لقاء الاعلاميين السودانيين في الخارج ..هل أنا إلا من غزية … بقلم: طلحة جبريل

 


 

طلحة جبريل
26 April, 2009

 

talha@talhamusa.com

 

  اعتقادي الراسخ في السياسة والعمل العام ان "الكرسي الفارغ" ليس هو الموقف الصائب. لذلك انتقل موقفي بعد الرفض في البداية الى دعاة المشاركة في اللقاء الثاني للاعلاميين في الخارج الذي سيعقد في الخرطوم الشهر المقبل، لكن عندما قرر اتحاد الصحافيين السودانيين في الولايات المتحدة وعبر استفاء داخلي عدم المشاركة في اللقاء ، كان واجباً الامتثال لنتيجة التصويت، لان هذه هي الديمقراطية التي نعمل من أجلها، لذلك  قررت عدم المشاركة. بدا لي ضرورياً أن ابين وأوضح واشرح وافسر على مهل الملابسات التي أحاطت بهذا الموضوع  ولماذا كنت رافضاً ثم أصبحت موافقاً وانتهى الأمر الى أن صرت مقاطعاً، وفي اعتقادي أن هناك الكثير الذي  يتطلب التوضيح والشرح والتفسير، وسأسرد الوقائع كما حدثت، لان بعض التفاصيل التي احاطت بهذا الموضوع، لاشك تتكرر كثيراً في حياتنا السياسية والنقابية بيد انها تبقى في غالب الامر متداولة على نطاق "حديث مجالس" وفي كل مجلس تضاف روايات أو تحذف حكايات لنجد أنفسنا بعد فترة أمام قصص مختلفة حتى لا أقول مختلقة ، ربما لم تحدث الا في خيال الذين اعتادوا نسج الحكايات والروايات، ثم يضيفون اليها  ماشاءوا وما رغبوا.كانت بداية موضوع اللقاء الثاني للاعلاميين السودانيين في الخارج، دعوة شخصية عبر الهاتف من سفارة السودان في واشنطن لحضور الملتقى، وقلت للديبلوماسي الذي نقل الدعوة بانني من حيث المبدأ لا أحبذ ان توجه لي دعوة لزيارة الوطن، لكن على الرغم من ذلك سافكر في الأمر واتشاور مع الزملاء في "اتحاد الصحافيين السودانيين في الولايات المتحدة"، وهذا أمر طبيعي طالما انني اتولى رئاسة هذا الاتحاد. ثم عاد الديبلوماسي نفسه في اليوم التالي ليجدد الدعوة ويقول إن الجهة المنظمة في الخرطوم تريد موافقة مبدئية، ومرة اخرى طلبت مهلة، وفي ظني ان الموافقة المبدئية تعني قبولاً. وكان ان ارسلت رسالة الى جميع أعضاء الاتحاد أطلب  فيها رأيهم في الدعوة  الشفوية، وقلت في رسالتي أني أميل الى رفض هذه الدعوة، وبعد مداولات على صعيد اللجنة التنفيذية للاتحاد تم الاتفاق على أن يصدر بياناً يعلن فيه عدم مشاركته في اللقاء الاعلامي ، وأدت مسالة الاتفاق على صياغة مقبولة من الجميع الى تأخير صدور هذا البيان، وكان أن تلقيت اتصالاً جديدا من السفارة السودانية وهذه المرة من أثنين من الديبلوماسيين ودار حوار بيننا حول الدعوة واللقاء والظروف السياسية المحيطة بها، وما الى ذلك من أمور، ثم ابلغت ان دعوة مكتوبة سترسل، وكان جوابي أنني سارد أيضاً كتابة على الموضوع.