سارة عيسي نعود مجدداً لتصريحات الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل والتي نعت فيها الشعب السوداني بأنه كان شحاتاً قبل أن تدق الإنقاذ طبول الثورة وتغدق عليه بالنعم الجزيلة ، وهي الآن تطعم الشعب السوداني الخبز التركي والحلويات الدمشقية ، سعادة المستشار لم يتراجع عن أقواله ولكنه حاول التخفيف من وقعها بين الناس ، وحتى مثقفوا الدولة المضيفة ، وهي السعودية ، تبرموا من تصريحات السيد/إسماعيل ، فقد قرأت المقال الذي كتبه الصحفي السعودي الأستاذ/تركي الدخيل ، فقد أستهجن فيه تصريحات السيد/مصطفى عثمان ، وقال له : إن لم تعرف صفات شعبك فنحن نعرفها أكثر منك ، وكذلك فعل الأستاذ/طارق حميد في صحيفة الشرق الأوسط ، دافع مواطنو الدولة المضيفة عن الشعب السوداني ، أما في السودان وأعني بالتحديد الصحافة السودانية ، فلا أظن أنها تعاملت مع تصريحات السيد/مصطفى عثمان بالشكل المناسب ، فقد أحدثت مذكرة أوكامبو شللاً في إهتمامات المواطن السوداني ، فكل الصحف في الخرطوم مشغولة بسفر الرئيس البشير إلي دولة قطر ، وعلينا أن نعترف أن وصف السيد/مصطفى عثمان للشعب السوداني بالشحاتين بأنه وجد صدى وردة فعل عنيفة أكثر من مذكرة أوكامبو نفسها ، فالشعب السوداني حساس فيما يتعلق بقيمه وعاداته ، فقبل عدة سنوات خاض السودانيون معركة شرسة ضد المغنى اللبناني راغب علامة عندما وصف السودانيات بأنهن لسن على قدر من الجمال ، بل فجرنا في الخصومة عندما وصفناه بعدم الفحولة ، وعلى ما أذكر أعتذر ذلك الفنان وأعترف بأن ما يعرفه عن السودان مصدره الفضائية السودانية ، لذلك علينا تقبل إعتذاره ، وبالفعل هناك الكثير من الناس لا يعرفون شيئاً عن السودان وقبائله وعاداته لأن إعلامنا الرسمي يعكس صورة أحادية الجانب ، وعندما أحتفل الرئيس البشير مع الجنوبيين ووضع حول هندامه بزة الريش ، سألني أحد الأخوة العرب : لماذا أرتدى رئيسكم زي الهنود الحمر ، رديت عليه : هذا ليس بزي الهنود الحمر ، هذا زي سوداني أصيل عمره يفوق ثقافة الهنود الحمر لكنكم عندما زرتم الخرطوم قالوا لكم أنها عاصمة الثقافة العربية ، ولولا أوكامبو لبقى هذا الزي محبوساً في دهاليز ثقافة لا تعترف بالآخر إلا عند بروز المحن ، وأظن أننا تخطينا المرحلة الأولى من حمى أوكامبو ، فنحن الآن – كما يقول خبراء العقاقير – أمام مرحلة الأعراض الجانبية ، سفر الرئيس البشير للدوحة كان أول إختبار يعده أوكامبو ، هذا ذكرني بورقة إمتحان الرياضيات تخصص في العهد الذهبي للشهادة السودانية ، هل سيذهب الرئيس أم سيبقى ؟؟ مع تعدد السيناريوهات لا أحد يعرف الإجابة الصحيحة ، والمحنة هي : هل ستكون كل أسفار الرئيس البشير بهذا الشكل ، إمتحان عسير مثل ورقة الرياضيات التخصص في العهد الذهبي للشهادة السودانية ..أم.. أنه يتنحى ويفسح المجال لرئيس نظيف اليد واللسان ومقبول خارجياً ؟؟ ، نعود لسعادة المستشار الذي وصفه قومه بأنه الأب الشرعي للدبلوماسية السودانية ، هذا لأنه أعاد العلاقات مع الدول العربية ، كأنه قام بتنفيذ مشروع مانهاتن الذي صنعت فيه أمريكا القنبلة الذرية ، ربما لا يعرف سعادة المستشار إن مصر رضيت عن السودان لأنها أخذت مثل حلايب ، أما اليمن والتي كانت معنا في قائمة دول الضد يربطها الآن مشروع تكامل إقتصادي مع المملكة العربية السعودية ، وهناك توجه بضمها لمجلس دول التعاون الخليجي ، أما الأردن فقد أجتاز أيضاً هذه المرحلة ، والأسرة الهامشية تربطها مع العرب علاقات المصاهرة والمصالح الإقتصادية ، أي أن التصالح كان حالة عامة وليس حالة خاصة ، وأزمة السودان هي مع المجتمع الدولي وليست مع الدول العربية ، وبقاء الرئيس البشير محاصراً في السودان وهذا اللغط الذي يسود بسبب سفره هو إمتحان للدبلوماسية السودانية في عهد الإنقاذ ، لأنها أعتمدت على بروز فيتو روسي أو صيني ، أو ما يُعرف بدعم الدول والمنظمات الشقيقة ، فهي كانت تراهن على الظنون لحل هذه الأزمة ، والظن لن يغني عن الحق شيئاً ، مذكرة أوكامبو أصبحت أمراً واقعاً ، وكان علينا التعامل مع الرئيس البشير بأنه ماضي وليس علينا التمسك به تحت هذه الظروف ، فكرامة وعزة الأمة لا يمثلها شخص واحد ، والرئيس البشير ليس هو الوطن ، فحتى الأنبياء لم يكتب الله لهم الخلود في الدنيا ، وقد ذُهلت عندما عرفت أن حزب المؤتمر الوطني نصب الخيام وفتح الموائد للناس للضغط على الرئيس البشير وإقناعه بفكرة العدول عن السفر ، هذه أشبه بإستقالة الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 67 من القرن الماضي ، فقد نجح أوكامبو في حصر الأزمة السودانية كلها في شخص الرئيس البشير ، وما حفزه أكثر هو قرار الرئيس البشير طرد المنظمات الإنسانية ، فقد أستخدم أوكامبو هذه الهدية الجاهزة لإقناع القضاة في لاهاي بإن ما جرى في دارفور هو إمتداد للإبادة الجماعية ، أزمة رجال الإنقاذ أنهم يتحدثون أمام وسائل الإعلام بأشياء تنقلب إلي تهم توجه ضدهم . نعود لحديث المستشار إسماعيل وقصة شاي الجكة التي شغلت أذهان الناس أكثر من قصة حب مهند ونور ، يقول الدكتور عبد اللطيف البوني : ربما كان المقصود هو شاي " الجمبقلي " وليس الجكة ، وبحكم أنني من بيئة دارفور وكردفان ، حيث يشرب الناس هذا النوع من الشاي ، من موقعي أنفي هذا جملةً وتفصيلاً ، فشاي الجمبقلي هو شاي دسم ، حيث تتم " كتحة " الشاي إلي الحليب المغلي ، ومن خصائص هذا الشاي أنه لا يُضاف إليه الماء إطلاقاً ، صحيح أن شاي خالي من السكر ولكن ليس هذا بسبب عدمه ، بل يعتبر الشاربون لهذا الشاي أن السكر منقص للطعم ويجعله يفقد نكهته الطبيعية ، وقد ارتكب المستشار إسماعيل خطأً آخر عندما تعامل مع محبوبتنا " العصيدة " كمواطن من الدرجة الثانية ، فهي تأتي بعد العيش " المسوس " و تسبق " الهناي " الذي حار المفسرين في أمره ، فهناك من قال أنه يقصد ملاح " أم تكشو " ، وهو نوع من الإدام قليل التكلفة ، مكوناته فقط بصلة وأوراق خضراء جافة ، وهناك من زعم أنه يقصد عصيدة " بني كربو " ، وهي نوع من العصيدة لكنها من العيار الخفيف ، ورأي قال يقول أنه يقصد مديدة " القدو قدو " وهي مشروب غذائي سميك مكون من اللبن الرايب والذرة المقشرة ، إذاً خير ما فعله سعادة المستشار في طوال سنوات خدمته أنه جعلنا نتذكر هذه الاشياء ، يُقال أن بايعة الشاي قرب وزارة الخارجية قررت إدخال شاي أبو جكة في صينية العرض ، فهي تبيعه بلا سكر للزبائن نكايةً في أوكامبو . sara_issa_1@yahoo.com