للمرة الألف! محمد ناجي الأصم: الثوري المضاد!

 


 

 

الخرطوم - 24 أكتوبر 2021م
طالعنا محمد ناجي الأصم، أحد عناصر قوى الهبوط الناعم، بتصريحات تلخيصها في المينشيت التالي: "على البرهان أن يذهب إذا لم يلتزم بالوثيقة الدستوية" (مقابلة مع قناة سكاي نيوز يوم 21 أكتوبر 2021م)
قبل أن نحلل مقولته المفخخة هذه، دعونا نعيد للأذهان مقالنا الذي كتبناه عن هذا الناجي في يوم 31 يوليو 2019م (أي بعد أقل من شهر من مذبحة الاعتصام النكراء(، ردا منَّا على مقالته التي كتبها قبل ذلك بيوم أو بيومين، وجاءت تحت عنوان: "مآلات الغدو والرواح .. ما الذي يعنيه إنهاء العملية السياسية"؟ ولإنعاش الذاكرة دعونا نذكر الجميع بأن ذلك المقال كان يدعو إلى مواصلة التفاوض مع المجلس العسكري بعد ارتكاب الأخير لجريمته النكراء في فض اعتصامات الشعب السوداني في كل أنحاء السودان، بما في ذلك - بالطبع- مذبحة اعتصام القيادة العامة. هذا بالرغم من القرار الصادر وقتها بقطع التفاوض مع المجلس العسكري ومواصلة الثورة إسقاطا للمجلس العسكري بمثلما تم اسقاط عمر البشير وابن عوف، تحقيقا لهتافات الثوار "مدنياااااااااو!" ثم هتاف "تسقط تاني وتالت ورابع". ثم أردفتُ ذلك بمقالي المعنون "مرة أخرى، بخصوص محمد ناجي الأصم وآخرين" (10 أغسطس 2019م) فيه توسعنا في تفصيل خيانة هذا المحمد ناجي الأصم وآخرين، وكيف أنه، مع آخرين، كانوا قبل ذلك قد أبدوا موافقتهم (باسم تجميع المهنيين - بدون أي تفويض من تجمع المهنيين) على الاعتراف بالمجلس العسكري بعد ارتكابه لجريمة فض الاعتصام، ثم مواصلة التفاوض معه رغم ذلك (ومن وراء ظهر الجميع بما فيهم الشعب)، وذلك في حفل عشاء أقامته شخصية سودانية ثرية، لا علاقة لها بتجمع المهنيين، لا من قريب ولا من بعيد. وقد شكل تجمع المهنيين لجنة للتحقيق مع محمد ناجي الأصم وباقي المتجاوزين لتفويضاتهم من قبل تجمع المهنيين. وقد حدثت المحاسبة واعترفوا جميعا بتجاوزاتهم لجملة تفويضات تجمع المهنيين المحددة التي قاموا بانتهاكها وتجاوزها.
بالعودة الي ما قاله محمد ناجي الأصم في مقابلته مع قناة سكاي نيوز، في حال كان ذلك كذلك، إذن فالمسألة كووووولها تتلخص في أن يقوم الفريق برهان بتسليم منصب رئيس مجلس السيادة الحالي للمكون المدني؟ حسنا! لكن هناك أسئلة لا مناص من رفعها، ذلك على أمل أن تكون هناك إجابات لها من الأصم، أو من غيره ممن كان يعبر عنهم بالأصالة وبالوكالة.
