لا فوبيا لا بتاع… دي عمايل الكيزان

 


 

فيصل بسمة
6 April, 2024

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

أصل الحكاية ثلاثة عقود من حكم جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) المطلق قمعوا فيها المعارضين بالحبس و التعذيب و التقتيل ، و أحكموا فيها قبضتهم على جميع مفاصل الدولة بسياسات التمكين الإقصآئية التي أفرغت مؤسسات و أجهزة الدولة من الكفآءات و الخبرات ، و لما خلا الجو للكوادر الكيزانية أفسدوا و أثروا عن طريق إستغلال النفوذ و نهب ثروات البلاد ، و كانت المحصلة فساد و دمار غير مسبوق أصاب جميع مناحي الحياة في بلاد السودان و جهل و إفقار و عوز و تشريد أصاب قطاعات عريضة من السودانيين ، و على الرغم من كل ذلك الخراب ما زال الكيزان يظنون أنهم قد أحسنوا صنعاً ، و أنهم الأجدر بالسلطة و الحكم!!!...
و قد كان و ما زال الحرص على الإحتفاظ بالسلطة و النفوذ و المصالح المكتسبة عبر الفساد و السعي إلى الإفلات من المحاسبة و المسآءلة القانونية و العقاب على المخالفات و الإنتهاكات و الجرآئم المتراكمة عبر عقود من الحكم الظالم الفاسد هو المحرك الأساسي لما تقوم به كوادر الكيزان في: اللجنة الأمنية العليا لحماية نظام الإنقاذ (المجلس العسكري) و الجيش و الأجهزة الأمنية و الكتآئب و المليشيات الكيزانية المختلفة من تحركات و مناورات تهدف إلى إعاقة مسيرة الثورة السودانية و عرقلة خطوات إزالة التمكين و تفكيك نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية (إنقلاب الإنقاذ) ، و قد شاركهم و أعانهم على الظلم و التآمر مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) الشريكة/الصديقة سابقاً المتمردة/العدو حالياً...
خلال الفترة الإنتقالية و من بعد إستخدامهم العنف المفرط و أدوات القتل ضد الثوار المحتجين و الكثير من الحيل لجأت اللجنة الأمنية العليا لنظام الكيزان إلى: الكَنكَشَة (التمسك الشديد) في السلطة عن طريق المماطلات و التقلبات في المواقف و التنصل من الإلتزامات تجاه الوثيقة الدستورية و الشق المدني في مجلس السيادة الإنتقالي بدواعي ”الأمن القومي“ و تدبير و تنفيذ الإنقلابات العسكرية و طبخ التحالفات/المحاصصات السياسية مع: أنصار نظام الإنقاذ (الكيزان) و جماعات الأرزقية و الطفيلية السياسية و مرافيد الأحزاب السياسية و أمرآء الحروب في الحركات المسلحة...
و قد شهدت الفترة الإنتقالية صراعات بين اللجنة الأمنية العليا و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و من ورآءهم المنظومة الكيزانية من جهة و قوى الحرية والتغيير (قحت) و الثوار من الجهة الأخرى إلى أن كانت القطيعة و إنقلاب الخامس و العشرين (٢٥) من أكتوبر ٢٠٢١ ميلادية و الزج بالقوى المدنية الشريكة في السجون ، و توالت المواجهات و القمع و إنسداد الأفق إلى أن لاحت بوادرُ إنفراجٍ في ديسمبر ٢٠٢٢ ميلادية على هيئةِ توافقٍ مبدئي بين القوى المدنية (قحت) و المجلس العسكري على إتفاقٍ إطاري يهدف إلى:
- نقل السلطة الإنتقالية إلى المدنيين
- تمثيل المؤسسة العسكرية في مجلسي الأمن و الدفاع
- دمج مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) في الجيش مع إصلاح شامل للمؤسسات العسكرية و الأمنية و الشرطية
- إصلاح الأجهزة العدلية و تحقيق العدالة الإنتقالية
- إزالة التمكين و تفكيك نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية
- تكوين المجلس التشريعي الإنتقالي
و كان هذا الإتفاق هو ما دفع قيادات و كوادر المنظومة الكيزانية إلى شن حملة إعلامية و وسآئطية مسعورة ضد: الإتفاق و الموقعين عليه من: قوى الحرية و التغيير (قحت) و الجيش و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و الثورة و الثوار و لجان المقاومة و ذلك لإدراكها أن توافق القوى المدنية السياسية و العسكرية يعني عملياً تفكيك أركان نظام و تنظيمات الجماعة (الكيزان) العسكرية و الإقتصادية ، فكان الرفض و إعلان المواقف المتطرفة من قبل قيادات بارزة في المنظومة الكيزانية ، و أن الجماعة و عبر منظماتها و تنظيماتها سوف تعمل على إستعادة جميع السلطة و ”ممتلكاتها“ ، كما هددت معارضيها بإستخدام العنف...
و قد أدى الهجوم الكيزاني العنيف و رفضهم للإتفاق الإطاري و تهديداتهم إلى تنصل قادة الجيش مما سبق أن إتفقوا و وقعوا عليه ، و كانت تلك بداية الخلافات و الصراع العلني على السلطة و النفوذ بين أعضآء اللجنة الأمنية العليا الذين يمثلون التنظيم الكيزاني و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) ، و الشاهد هو أن هذا الصراع قد أدى إلى إشعال الحرب و إحداث الخراب و الخسآئر الفادحة في الأرواح و الممتلكات في العاصمة و الأقاليم و قاد إلى هروب و نزوح جماعي للمواطنين من مختلف الأقاليم و المدن و القرى و البوادي السودانية و بصورة ليس لها مثيل في تاريخ سودان ما بعد الإستقلال...