وبالفعل وصلت الدعوة المكتوبة وهي صيغة واحدة أرسلت على حد علمي الى جميع المدعويين، ورديت عليها كتابة في اسطر قليلة حيث قلت بالحرف" تلقيت شاكراً رسالتكم التي تشتمل على الدعوة لحضور  الملتقى الثاني للاعلاميين للسودانيين العاملين في الخارج واود  افادتكم بان  اتحاد الصحافيين السودانيين في الولايات المتحدة والذي أتشرف برئاسته ظل يتداول في هذا الامر منذ أيام وخلص الى انه  لن يشارك في هذا الملتقى لاسباب سيشرحها الناطق باسم الاتحاد في وقت لاحق ،وبناء عليه والتزاماً بقرار الاتحاد فانني اعتذر عن تلبية دعوتكم وبالتالي المشاركة في هذا الملتقى وتقبلوا فائق التقدير والاحترام". ثم كان أن تلقيت ايضا رداً مكتوباً يقول "اشكر لكم تفضلكم بالرد على الدعوة الموجهة لشخصكم للمشاركة فى الملتقى الثانى للاعلاميين السودانيين العاملين بالخارج، يؤسفنى اعتذاركم واتفهم دواعيه وان لم اتفق معها. ارجو ان اؤكد مجددا بأن الدعوة وجهت لكم بصفتكم الشخصية والمهنية- كما ورد فى نصها- وليس بوصفكم عضوا او رئيساً لاية رابطة او هيئة اذ شملت الدعوة كثير من الاعلاميين غير المنتمين للاتحاد حرصا على الا نضيق واسعاً".   حتى هنا اعتبرت ان كل جانب استعمل حقه المتاح، السفارة وجهت الدعوة ثم فسرت طبيعتها وانا أعتذرت عن قبولها  وبينت اسبابي . كل طرف ابان موقفه بوضوح.لكن جديداً سيطرأ بعد ذلك. إذ تلقيت مكالمة هاتفية من الخرطوم من مسؤول حكومي بارز، حيث قال الى انه علم باعتذاري عن المشاركة وعبر عن حرص شخصي ان يجدد لي الدعوة  ويطلب مني المشاركة  مبدياً استعداداً للتداول حول الاسباب التي جعلت اتحادنا يقاطع اللقاء، وشرحت له أساب الرفض ولخصتها في التالي: ضرورة توجه دعوة رسمية للاتحاد وليس دعوات شخصية و توجيه دعوة مماثلة لجمعية الصحافيين السودانيين في السعودية التي تربطنا معها اتفاقية توأمة. ثم مبادرة بتعليق الرقابة على الصحف، وتحديد جدول أعمال واضح لهذا اللقاء ،وضمان حق اي مشارك في أن يقول ما يعتقد، واخيراً أن يعكف اللقاء على بحث قضايا المهنة وان يبتعد عن أي قضايا خلافية أو يتحول الى حشد تأييد سياسي.قال المسؤول إن كل هذه القضايا  قابلة للنقاش بما في ذلك مبادرة بتعليق الرقابة على الصحف وتحدث في هذا الصدد عن قانون جديد للصحافة ، ثم قال انه لا يوجد إشكال أصلاً حول جدول اعمال اللقاء وانهم سيرسلون لنا نسخة من أوراق العمل ، مؤكداً ان حرية الحديث داخل الاجتماعات مكفولة، وبالنسبة للقضايا السياسية اكد أن اللقاء لا يهدف الى حشد تأييد للنظام أو تناول موضوع المحكمة الجنائية الدولية، لكن وعلى حد تعبيره "  هذا أمر وضعناه خلفنا ونحن نريد ان نستمع اليكم (الصحافيون في الخارج) ونستفيد من رؤيتكم للعمل الاعلامي ".قلت لنبدا إذن بالدعو الرسمية المكتوبة. وعد المسؤول بارسال الدعوة ووعدت من جانبي أن اقترح  عدم صدور بيان الاتحاد الرافض، وابلغت اللجنة التنفيذية بهذه التطورات وقلت الآن  تلقينا دعوة رسمية  شفوية ستتبعها دعوة مكتوبة، وهذا أمر يتطلب إعادة النظر في موقفنا الرافض، وعلى الرغم من أن بعض الأعضاء كان رأيهم عدم الانتظار وإصدار بيان الرفض فإن ذلك لم يحدث. وبالفعل جاءت دعوة رسمية مكتوبة، وكان