوداني وإحتكار أسبقية الجُهد والبذل الحكومي لتطوير ونماء التعليم ، لإستحقت أن تُبذل دونها الأرواح الغالية ، كما ظل يفعل شبابنا الثوري منذ ما يفوق الثلاث سنوات ، وفي هذا المقام لسنا في حاجةٍ إلى بذل المصطلحات والعناوين (العاطفية) المتداولة كلما جاء الحديث عن المعلم والتعليم ، فقُم للمعلم ووفهِ التبجيلا ظلننا نرددها كأناشيد وشعارات خاوية من المضامين وغير متوافقة مع الوقائع ، ولم تنعكس تعاليمها ومبادئها ولو بمثقال ذرة على وضع التعليم والمعلم ، وعلى مرَّ الحكومات التي توالَّت على إدارة البلاد بعد الإستقلال ظلت منظومة التعليم في السودان تتساقط يوماً بعد يوم ، حتى إنهارت تماماً ولم تعُد تحتاج إلى (ترميم) بقدر إحتياجها إلى تأسيس و(تشييد).
لجنة المعلمين السودانيين لو كانت تعمل تحت ظل حكومة ديموقراطية يعنيها أمر الشعب والوطن ، لما إحتاجت إلى كل تلك الأدوات المُنهكة لتُعبِّر عن أهمية دور المعلم ، فضلاً عن دور التعليم في منظومة أو إستراتيجية التنمية المُستدامة التي تصبو إليها كل الدول المُحترمة ، ومن وجهة نظري فإن قمة العار الذي يمكن أن تُوصم به حكومة في عصرنا الحديث أن يضطر المعلمين فيها لتحقيق أبسط مطالب عيشهم بكرامة ، للإضراب والتوقُّف عن العمل والإعلان عن (إستحالة) تحقيق المُستهدفات الأكاديمية والتربوية في ظل ما يعانونهُ وما تُعانيه المُنشآت التعليمية من إهمال وعدم إكتراث وإمعان في الهدم والإفراغ من الثمرات المرجوة.
(تعوَّدت) وزارة التربية ومعها القائمين على أمر الحكم (القسري) منذ الإنقاذ البائدة وحتى الإنقلاب المشئوم القائم الآن ، على جني ثمار ما إنجزتهُ الحكومات الشمولية من مُخطَّطات لهدم وتجفيف التعليم الحكومي ، عبر إفساح المجال لفوضى التعليم الخاص الذي أصبح من أهم وأجدى أنواع الإستثمار في السودان ، وعبر فقه التمكين البغيض تم إحتكار تراخيص المدارس الخاصة شأنه شأن كل (السلع) الإستهلاكية الضرورية لنُخبة من منسوبي المؤتمر الوطني المحلول ومعهم ثُلةٌ من أذيالهم المُنتفعين ، في تواطؤ مشهود للوزارة التي على ما يبدو (إستهوتها) فكرة أن يحمل التعليم الخاص (العبء) عن كاهلها فإجتهدت وتفانت في التماهي مع مُخطَّطات إهمال وتدمير المدارس الحكومية وإهدار مُستحقاتها في الرعاية والإدارة والتطوير المُستمر لمُرتكزاتها الأساسية المُتمثلة في المعلم والمنهج والإجلاس والخدمات الخاصة بالمنشآت والعملية التعليمية والتربوية ، بل وصل الأمر حداُ تُعلن فيه الوزارة على رأس كل عام أنها غير معنية ولا مسئولة عن ما يطرأ من زيادات خُرافية في رسوم المدارس الخاصة (مع أنها أي الوزارة لديها إدارة تسميها إدارة التعليم الخاص لا عمل لها سوى زيادة رسوم تراخيص المدارس الخاصة كل عام ، ليكون ذلك مُبرراً منطقياً يستخدمهُ أصحاب المدارس الخاصة لإقناع أولياء الأمور بأن الأمر لا علاقة له بالجشع والغبن والغِش التجاري).
كيف لدولةٍ لا تتحكَّم في 70 % من قاعدة المُستفيدين من العملية التعليمية والتربوية بإعتبار أنها تابعة لسوق أو (دلالة التعليم الخاص) ، أن تلتفت أو تتجاوب مع قضايا المعلم والتعليم ؟ ، وكيف لدولة لا تضع قياداتها المصلحة الوطنية للبلاد والأمة نصب أعينها في شتى الملفات ، أن تخرج من دائرة ما تعوَّدت عليه من (فشل) لتؤمن بأن التعليم هو نواة النماء والحرية والسلام والعدالة ؟ ، على رافعي راية الأنانية الذين ينتقدون إضراب المعلمين ويشيرون إلى ما سيصيب الطلاب من ضرر ، أن يعلموا أن مطالب الإضراب بالإضافة إلى الإستحقاقات المالية للمعلم ، تخوضُ أيضاً في مُستحقات تطوير البيئة التعليمة والتربوية لمصلحة الطلاب وذويهم ، وذلك عبر رفع نسبة الصرف على التعليم في الموازنات العامة للبلاد ، قمة الفساد الأخلاقي أن تُشيِّد الحكومة قصراُ منيفاً كنادي النيل الوطني وتستورد بما قيمته ملايين الدولارات غازاُ مُسيلاً للدموع ، ويسيرُ وزير ماليتها في زيارته لمعسكرات النازحين وفي معيتهِ موكب يفوق الـ 50 عربة فاخرة قيمة الواحدة منها تبني مدرسة أو مدرستين ، أن يضطر المعلم فيها إلى الإضراب والإنقطاع عن العمل مُطالباً بصرف متأخرات إستحقاقاته عن عام مضى ، وطامحاً في العيش بكرامة في هذه البلاد التي إستأسد فيها الجاهل ، وعلا فيها الباطل.

 

آراء