لا لله .. هي للسلطة .. هي للجاه !!
khalidowais@hotmail.com
في بيانه الأول، صبيحة 30 يونيو 1989، قال العميد (آنذاك)، عمر البشير:
(لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف هذا التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية فازدادت حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم إما لانعدامها أو لارتفاع أسعارها مما جعل كثيرا من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطل الإنتاج وبعد أن كنا نطمح أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدى غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء الفساد والتهريب والسوق الأسود مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوما بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام) !!
وفي مطلع أبريل 2011 ولدى مخاطبته مؤتمر الاتحاد العام لنقابات عمال السودان الـ 15، اعترف البشير بانهيار (التعليم الحكومي) مهيباً بضرورة الاهتمام به وإبلائه العناية حتى يستعيد مكانته. كيف يستعيد التعليم الحكومي مكانته وشقيقه (اللواء طبيب عبدالله البشير) يؤكد في حوار صحافي أنه حصل على قرض بقيمة 5,5 مليون دولار من بنك التنمية الإسلامي في جدة بضمان من وزارة المالية السودانية لتشييد (مدارس خاصة) في ضاحية كافوري؟
البشير الذي نادى بأهمية تأهيل التعليم الحكومي بعد 22 سنة من حكمه، نسي كلمات بيانه الأول الذي تحدث عن الانهيار الاقتصادي الذي أدى لانهيار الخدمات الصحية والتعليمية. تُرى هل يعرف البشير - اليوم - كيف يتداوى السودانيون؟ تُرى هل يعلم أن حكومته قلّصت الدعم المقدم إلى مراكز غسيل الكُلى بنسبة 60% ما سينعكس سلباً على أكثر من 60 ألفاً من مرضى الكُلى؟ تُرى هل يعلم أن دولته هي الثانية إقليمياً على صعيد الإصابة بمرض لا يرتبط إلا بـ(الجوع) هو السُل؟
البشير الذي أرغى وأزبد في بيانه الأول ناعياً الخدمات الصحية هو الذي يُرسل جلاوزته اليوم لضرب الأطباء الذين ينادون بـ(مجانية العلاج) وتحسين أوضاعهم المعيشية. فنائب الأخصائي يحصل على راتب شهري لا يتجاوز 750 ألف جنيه (بالجنيه القديم)، في ما يحصل الدكتور معتصم عبدالرحيم، وكيل وزارة التعليم على 165 مليون جنيه (بالقديم) كـ(حوافز) !! تُرى كم مدرسةٍ في فيافي كردفان ودارفور كانت سُتنشها حوافز وكيل وزارة واحد؟
وكم مقعد كان ستوفر لتلاميذ في ولاية الخرطوم ذاتها بـ(حوافز) وكلاء وزارات ووزراء؟
وكيف سيستعيد التعليم الحكومي مكانته إذا كان وكيل الوزارة يحصل على (حوافز) غير مسبوقة في تاريخ السودان..هذا ووزارته ذاتها أعلنت قبل عامين أو ثلاثة أن 40% من تلاميذ الأساس في ولاية الخرطوم لا يستطيعون لا القراءة ولا الكتابة؟!
هذا مسؤول يستحق التحفيز، أم يستحق الجلد في ميدان عام نظير خيبته وخيبة وزارته؟!
يا سادتي لقد درست في مدرسة ثانوية نائية في أقصى شمال السودان في نهاية الثمانينيات، وكان أستاذ اللغة الإنكليزية على سبيل المثال بريطانياً يُدعى (توبي دبل دي). كنا لا ندفع قرشاً واحداً نظير تعليمنا، ويدرسنا معلمون بريطانيون !! ألهذا قام البشير بإنقلابه؟!
البشير في بيانه الأول تحدث عن الفساد. صحيفة (حريات) الإلكترونية أوردت خبراً (الثلاثاء 5 أبريل 2011) عن شراء وزير الخارجية، علي كرتي لفندق قصر الصداقة بـ85 مليون دولار !!