و بعد تسميم/تلغيم المنظومة الكيزانية للأجوآء و خلقها للفوضى جلست الكوادر الكيزانية على قمة جبل الخراب العظيم الذي صنعته و طفقت ترمي بدآءها و جميع اللوم على قوى الحرية و التغيير (قحت) و قوى خارجية!!! ، و تتهم (قحت) بالتصعيد الذي أفضى إلى إشعال نيران الحرب ثم إزكآءها و ما ترتب على ذلك من فوضى و كوارث!!! ، و قد إستخدمت منظومة الكيزان من أجل ذلك الغرض منصات وسآئل الإعلام و الوسآئط الإجتماعية المختلفة ، و أمدوها بالأكاذيب و الأباطيل و الأقاويل و الإشاعات التي تروج للفتنة و الفوضى و الحرب...
في أكتوبر ٢٠٢٣ ميلادية و بعد شهور من إندلاع الحرب في بلاد السودان أفلحت قوى سياسية و نقابية و مدنية و عسكرية و أفراد و لجان مجتمعية داعمة للثورة و الإصلاح و التغيير في تشكيل تحالف عريض بإسم تنسيقية القوى الديمقراطية و المدنية (تقدم) ، و قد توافقت القوى المتحالفة على طرح إعلان مباديء و خارطة طريق لإنهآء الحرب و إرسآء حكم مدني عن طريق الإتفاق بين القوى المدنية و الجيش و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع)...
و على الرغم من أن التنسيقية (تقدم) قد تركت الباب مفتوحاً لجميع القوى و الكتل السياسية و النقابية و المدنية و العسكرية و المجتمعية للإنضمام و المساهمة بالأفكار و الأرآء إلا أنها قوبلت بشيء من الفتور و التفاعلات المتباينة التي كان أبرزها الرفض القاطع و الهجوم الكاسح من قبل المنظومة الكيزانية...
و في هذه الأثنآء لجأت المنظومة الكيزانية إلى إستغلال رفض و إستنكار جماهير الشعوب السودانية لظلم و إنتهاكات و إعتدآءات مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و حقهم المشروع في المقاومة الشعبية ، فعمدت إلى خطف المقاومة الشعبية كمبدأ نضالي أصيل ، و أصبغت عليها نفاقاً صفة الجهاد المصحوب بالخطاب الإرهابي المتطرف ، و شرعت المنظومة ، عبر كتآئبها ، في تصفية الثوار و لجان المقاومة و المعارضين بتهمة مساندة المتمردين (الجنجويد) ، كما إجتهدت ماكينتها الإعلامية كثيراً في تحريف الحقآئق و نشر الأكاذيب و الأباطيل و توزيع تهم: عدم الوطنية ، الخيانة ، العمالة ، العلمانية ، الإلحاد و الكفر على المعارضين...
حقيقة الأمر هو أن منظمات و تنظيمات الكيزان و حلفآءهم يعملون في تنسيق تآم و تناغم مع كوادرهم في: اللجنة الأمنية العليا و القوات المسلحة و أجهزة الإستخبارات و الأجهزة الأمنية الأخرى ، و أنهم مصممون على إفشال الثورة و إجهاض كل مساعي الوفاق ، و أنهم عازمون على العودة إلى سدة الحكم و الإفلات من المسآءلة القانونية و العقاب على ما إرتكبوه من ظلم بأي وسيلة و تكلفة ، و لذلك فإنهم يجتهدون إجتهاداً عظيماً في إحداث الفتنة و الفوضى و إستمرارية الحرب...
المعضلة العظمى منبعها إنحراف و ضلال فكر جماعة الأخوان المتأسلمين (الكيزان) و إعتقادهم أن رؤيتهم و منهجهم هم الفهم الأوحد و الصحيح لدين الإسلام و البعثة المحمدية ، و أن مشروعهم لحكم السودان هو الأمثل ، بل و ربما المقدس ، و أن الإعتراض عليهم خروج من الملة و إعتراض على ”شرع الله“ ، و أن المعارضين لهم كافرون و لا يحق لهم العيش ، و يجوز حبسهم و قمعهم و تعذيبهم بل و قتلهم ، هذا الضلال في التفكير و الهوس في المنهج و التطرف في الممارسة هو جوهر/لب الأزمة السودانية و أس كل المصآئب و الكوارث التي حلت و سوف تحل ببلاد السودان...
و على الرغم من قتامة المشهد إلا أن الحرب سوف تتوقف و لو بعد حين ، و من بعد ذلك سوف تواصل الثورة مسيرتها بعزم و مشيئة الشعوب السودانية و تصميمها على نيل الحرية و تحقيق السلام و العدالة و الدولة المدنية...
و لكن لن ينصلح أمر الحكم و لن يكون هنالك سلام و أمن و إستقرار أو إنطلاق لعمليات الإصلاح و التغيير إذا لم تقام و تثبت أجهزة العدالة التي تحاسب و تحاكم المسيئيين من قادة و رموز نظام الإنقاذ و بقية المفسدين و الفاسدين على ما إرتكبوه من ظلم و مخالفات و إنتهاكات في حق الشعوب السودانية إبان فترة حكم الكيزان ، و أن يكون ذلك في توازي مع إزالة التمكين و تفكيك جميع واجهات و تنظيمات نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ الكيزاني...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة
fbasama@gmail.com

 

آراء