لجنة وطنية للتحقيق في جائحة كورونا … ضرورة للحاضر والمستقبل

 


 

 

 

هامش:

العقلية الشعبية في السودان لا زالت قائمة على تمجيد الفرد في عالم تخلى عن تقديس الشخصيات و وضع رهانه على المؤسسات! لذلك مازلنا نسمع شعارات لا تنتمي الا للماضي من شاكلة "دكتور أكرم امل الصحة"!
النص:
الحقيقة التي أشرقت عليها شمس اليوم الجمعة العاشر من يوليو أن دكتور أكرم قد انسحب أو سُحب من المشهد العام و ترك خلفه رأياً منقسما ما بين ناقم و داعم! فهنالك من يُحمله كامل المسؤولية عن "فشل" المنظومة الصحية في التعامل مع جائحة كورونا و عن موت و معاناة العديد من المواطنين جراء ذلك و في الجانب الآخر هنالك من يرى في الرجل المُنقذ و المُخلّص الذي خسرته الصحة و البلاد، و هو من الفشل في إدارة الأزمة براء!
و مابين هذا الطرف و ذاك يتفرق دم المسؤولية عن إدارة أخطر أزمة صحية واجهتها البلاد في تاريخها المعاصر، فعندما لا يمكن تحديد من يلام فالكل ملام.
لذلك من المفيد الآن "لمصلحة دكتور أكرم و لمصلحة البلد و للحقيقة" أن تبادر الدولة ممثلة في رئاسة الوزراء إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية لتقصي الحقائق عن إدارة أزمة الكورونا و كيفية تعامل كامل جهاز الدولة مع الأزمة.
و على اللجنة أن تنظر في كيفية إستجابة القطاع الصحي للأزمة و هل كانت بالقدر الكافي؟ و إن تنظر في الموارد الصحية و هل تم إستغلالها على النحو الأمثل؟ و أن تحدد مواضع النقص و القصور كما يجب تحديد مواضع القوة و رفيع الأداء! ولابد أن يمتد أفق بحثها ليشمل الوزارات والهيئات الحكومية المختصة بالتمويل و الدواء و الغذاء و المواصلات و الأجهزة المسؤولة عن تطبيق الحظر و عن الإعلام و التوعية، بإختصار كل من له دور تجاه الأزمة.
هذا التحقيق من الأهمية بحيث يوفر البيانات اللازمة للتعامل مع أي أحداث مستقبلية مشابهة، ففي عالم اليوم و مع سهولة و سرعة الحركة بين أطراف الدنيا المختلفة أصبح انتشار الأوبئة من الحقائق المزعجة و من التحديات التي يجب التحسب لصدّها و الاستعداد للتعامل معها متى ما حلت بين الناس.
و من جهة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى يؤسس هذا التحقيق لمبدأ المحاسبة علي المسؤولية السياسية، فالقرارات السياسية و على عظم تأثيرها ظلت محصّنة من المساءلة، و كم من قرارات أضرت بمصالح البلد و ازهقت أرواح الشعب و غيرت حتى من جغرافية الوطن و خرائطه الموروثة مازال المسؤولين عنها يأكلون الطعام و يمشون بين الناس و كأنهم لم يرتكبو جُرم و لم يقترفو إثم!
الجرائم السياسية ارتكبتها كل أنظمة الحكم إما بالإقدام على أفعال أو بالإمتناع عنها و ينتج عن ذلك أضرار تفوق ما يمكن للمجرم الطبيعي أن يقترفه بمرات و مرات. و المحزن أن ضحايا تلك الجرائم لا تتوفر لهم سبل التقاضي الطبيعي و قد يموت الضحية و صدره مملوء بالحسرات.
و غرض ثالث مهم يمكن لهذه اللجنة أن تحققه هو إعطاء كل ذى حق حقه من التقدير و الإحتفاء أو من الإزدراء، و هي في ذلك تخدم الغرض الثاني بمحاربة التسويف و تمويه الحقيقة. فاليوم كل من يقول بالفشل في مواجهة الأزمة الصحية يستند على بعض أوجه الحقيقة و كذلك يفعل من يقول بخلاف ذلك، و بالتالي يمضي الأول في تعنيف الوزير المسؤول و يذهب الثاني لتمجيده دون المقدرة على الفصل بين الادعاءين. لذلك نهاية تحقيق مهني و موضوعي في أمر الازمة يمكن أن توصي بوسام رفيع تضعه على صدر دكتور أكرم كما يمكن أن توصي بتقديمه لمحاكمة عادلة.
لأجل التاريخ و المستقبل و لأجل المئات أو الآلاف من أبناء الشعب الذين ذاقوا الأمرين في رحلات البحث عن الطبيب المعالج و عن الدواء الذي يخفف الآلام، و لأجل من رحلوا عن الدنيا و هم على أسرة الإنتظار أو على ظهور سيارات الإسعاف أرجو أن يتخذ دكتور حمدوك قرار بتشكيل اللجنة الوطنية للتحقيق في إدارة الدولة لجائحة كورونا.

montasir.ibinoof@gmail.com
/////////////////

 

آراء