إذا صحّ الخبر، و(حريات) مصدر موثوق، فعلى البشير أن يسأل وزير خارجيته علناً من أين حصل على 85 مليون دولار في بلدٍ يبلغ متوسط دخل الفرد فيه أقل من دولار في اليوم !!
الصحيفة ذاتها أشارت قبل يومين إلى أن (الدولة) اشترت 5 آلاف بقرة من مزرعتين فقط، مزرعة وزير الزراعة، عبدالحليم المتعافي، ومزرعة والي الخرطوم، عبدالرحمن الخضر. هذه الأبقار هي هدية البشير لمصر، لكن علينا أن نسأل، من أين للمتعافي والخضر كل هذا العدد من الأبقار، ومزارعو السودان من أقصى شمال السودان إلى أقصى جنوب مشروع الجزيرة يشكون الفاقة والفقر؟ ولماذا يُهدي البشير أبقار المتعافي والخضر للمصريين، وشعبه يعاني ويلات الجوع في طوكر؟
إنه الفساد يا سادتي من أعلى الهرم إلى أدنى المستويات. الفساد الذي لن تستطيع ألف مفوضية مكافحته، لأنه أضحى ضمن "النظام"، وجزءً من آليات عمله !!
أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني، وزير الشباب والرياضة؛ حاج ماجد سوار، كشف قبل أيام عن إحالة عدد من أعضاء الحزب الحاكم للمحاسبة عقب ثبوت تجاوزهم فى المال العام، وقال إن الحزب عمل بمبدأ (السترة)!!
نعم يا (سوار): هي لله..لا للسلطة ولا للجاه ..
أهي ما زالت لله؟
وإذا كانت لله، فكيف تسترون من (يسرق) والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقسم أن فاطمةً الزهراء لو سرقت، فستُقطع يدها ؟!
الإنقاذ في توظيفها للكوادر العاملة في الخدمة المدنية رفعت شعار "القوي الأمين" مستلهمةً التراث الإسلامي، لكن الشعار استحال إلى "الضعيف السارق" !!
كان شعاراً فحسب شأنه شأن أيّ شعار آخر مثل "الحاكمية لله" و"الشريعة الإسلامية"، وإلا لأتبعته بـ"والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" !!
فاطمة بنت محمد، بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، زوج علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وأمّ سيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين رضي الله عنهما وأرضاهما، فاطمة بنت محمد ناهيك عن من تقاصروا كثيراً جداً عن هذا المقام الكبير. تلك فاطمة بنت محمد، وهؤلاء هم (اللصوص الكبار) الذين يعمل معهم حزبهم بمبدأ (السترة) !!
أين هو جوهر الإسلام هنا حين تخطفه جماعة كاذبة تستغله فقط للوصول إلى السلطة ثم البقاء على سدتها بواسطة الاستبداد والقمع البالغين، و"تمكين" الأعضاء عبر السرقة؟
أوردت صحيفة (الميدان) الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني في 2 فبراير 2010 أن الاعتداءات على المال العام (السرقة والفساد) خلال 10 أعوام من 1998 إلى 2008 بلغت 223 مليار جنيه (الجنيه السوداني الجديد) أي ما يساوي 25 مليار دولار !!
أيّ نعم 25 مليار دولار !!
تقرير صحيفة (الميدان) لم تنفه الحكومة السودانية !!
نعم، فحكومة حاج ماجد سوار مشغولةٌ بـ(سترة) الموالين الذين سرقوا خلال 10 سنوات فقط 25 مليار دولار !!
والمفسدون لم يكفوا عن الفساد ولن يفعلوا طالما أن الحزب الحاكم الذي يدعي تطبيق الشريعة يعمل بفقه (السترة) !!
ففي 2009 بلغ حجم الاعتداء على المال العام - في الولايات الشمالية - بلغ 19.6 مليار جنيه مقارنة بـ 10.5 مليار جنيه في 2008. اللافت أن هذه الأرقام التي قدمها المراجع العام أمام البرلمان السوداني في 2010 لم تشمل 50 وحدة حكومية "امتنعت" عن تقديم حساباتها لديوان المراجع العام !!
