لا خير فيهم .. سيدي الإمام، وكلفتهم الأكبر
رباح الصادق
7 September, 2011
7 September, 2011
سيدي الإمام الصادق المهدي، لست ممن أحتاج لكثير شرح أو قليله لأفهم كيف تفكر. ولا ممن يحتاج للكتابة في الصحف حتى يصلك رأيهم. فأنا بعض من طاقم مكتبك الخاص، وجزء من آل بيتك، وأصطف مثل الحبيب محمد موسى بين المحبين. ولكنني قدرت وفكرت بأنني، وهذه المرة بالذات، أحتاج لأن أوصل رأيي هذا من على صفحات (الرأي العام) وأنا أظن أنك قارئي الأول بل القارئ الأول لكل كاتب سوداني وكاتبة تجد برأيها من أجل الوطن حتى وإن كانت أقمارها تعكس بعضا من شموسك!
في خطبة العيد الأخيرة وقد بلغت القلوب الحناجر، واصطف الغضب الشعبي من حدب عكرة الماء وقلته وصوب قطوعات الكهرباء ومسلسلات شبكة سد مروي المحفوظة، وغلاء الأسعار، وغياب السكر وغير هذا من أمور كبيرة كالجنوب الذي أضاعوه والحرب التي تدور رحاها في دارفور ثم جنوب كردفان وضحاياها من قتلى ولاجئين ونازحين في معسكرات الذل والهوان بالملايين، والفساد الذي حط بكلكله، والصالح العام والتمكين وغيره، وسط كل هذا قلت لأهل الشجرة كلاما هينا لعلهم يتذكرون أو يخشون.
وبعد اندلاع حرب النيل الأزرق فجر الجمعة 2 سبتمبر جمعت مكتب التنسيق الأعلى لحزبك وخرج بيانكم يتحدث بالعقل ويسكت الغضب المستحق. الغضب لأنهم صموا وعموا وما استمعوا لنصح، وكم حذرتم!
ما زلت سيدي الإمام تظن يجدي مخاطبة هؤلاء القوم بالعقل، وما زلت تطمع أن يرعووا ويجنبوا البلاد شر ممزق هي مقدمة عليه، تحدوك الأماني وتلفك المخاوف كشاعرنا محمد طه القدال أيام الزوال وهو ينسج «طواقي الخوف» ويقول: خوفي على البلد الطيب جناها وقمنا في خُديرا شاحدك يا كريم لا تحصّل خراب لا أرجى يوم وديرها! ولكن لقد فات أوان تلكم الأمنيات! في فجر يوم 17 رمضان الماضي استيقظنا وفي أعيننا بقية أدمع وتطن في أذننا أنشودة حزينة كان يدندن بها باك في رؤية رأيناها في المنام. ويقول: فرتقوا البلد الحنينة، خلوني أسمع من أنينا، لى حشاها نهشوا ولى جنينا، يا حنيني ليها ولَيْ حنينا! إنما نتحدث اليوم عن بقية البقية، وعن وقفة تشبهنا ولو كانت مثل وقفة كرري يوم الجمعة 2 سبتمبر، نتحطم فيها على بكرة أبينا ولكن تبقى راية الحق تذود عنها غاليات الأثمان المدفوعة!
لقد ظللت سيدي تقول إنه لا يوجد شخص أكبر من أن يتعلم ولا يوجد شخص أصغر من أن يعلّم.. وأظن كان لشباب وكوادر حزبنا مع صغر أعمارهم دروس ينبغي أن نتعلم منها.
ومع كوني في صف المؤسسية القوي، ومن الصقور في التعامل مع المنسلخين والمتخاذلين في كياننا إلا أنني لم أحب أن تكون حاضرا في مجمع من هؤلاء وأولئك ممن حادوا عن الدرب ومشوا خلف زمارة هذا وطبل ذاك، كذلك الجمع الذي كان في يوم 27 رمضان بحدائق الإمام عبد الرحمن المهدي بأم درمان.