أولا، كلنا نعلم أن عسكريي مجلس السيادة قاموا بتحويل هذا المجلس الى مجلس رئاسي تنفيذي، وبموجب ذلك قاموا بالتبليغ ول على صلاحيات مجلس الوزراء. فهل سيقوم المكون المدني بالسير في نفس الطريق، ذلك بتسيير دفة البلاد عبر مجلس السيادة، أم أنه سيعيد مؤسسة السيادة إلى ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، ذلك بأن يكون مجلسا تشريفيا فحسب؟ إذا كانوا ينوون قيادة البلاد عبر مجلس السيادة كبديل عن العسكر، فهذا لا يجعلهم أفضل من العسكر، بل أسوأ منهم، ذلك لأنهم قوى مدنية. فالتنكب للحكم المدني يُتوقع من العسكر، أما أن يأتي ذلك من المدنيين، فهذا دليل على أنهم مدنيون اسما، بينما هم عسكريون عن حق وحقيقة. واذا كانوا سيكتفون بتشريفية مجلس السيادة ورمزيته، هنا ينهض السؤال الثاني: ماذا عن النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية التي تتكلم عن أن المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير هما الراعيان والمنفذان للوثيقة الدستورية في الفترة الانتقالية؟ هذه مادة واردة في الوثيقة الدستورية، ما يعني ضرورة الالتزام بها من جمييييع أطراف الاتفاق (المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير - وكلاهما لم يعد موجودا الآن، أللهم إلا إسميا). ثم، ثالثا، ماذا عن المواد التي تجعل من جميع القوات النظامية (الجيش والبوليس والأمن، وميليشيات الجنجويد "قوات الدعم السريع" والأمن الشعبي والدفاع الشعبي والشرطة الشعبية [وما خفي منها أعظم مما ظهر]- وبالطبع جميع الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا) تحت إمرة العسكريين، ما يعني عمليا عسكريي مجلس السيادة؟ فهذه المادة تجعل من المكون العسكري في مجلس السيادة يحتفظ بسلطاته حتى لو قام بتسليم رئاسة المجلس للمدنيين (شايفين عيوب الوثيقة الدستورية التي أكلت عن عمد لمن لا خبرة لهم، وربما لا وطنية لهم؟) والسؤال الرابع هو: إذا كانت كل مؤسسات القوة المادية الفعلية (القوات التي تحمل السلاح) ليست تحت إمرة المكون المدني في مجلس السيادة أو تحت إمرة مجلس الوزراء، ما هو وجه السلطة والسيادة التي يتناطحون عليها؟ خامسا، هل فعلا لا زال لدينا كيان اسمه "تجمع المهنيين" يمثل قوى الثورة؟
للإجابة ةعلي السؤال الخامس، دعونا ننظر في مكونات هذا الجسم الذي انقسم أميبيّاً على نفسه، دون أن يبلغ في أي مرحلة من مراحله درجة تمثيل جميع قوى الثورة. وهذا طبعا موقف مؤكد بالقرار الذي اتخذوه يوم 2 يناير 2019م بقفل باب تصعيد الممثلين لمجلس قوى الحرية والتغيير من قبل أي قوى تنظيمية أخرى انضمت بعد هذا التاريخ (وبالضرورة لسكرتارية قوى الحرية والتغيير). وبهذا تمكنت قوى الهبوط الناعم من أن تقفل على أنفسها مجلس قوي الحرية والتغيير (وبالتالي سكرتارية قوى الحرية والتغيير). وقد اتضح لاحقا أن هناك عدة أجسام لا تتجاوز عضويتها أصابع اليد، ولكم أن تصدقوا أن من بينهم حزبأ بعينه، تتكون عضويته من زوج وزوجة وابن وبنت بجانب شقيق الزوج وشقيق الزوجة، لا غير، وبرغم هذا تمكن في لعبة المحاصصات من تعيين الزوجة كوزيرة! وعليه، حتى نختصر قصةً طويلة نقول بأنه لم يتبقَّ من قوى الحرية والتغيير إلا قوى الهبوط الناعم. وهذا ما جعل باقي القوى الثورية تنفض يدها من هذا الجسم غير الثوري والمشبوه بعلاقاته بالمحاور الإقليمية والدولية. لا غرو أن تجمع المهنيين لم يعد عضوا في هذه المجموعة الخائنة للثورة وللشعب.