رأيي ان نوافق من حيث المبدأ على المشاركة ثم نتفاوض على النقاط العالقة ، لكن بالمقابل كان هناك من أعترض على مسألة إصدار بيان يقول "بالموافقة المبدئية على المشاركة" بل يرى ان نضع جميع الشروط ثم بعد ذلك نقول إننا سنفكر بعد تحقيق هذه الشروط في مسألة المشاركة، ولم أكن مع هذا الرأي وتعذر علينا التوصل الى صيغة تراضي داخل اللجنة التنفيذية وكان رأيي  بان نحتكم للديمقراطية ونجري استفتاءً داخليا بين أعضاء الاتحاد ، فاذا كانت هناك موافقة على المشاركة نجدد الحوار مع الجهة المنظمة حول مطالبنا، وذا كانت المقاطعة نكتفي باصدار بيان حول نتائج الاستفتاء والحيثيات التي استند عليها الاتحاد في الرفض.وبالفعل تقرر تنظيم تصويت داخلي على مستوى الجمعية العمومية حول الموضوع، وأثناء ذلك كان زملاؤنا في السعودية اتخذوا قراراً بالمشاركة ووجهوا لنا مناشدة للتصويت بالموافقة، وفي اعتقادهم ان اللقاء سيشكل فرصة ملائمة للترويج لفكرة الاتحاد الدولي للصحافيين السودانيين في الخارج والتى نعمل سوياً من أجلها ، وفي رأيهم ايضاً أنه في حالة خروج اللقاء الاعلامي عن مساره المفترض يمكننا عندها ان نتخذ الموقف الملائم.وكان أن تمت عملية التصويت ومحورها سؤال واحد : هل توافق أو لا توافق على المشاركة في اللقاء الثاني للاعلاميين في الخرطوم؟ وتقرر ان تتاح لأي عضو  تعليل تصويته إذا اراد، وكنت أول من صوت بنعم للمشاركة، وذلك على اساس انني لا احبذ سياسة الكرسي الفارغ وانه يمكن مواصلة الحوار مع الخرطوم حول الأمور العالقة ، وفي تقديري اننا يمكن أن نصل الى نتائج ايجابية قبل انعقاد اللقاء ، ولم اتصل باي عضو لاطلب منه مساندة موقفي بل التزمت الصمت ، وبعد انتهاء المهلة المحددة للتصويت تبين ان الغالبية مع عدم المشاركة، وكان قرار اللجنة التنفيذية الالتزام بقرار الجميعة العمومية مع حق كل عضو ان يشارك بصفته الشخصية إذا رغب، ومع أنني كنت بوضوح مع المشاركة بعد ان وجهت دعوة رسمية للاتحاد، وفي ظني ان المشاركة المفترضة كان يمكن ان تحقق بعض المكاسب، لا أقول إنها كانت ستحل مشكلة الصحافة والحريات في بلادنا ، لكنها كانت ستدفع قطعاً بالامور في اتجاه ايجابي ولوعلى صعيد اسماع الحاكمين راياً مخالفاً، وعلى الرغم من ذلك ابلغت الزملاء كافة بانني لن اشارك في الملتقى الاعلامي احتراماً للأعراف الديمقراطية ولنتيجة التصويت، ولاسباب اخلاقية أكثر منها إجرائية. وهكذا كان لسان حالي ما قاله الشاعر القديم:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

  وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد

ولا ازيد.

 

عن "الاحداث"

 

 

مقالات سابقة

 

جميع المقالات السابقة منشورة في موقع الجالية السودانية في منطقة واشنطن الكبرى ، ويمكن الاطلاع عليها عبر هذا الرابط

 http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoid=talha.gibriel&sacdoname=%D8%E1%CD%C9%20%CC%C8%D1%ED%E1

 

آراء