من يسرق "الدولة الإسلامية"؟
ولماذا لا تحاسبه "الدولة الإسلامية"؟
ولماذا تمتنع 50 وحدة حكومية "إسلامية" عن تقديم حساباتها لديوان المراجعة "الإسلامية" في الدولة "الإسلامية"؟
نحن نتحداهم ونتحدى أكاذيبهم كلها أن يتجرأ واحدٌ فقط من أنصاف مثقفيهم أن يقيم مناظرة في الهواء الطلق وأمام الناس عن (شرع الله)، شرع الله الذي أفتروا عليه وجعلوه أحكاماً قاسية ضد الفقراء، في ما هم يعملون بفقه (السترة) أخزاهم الله !!
مئات المليارات من الجنيهات السودانية، وعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية سرقها (الإسلامويون) تحت حماية حكومتهم "الإسلامية"، كانت لتُطلق تنمية هائلة في أنحاء السودان كلّه عوض زحف مئات الآلاف من العاطلين إلى الخرطوم وامتهانهم أعمالاً هامشية كبيع التسالي والمياه والفول السوداني !!
مليار دولار كانت لتبني عشرات المدارس الحديثة، وكانت لتوفر العلاج لكلّ أسرة سودانية !! 25
25 مليار دولار كانت لتربط السودان كله بطرقٍ بريةٍ على أرقى المستويات العالمية، وكانت لتنفض الغبار عن سكك حديده المهترئة !!
25 مليار دولار كانت لتغني مئات الآلاف من السودانيين الذين فروا من الجوع والمسغبة إلى رعي الأغنام والعمل كسائقين للأسر الخليجية !!
25 مليار دولار كانت لتحافظ على ماء وجوه آلاف من الشيوخ والنساء الذين يهيمون على وجوههم في شوارع الخرطوم يسألون الناس إلحافا أن يهبوهم من ما أعطّاهم الله، وهم يرمقون بحسرة مئات من مشايعي الحزب "الإسلامي" الحاكم يتطاولون في البناء، ويشترون أحدث أنواع السيارات، ويتوجهون إلى أفخر المطاعم، وهذا كله من المال المسروق !!
ألم يُلحق هؤلاء أذى بالغاً بصورة الدين الإسلامي ذاته؟
لماذا لم يحاكموا طيلة 22 سنة واحداً فقط من الفاسدين في صفوفهم؟
أم أن الفساد والإفساد صارا ديدناً لنظام الحكم ذاته لا يستطيع منهما فكاكاً؟
ما تم رصده هنا، هو ما تكشف عنه الحكومة بنفسها.وهذا ما تكتب عنه صحافة الخرطوم المراقبة. وبالطبع فإن أرقام الاعتداءات على المال العام متواضعة جدا، بالنظر إلى ترتيب السودان المتقدم في الشرق الأوسط وإفريقيا كـدولة "فاسدة" !!
والبشير يتحدث في بيانه الأول عن انهيار التعليم والعلاج، وعن (الفساد)، ثم يتحدث بعد 22 سنة من الحكم عن انهيار التعليم !!
ويتحدث أيضاً عن مفوضية لمكافحة الفساد !!
وسيرأس هذه المفوضية (إسلامويون) أيضاً، فمن سيحاسب من؟
وكيف ستحاسب هذه المفوضية كبار الفاسدين الذين نهبوا 25 مليار دولار في غضون 10 سنوات فقط طالما أن المراجع العام ذاته (الإسلاموي) عجز عن مراجعة حسابات 50 شركة (إسلاموية) ؟!
الشعب السوداني في هذه المرحلة يريد فعلاً تطبيق الشريعة الإسلامية بمقاييس (المؤتمر الوطني). فالمؤتمر الوطني لا يعرف عدل الشريعة ولا مساواتها ولا زهدها وتعففها ولا رحمتها ولا مقاصدها العليا، يعرف منها فقط أحكام الجلد والقطع. حسناً هذا تحديداً ما نريده الآن من الشريعة: قطع أيادي اللصوص الكبار، أما الصغار، فرحمة الإسلام أولى بهم وبجوعهم !