حينما ذهبت لذلك اللقاء لم أك أعلم ما خلفه ومن، استلمت بطاقة دعوة وذهبت، وحينما ولجت توجست من أوجه كثيرة فارقتنا بغير إحسان ولما قابلت أخي الحبيب محمد حسن المهدي وهو من منظمي الحفل سألته لماذا لم يخبرني باللقاء ويحدثني عنه . فقال لي لقد دهشت لوجودك ولم أعلم كيف واتتهم الجرأة لتوجيه الدعوة إليك؟! مع أن الإفطار كما هو مكتوب في بطاقة الدعوة يتشرف بحضوركم شخصيا وقد خاطبتموه عبر كلمة مكتوبة تلاها شقيقي المهندس صديق معتذرين عن عدم الحضور بلقائكم الطارئ يومها في جوبا مع قيادة دولة جنوب السودان. ومع ذلك أكرر، كم كنت سعيدة بحضور ذلك المحفل الذي لم يصنع لأمثالي!
قال الشباب والكوادر بحزبنا من مختلف الدروب التي تفرقت، إن كلفة بقاء الإنقاذ هي الأكبر من أي خيار آخر.
قال ذلك الحبيب عبد المطلب عطية الله الذي ألقى كلمة الشباب والكوادر الرسمية مؤكدا أن بقاء الإنقاذ في السلطة أكثر يعني بلوغنا الدرك الأسفل من جحيم الحياة على كل مستوياتها، وسيكون تأخرنا عن إسقاط الإنقاذ مذمة تاريخية تحيط بحزب الأمة القومي? وقال : إن تكلفة بقاء الإنقاذ أكثر من ذلك ستكون أعلى من تكلفة أي خيار آخر?
نفس المعنى كرره الحبيب حسن أبو علامة الذي نادى بسرعة حسم الحوار مع الإنقاذ معددا مضار الحوار بدون سقف باعتباره مضيعة للوقت وتشتيتا للجهود وتشكيكا في موقف الحزب. وكرر المعنى آخرون. فحكمة شباب الحزب تقول إن ما تتخوفون منه من تمزيق للبلاد وتدويل شأنها وتسليم قيادها لحملة السلاح بدون تحديد رؤية تنتشل البلاد من الهاوية وغير ذلك مما تقلبونه ويعذبكم ليلا ونهارا كل هذه التخوفات حقيقية ولكنها ليست أسوأ مما نحن فيه الآن، فها هي كلها تتحقق الواحدة تلو الأخرى فإن انتظرنا عقل المؤتمر الوطني سوف نكون قد أضعنا فرصة الأمل الأخيرة في أن يجتمع السودانيون خلف راية إسقاطه كلهم وراء سراب بقيعة تحسبه وطنيتكم الظمآى ماء هو أن يكون وراء المؤتمر الوطني وقومه ولو بعض من عقل.
نحن لا نزاود عليكم، وأنتم الأدرى بمدى خذلان هؤلاء القوم ونقضهم للعهود، ولا نقدم لكم النصائح فيهم وعنهم، ولكننا نعتقد أن محبتكم لهذه البلاد تجعلكم تشفقون من حملها على المواجهة باعتبار أن حالتها لا تسمح بمزيد خلاف، وأي مزيد استقطاب فيها يعني زوالها، وربما كانت قراءتكم صحيحة، ولو لم تكن صحيحة فهي جديرة بالاحترام والتفهم، ولكننا ضاق بنا السبيل مثلكم، ولا نجد في ماضي المؤتمر الوطني ما يشجع على الاعتقاد بأن بأهله ذرة عقل تراجع لمسير بأن خطله، أو وطنية تتوجع لبلاد تغرق.
صحيح إن الشعوب هي التي تصنع فجرها ولا يتخذ القادة القرارات ببزوغ شموسها.
ولكن القادة من أمثالكم إذ يقطعون الأمل والرجاء في صوت العقل داخل السلطة المستبدة، يعلون من حرارة الكلام، ويستنهضون الهمم، ويقطعون دابر المماطلة والخداع السلطوي، ونحن قوم لا يحسن وقوفنا إذا لم يشتد الكلام!
سيدي الإمام.. هؤلاء القوم الذين تلتقي لا يرجى منهم، فهلا شددت على وترنا وعزفت لحن الوطن الأخير؟ وإذا لم تفعل ذلك اليوم، لربما ضاع اللحن غدا إلى الأبد، إذا لم يكن أصلا قد ضاع.
وليبق ما بيننا ..