لغة الدبلوماسية : تأكل ” عصيدة ” ولا ” هناى “

 


 

سارة عيسى
23 March, 2009

 

سارة عيسي
     نعود مجدداً لتصريحات الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل والتي نعت فيها الشعب السوداني بأنه كان شحاتاً قبل أن تدق الإنقاذ طبول الثورة وتغدق عليه بالنعم الجزيلة ، وهي الآن تطعم الشعب السوداني الخبز التركي والحلويات الدمشقية ، سعادة المستشار لم يتراجع عن أقواله ولكنه حاول التخفيف من وقعها بين الناس ، وحتى مثقفوا الدولة المضيفة ، وهي السعودية ، تبرموا من تصريحات السيد/إسماعيل ، فقد قرأت المقال الذي كتبه الصحفي  السعودي الأستاذ/تركي الدخيل ، فقد أستهجن فيه تصريحات السيد/مصطفى عثمان ، وقال له : إن لم تعرف صفات شعبك فنحن نعرفها أكثر منك  ، وكذلك فعل الأستاذ/طارق حميد في صحيفة الشرق الأوسط ، دافع مواطنو الدولة المضيفة عن الشعب السوداني ، أما في السودان وأعني بالتحديد الصحافة السودانية ، فلا أظن أنها تعاملت مع تصريحات السيد/مصطفى عثمان بالشكل المناسب ، فقد أحدثت مذكرة أوكامبو شللاً في إهتمامات المواطن السوداني ، فكل الصحف في الخرطوم مشغولة بسفر الرئيس البشير إلي دولة قطر ، وعلينا أن نعترف أن وصف السيد/مصطفى عثمان للشعب السوداني بالشحاتين بأنه وجد صدى وردة فعل عنيفة أكثر من مذكرة أوكامبو نفسها  ، فالشعب السوداني حساس فيما يتعلق بقيمه وعاداته ، فقبل عدة سنوات خاض السودانيون معركة شرسة ضد المغنى اللبناني راغب علامة عندما وصف السودانيات بأنهن لسن على قدر من الجمال ، بل فجرنا في الخصومة عندما وصفناه بعدم الفحولة ، وعلى ما أذكر أعتذر ذلك الفنان وأعترف بأن ما يعرفه عن السودان مصدره الفضائية السودانية ، لذلك علينا تقبل إعتذاره ، وبالفعل هناك الكثير من الناس لا يعرفون شيئاً عن السودان وقبائله وعاداته لأن إعلامنا الرسمي يعكس صورة أحادية الجانب  ، وعندما أحتفل الرئيس البشير مع الجنوبيين ووضع حول هندامه بزة الريش ، سألني أحد الأخوة العرب : لماذا أرتدى رئيسكم زي الهنود الحمر ، رديت عليه : هذا ليس بزي الهنود الحمر ، هذا زي سوداني أصيل عمره يفوق ثقافة الهنود الحمر لكنكم عندما زرتم الخرطوم قالوا لكم أنها عاصمة الثقافة العربية ، ولولا أوكامبو لبقى هذا الزي محبوساً في دهاليز ثقافة لا تعترف بالآخر إلا عند بروز المحن ، وأظن أننا تخطينا المرحلة الأولى من حمى أوكامبو ، فنحن الآن – كما يقول خبراء العقاقير – أمام مرحلة الأعراض الجانبية ، سفر الرئيس البشير للدوحة كان أول إختبار يعده أوكامبو ، هذا ذكرني بورقة إمتحان الرياضيات تخصص في العهد الذهبي للشهادة السودانية ، هل سيذهب الرئيس أم سيبقى ؟؟ مع تعدد السيناريوهات لا أحد يعرف الإجابة الصحيحة  ، والمحنة هي : هل ستكون كل أسفار الرئيس البشير بهذا الشكل ، إمتحان عسير مثل ورقة الرياضيات التخصص في العهد الذهبي للشهادة السودانية ..أم.. أنه يتنحى ويفسح المجال لرئيس نظيف اليد واللسان ومقبول خارجياً ؟؟ ، نعود لسعادة المستشار الذي وصفه قومه بأنه الأب الشرعي للدبلوماسية السودانية ، هذا لأنه أعاد العلاقات مع الدول العربية ، كأنه قام بتنفيذ مشروع مانهاتن الذي صنعت فيه أمريكا القنبلة الذرية ، ربما لا يعرف سعادة المستشار إن مصر رضيت عن السودان لأنها أخذت مثل حلايب ، أما اليمن والتي كانت معنا في قائمة دول الضد يربطها الآن مشروع تكامل إقتصادي مع المملكة العربية السعودية ، وهناك توجه بضمها لمجلس دول التعاون الخليجي ، أما الأردن فقد أجتاز أيضاً هذه المرحلة ، والأسرة الهامشية تربطها مع العرب علاقات المصاهرة والمصالح الإقتصادية ، أي أن التصالح كان حالة عامة وليس حالة  خاصة ، وأزمة السودان هي مع المجتمع الدولي وليست مع الدول العربية ، وبقاء الرئيس البشير محاصراً في السودان وهذا اللغط الذي يسود بسبب سفره هو إمتحان للدبلوماسية السودانية في عهد الإنقاذ ، لأنها أعتمدت على بروز فيتو روسي أو صيني ، أو ما يُعرف بدعم الدول والمنظمات الشقيقة ، فهي كانت تراهن على الظنون لحل هذه الأزمة ، والظن لن يغني عن الحق شيئاً ، مذكرة أوكامبو أصبحت أمراً واقعاً ، وكان علينا  التعامل مع الرئيس البشير بأنه ماضي وليس علينا التمسك به تحت هذه الظروف ، فكرامة وعزة الأمة لا يمثلها شخص واحد ، والرئيس البشير ليس هو الوطن ، فحتى الأنبياء لم يكتب الله لهم الخلود في الدنيا ، وقد ذُهلت عندما عرفت أن حزب المؤتمر الوطني نصب الخيام وفتح الموائد للناس  للضغط على الرئيس البشير وإقناعه بفكرة العدول عن السفر ، هذه أشبه بإستقالة الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 67 من القرن الماضي ، فقد نجح أوكامبو في حصر الأزمة السودانية كلها في شخص الرئيس البشير ، وما حفزه أكثر هو قرار الرئيس البشير طرد المنظمات الإنسانية ، فقد أستخدم أوكامبو هذه الهدية الجاهزة لإقناع القضاة في لاهاي بإن ما جرى في دارفور هو إمتداد للإبادة الجماعية ، أزمة رجال الإنقاذ أنهم يتحدثون أمام وسائل الإعلام بأشياء تنقلب إلي تهم توجه ضدهم .
   نعود لحديث المستشار إسماعيل وقصة شاي الجكة التي شغلت أذهان الناس أكثر من قصة حب مهند ونور  ، يقول الدكتور عبد اللطيف البوني : ربما كان المقصود هو شاي " الجمبقلي " وليس الجكة ، وبحكم أنني من بيئة دارفور وكردفان ، حيث يشرب الناس هذا النوع من الشاي ، من موقعي  أنفي هذا جملةً وتفصيلاً ، فشاي الجمبقلي هو شاي دسم ، حيث تتم " كتحة " الشاي إلي الحليب المغلي ، ومن خصائص هذا الشاي أنه لا يُضاف إليه الماء إطلاقاً ، صحيح أن شاي خالي من السكر ولكن ليس هذا بسبب عدمه ، بل يعتبر الشاربون لهذا الشاي  أن السكر منقص للطعم ويجعله يفقد نكهته الطبيعية ، وقد ارتكب المستشار إسماعيل خطأً آخر عندما تعامل مع محبوبتنا " العصيدة " كمواطن من الدرجة الثانية ، فهي تأتي بعد العيش " المسوس " و تسبق  " الهناي " الذي حار المفسرين في أمره ، فهناك من قال أنه يقصد ملاح " أم تكشو " ، وهو نوع من الإدام قليل التكلفة ، مكوناته فقط بصلة وأوراق خضراء جافة ، وهناك من زعم أنه يقصد عصيدة " بني كربو " ، وهي نوع من العصيدة لكنها من العيار الخفيف ، ورأي قال يقول أنه يقصد مديدة " القدو قدو " وهي مشروب غذائي سميك مكون من اللبن الرايب والذرة المقشرة ، إذاً خير ما فعله سعادة المستشار في طوال سنوات خدمته أنه جعلنا نتذكر هذه الاشياء ، يُقال أن بايعة الشاي قرب وزارة الخارجية قررت إدخال شاي أبو جكة في صينية العرض ، فهي تبيعه بلا سكر للزبائن  نكايةً في أوكامبو .
sara_issa_1@yahoo.com
 

 

آراء