الآن دعونا نرجع لتساؤلاتنا! لكن دعونا نذكِّر بما صدر من محمد ناجي الأصم في مقابلته مع قناة سكاي نيوز، ذلك عندما قال: "على البرهان أن يذهب إذا لم يلتزم بالوثيقة الدستوية". إذن فهو ليست لديه اعتراضات على برهان وعلى كل العسكريين والمليشيات، ذلك طالما التزموا بالوثيقة الدستورية (المقدودة)! وهذا هو مربط الفرس الذي أوقع البلاد في هذه الورطة! ألا وهو ذلك التنكب عن مشارع الثورة وشعاراتها المنادية بالمدنية وعدم إشراك العسكر. وعليه، جميع من ينادون بضرورة إشراك العسكر (ولا معني لالتزامهم بالوثيقة الدستورية كما شرحنا أعلاه) هم خونة الشعب وخونة الثورة!
ومثل ذلك مطالبة أحد قادة قوى الهبوط الناعم (إبراهيم الشيخ) في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة متزامنة مع مقابلة الأصم، حيث طالب بأن يقوم الجيش بتجاوز قيادته الحالية (المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية) وتقديم بديل لها ليخدم كشريك في حكم الفترة الانتقالية. وهذا قولٌ نُكرٌ لم يسبقه عليه أحد! وماذا عن نصوص الوثيقة الدستورية التي باركتها وبصمت عليها بالعشرة، بما في ذلك نصوصها التي تحدد المجلس العسكري المعلوم بأعضائه كشريك لكم؟ إنه بدعوته هذه إنما يدعو لانتهاك الوثيقة الدستورية (المنتهكة أصلا) والتي كأن لم تبقَ فيها مادة لم تُنتهك. ثانيا، هذه دعوة صريحة لانقلاب عسكري، إذا لم يكن هو يعلم بالقوة التي ستقوم به، فدعنا نقول له إن هذه القوة العسكرية - في حال نجاح انقلابها - لن تقوم بالتراجع والانسحاب إلى ثكناتها وترك الحكم لقوى الهبوط الناعم المنهارة، ذلك بعد أن قامت هذه القوة العسكرية بمواجهة كل المخاطر وإزاحة عسكريي اللجنة الأمنية. وإلا فليُعطنا هو ضماناته، ذلك إن كانت له ضمانات. ثالثا، حتى في حال استمساك هذه القوة بالسلطة، فهذا يعني استبدال العسكر بعسكر آخرين، وهو ما يقف موقف التصصاد من مطالب جماهير الثورة. رابعا، هل هذا الاستبدال العسكري سيخلص الشعب السوداني من مليشيات الدعم السريع (دع عنك مليشيات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا)؟ هذه الأسئلة، في الحقيقة، تعكس لنا، ليس فقط سذاجة قوى الهبوط الناعم، بل استعدادهم للتآمر على الشعب وعلى ثورته الشعبية وعلى جميع قوى الثورة، وباستمرار.
