i.imam@outlook.com
استعرضتُ أمس (السبت)، جانباً من فوضى أسعار الدواء التي كان محمد الحسن العكد الأمين العام لمجلس القومي للأدوية والسموم ضحية لها أو كبش فداء لإصحاح مسار أسعار الدواء، ومعالجة الفوضى العارمة التي شهدها سوق الدواء في الأيام القليلة الماضية. وقد اضطرت فوضى أسعار الدواء إلى تدخل الرئاسة في معالجة الأمر بالسرعة المطلوبة، حيث أعلن بحر إدريس أبو قردة وزير الصحة الاتحادي في مؤتمر صحافي طارئ عقده أول من أمس (الجمعة)، إعفاء رئيس الجهورية للأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، وإلغاء قائمة أسعار الدواء التي أصدرها. وسبب الوزير القرار الرئاسي بأخطاءٍ ارتكبها العكد كانت كافية لاعفائه بعد أن أصدر بتعجلٍ قائمة أسعارٍ جديدةٍ للأدوية، أوردت أصنافا ما زالت الدولة تدعمها. والغريب في هذا التسبيب أن وزير الصحة الاتحادي هو رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم، بمعنى أنه يتحمل بعضاً من هذه الاخطاء، لعدم تدخله في الوقت المناسب.
كنا نعتقد أن القرار الرئاسي الذي جاء تلبيةً لنداء الجماهير والاتحادات المهنية وأصحاب الشركات والمصانع والمسؤولين، كان يجب أن ينهي هذا المسلسل الحزين. وإن كان العكد مذنباً أو مقصراً، فأين يقف بقية المسؤولين عن هذه الفوضى العارمة في أسعار الدواء؟!
مما لا ريب فيه، إن الإمدادات الطبية كانت المستفيد الأكبر من زيادة أسعار الدواء، بل أحسبها رقصت لها ونفذتها، حتى قبل أن يجف مداد هذا القرار الخطير. ولا نعفي قيادة وزارة الصحة الاتحادية، خاصةً الأخ بحر إدريس أبو قردة وزير الصحة الاتحادية ورئيس المجلس القومي للأدوية والسموم، والذي ظل متفرجاً، لما يحدث في المجلس القومي للأدوية والسموم، والفوضى العارمة التي كانت لا تخطئها عين، على الرغم من أن مسؤوليته الإشرافية، بقانون الأدوية والسموم لسنة 2009، تمنحه الحق بالتدخل، لتفادي أي خللٍ أو مشكلٍ. ولعله ظل حصيفاً، بل ذكياً في الخروج من المآزق التي تحدث في وزارته، وهو الأدرى والأكثرة خبرة في مثل هذه المواقف، بحكم فترة التمرد. فقد أتى بعد عشرة أيام من اضراب الأطباء الأخير، ليكون هو المنقذ، وصاحب الحل. ويُدين اليوم صراحةً أحد منسوبيه، الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، الذي هو رئيسه. ويذهب أكثر من ذلك، إلى توعد الآخرين، بأنه ستطال المحاسبة أي شخص تسبب في "الربكة" التي طالت أسعار الدواء، مشيراً إلى أن المجلس القومي للأدوية والسموم سيقوم بدور رقابي كبير لمراقبة الأسعار الجديدة المنتظرة، بالتعاون مع حكومات الولايات وإدارات الصيدلة، مع أهمية تكامل رقابة الدولة والمجتمع. والسؤال الذي يفرض نفسه، أين هو من هذه المحاسبة التي ستطال الذين تسببوا في فوضى أسعار الدواء؟!
أخلص إلى أن، الباب الآن مفتوح على مصراعيه لإعادة النظر ليس في الأشخاص الذين يتربعون على كراسي الحكم، ولكن في السياسات الدوائية، ودور مجلس القومب للأدوية والسموم، ودور صندوق الإمدادات الطبية، وطريقة الشراء الموحد، وحرية الشركات، ودور من يتلقى الدولار المدعوم، ودور الصناعة المحلية.لا بد من معالجاتٍ عجلى لكل هذه القضايا. ومن الضروري أيضاً، إيلاء المزيد من الاهتمام بمراقبة الأسعار، ومراقبة التخزين الذي يُفسد الأدوية، والأدوية المغشوشة، ومعامل ضبط الجودة، وغير هذا من هذا الملف الشائك.
وبسؤالي إلى الأخ زين الدين عباس الفحل الأمين العام الجديد للمجلس القومي للأدوية والسموم أمس (السبت)، عن فقه أولوياته قُبيل تسنمه لمنصبه في المجلس اليوم (الأحد)، لمعالجة الخلل في خارطة الدواء بالسودان، كانت اجابته قاطعة، في أن أُولى أولوياته توطين صناعة الدواء في السودان، من خلال استراتيجية تشجيع الشركات على تصنيع مواد طبية متخصصة من الأدوية والمستلزمات العلاجية، في إطار التمكين للصناعة الدوائية في السودان، عبر الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. والعمل على توفير احتياجات الاستهلاك المحلي من الدواء في البلاد، صناعةً واستيراداً.
وفي رأيي الخاص، من الضروري أن يتجه الأمين العام الجديد للمجلس القومي للأدوية والسموم، إلى توسيع دائرة المشاركة والمشورة، في كل ما يتعلق بالسياسات الدوائية الجديدة، تفادياً للفوضى العارمة التي شهدها سوق الدواء في الأيام القليلة الماضية، دون أية مراعاة لتدعيات زيادة أسعار الدواء على مرضى الشرائح المجتمعية الضعيفة، بالنسبة للأدوية المنقذة للحياة. فالمأمول أن يستقر سوق الدواء بترتيباتٍ خاصةٍ، بعد هذه الخضة العنيفة.