ثم أخيرا، وليس آخرا، ماذا لو أن هنأك حزبأ صغيرأ لأ يحلم أبدا بأن يصبح حزبأ جماهيريا (ولنضرب له مثلا بأحد أحزاب البعث المشاركة ضمن قوى الهبوط الناعم)، لكن له عضوية سرية داخل الجيش منضبطة تنظيميا، فقام باستغلال هذا الوضع الهش واستولى على السلطة عبر هذه الكوادر العسكرية وتظاهر بأن هذا الإجراء إنما جاء استجابة لرغبات إبراهيم الشيخ وباقي قيادات قوى الهبوط الناعم؟ فهل يا ترانا تحررنا من حكم الإسلاميين لنقع في براثن حكم القوميين العرب. هل نادى إبراهيم الشيخ بطلبه ذلك وهو على علم بهذه الاحتمالات، أم أنه كان يلقي القول علي عواهنه؟
في الختام، وكيفما كان الأمر، فإن على قوى الثورة أن تعلم بأنه، أولا، لا يوجد الآن جسمه اسمه "قوى الحرية والتغيير". ثانيا، لا فرق البتة بين عسكريي مجلس السيادة ومليشياتهم، وبين قوى الهبوط الناعم. ثالثا، عليهم بالاعتصام بعرى تجمع المهنيين (الذي تحرر تماما من قوى الهبوط الناعم) ثم بعرى لجان المقاومة، في تحالف إستراتيجي يعمل فورا على تشكيل مجالس تشريعية ولائية (يتمخض عنها لاحقا مجلس تشريعي قومي) وذلك من عضوية شباب الثورة الذين اختبرتهم الشوارع. على هذا المجلس التشريعي أن يقوم، أولا، باختطاط وثيقة دستورية لا مكان فيها لمشاركة العسكر، ولا للمحاصصات الحزبية، ويتم فيها تلافي جميع ثقوب الوثيقة الدستورية الحالية المنتهكة؛ ثم ثانيا، إرجاع جميع المفصولين سياسيا في القوات النظامية والخدمة المدنية ليقوموا بتفكيك التمكين موضعيا (وليس مركزيا كما رأينا في لجنة تفكيك التمكين الفاشلة هذه)، كل قطاع منهم فيما يليه؛ ثالثا، تفكيك المليشيات، ما كان منها جنجويدا وما كان منها حركاتٍ مسلحة، وذلك باختيار حكومة ظل من قوى المناهضة، على ألا يتجاوز عمر الوزير سن 45 عاما، ويكون له 5 مساعدين من جيله لاكتساب خبرات الحوكمة، بجانب 5 استشاريين ممن تجاوزوا سن الخمسين، ممن تشهد لهم خبراتهم، ومتى ما اتفقت كلمة المستشارين وأيدها رئيس الوزراء، توجب على الوزير الشاب ومساعديه الالتزام بها.
هذا التحالف من شأنه أن يعطينا المؤسسات التالية: أولا، سوف تقوم بتشكيل المجلس التشريعي الثوري، وهو المجلس الذي تآمرت قوى الهبوط الناعم مع العسكريين والمليشيويين حتى لا تقوم له قائمة وألا يتشكل بالمرة؛ ثانيا، سوف يضمن لهذا التحالف تبلور وثيقة دستورية ثورية، وليست وثيقة تقوم على شرعنة مشاركة العسكر ومليشيات الجنجويد وخلافها، كما لا تشرعن للمحاصصات؛ ثالثا، سوف تعيد جميع المفصولين سياسيا الذين لم يفصلوا إلا لوطنيتهم وكفاءتهم؛ رابعا، سوف تقوم بتشكيل مجلس وزراء تحت قيادة رئيس الوزراء الحالي من قوى الثورة. وإنه لمن نافلة القول بأنه لا يحق لقوى الهبوط الناعم أن تقف ضد هذا، ذلك بحكم ما ظلت تكرره من أن حكومة الثورة لن تقوم على المحاصصات الحزبية. وهكذا، أخيرا، ستكون لدينا حكومة كفاءات (وليس حكومة تكنوقراط - وبينهما من فرق بقدر ما بين الفرقدين).
ولكن ماذا إذا تحقق كل ما ذكرناه من إنجازات ناجمة عن تحالف لجان المقاومة مع تجمع المهنيين دون أن يلقي الاعتراف من قوى الهبوط الناعم والفلول والعسكريين والمليشيويين إلخ؟ الاجابة علي هذا السؤال هي: سوف نكون أفضل حالا عندما نخرج في مليونياتنا القادمة، إذ سيكون لنا أجسام ومؤسسات ووثيقة دستورية، بل تشكيلة وزارية نطالب بأن تقود البلاد. عندها سوف تنفرز الكيمان، وسيعلم الشعب من يقف في صفه ممن يقف في صف أعدائه. فهذا أو الطوفان!
MJH
الخرطوم - 24 أكتوبر 2021م

 

آراء