لماذا تخلّف المسلمون؟

 


 

 

 


alshiglini@gmail.com

إن إعادة الميراث التقليدي الإسلامي القديم السياسي، هو خطوة لتحصين التخلّف. بعد فترة الاستعمار خلال القرن التاسع عشر. وقد اعتبرها الفقهاء انتصار التحديث الغربي، الذي لا يهم المسلمين في شيء!. عجبوا كيف تقدمت شعوب أوروبا وتخلفوا هم!، وكيف هزمهم الغرب الاستعماري؟. قال الفقهاء إن ذلك ابتلاء من رب العالمين لأننا خالفنا شريعته. حدث فصل بين التكنولوجيا واستهلاكها من جانب المجتمعات الإسلامية دون وعي فكري لطبيعتها من جهة، ومن جهة أخرى الاستمرار في بيع الدول الإسلامية المواد الخام الأولية في أسواق الغير. وهو استمرار لمرحلة التبعية الاستعمارية. كل ذلك أفرز فصام بين استعمال المستهلكات التكنولوجية، وتصدير المواد الخام. كبار الفقهاء يركبون السيارات التي يصنعها الكفار، ويلبسون ما تُخرج مصانعهم!. هذا الفصام هو الذي أعجز العالم الإسلامي من التطور اللازم للنهوض في كافة الأصعدة وأقعد بصره عن أسباب التقدم.
*
إن فترة الثبات خلال ألف عام مضت، التي سيطر فيها الفكر الديني على مشهد الحياة برؤى فقهائه، وبسبب سيطرة الذين تخلّوا عن استعمال العقل في التفكير لاستحداث طرائق العيش المتقدمة. وصاروا أتباع للفكر الفردي الاستبدادي الوراثي الحاكم، الذي اعتبروه قدوة، منذ عهد تكوين الخلافة. اقتصاد بُني على مصادرة عمل الآخرين واستعبادهم بوسيلة الغزو والاسترقاق. لاشيء يمكن فعله في الدنيا أبعد من ذلك!. فالحضارة وأسبابها اعتقد الفقهاء أنها لا تعنيهم في شيء، وأن العلم النافع وحده هو التبحُّر في الدِّين، أصوله والحديث والفقه والفتاوي والاجتهادات في الدِّين لا غير.
(2)
نحن اليوم نفخر بأن العرب والمسلمين قد سبقوا غيرهم و اكتشفوا أسرار العلوم منذ قرون. وأن المسلمين هم الذين مهّدوا الطريق إلى العلم الحديث. وأن " جابر بن حيّان " تخصص في الكيمياء، وأن " الأسمائي" تخصص في علوم النبات وعلوم الحيوان والزراعة. وأن " الخوارزمي " اختص في علوم الجبر والرياضيات والفلك والجغرافيا. وأن " الجاهز" قد تخصص في عالم الحيوان وتأليف المعاجم وقواعد اللغة العربية. وأن " الكندي" قد اختص في علوم الفلسفة والفيزياء وعلم البصريات والطب والرياضيات وعلم المعادن. وأن " ابن سينا" تخصص في الطب والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك. وأن " ابن النفيس " اختص في علم الطب والفلسفة والفقه والحديث. وأن " الرازي" قد تخصص في طب العيون وعلم الفلك والكيمياء. وأن " ابن الهيثم "اختص في علم الهندسة والبصريات والرياضيات. وأن " ابن رشد " قد برز في الفلسفة وعلم الفلك والطب والحساب. وكثيرون غيرهم. ونفاخر بأن هؤلاء كلهم أسسوا للعلوم التي أقام عليها الأوربيون حضارتهم، ثم بنى عليها ونهض.

وننسى ماذا فعل بهم مجتمع الفقهاء والقابضون على السلطان بتحريض منهم. كانوا يعتبرونهم مارقين، وابتكروا علماً لا يضرّ ولا ينفع، لأنهم اختاروا علوم الدنيا، ولم يبحثوا في علوم الدِّين والفقه التي تنفع العباد في دنياهم وآخرتهم!. عُذبوا وحُرقت مؤلفاتهم وسجنوا!. فلِمَ تمجيد سيرتهم الآن؟
(3)
تخلّف المسلمون لأنهم هجروا العقل الرشيد، واستخدامه في تدبير شئون الناس والحياة. واتّبعوا أهواء رجال الدِّين وأئمة الفقه والنَقلة، الذين جعلوا كل شيء مقدّساً. قدّسوا الفقهاء و الحُكام واستبدادهم. ولديهم عبارة مشهورة : (إن الله يَزِع بالسلطان ما لا يَزِع بالقرآن) .
وصارت تفاسير الفقهاء مقدّسة، ومراجعهم مقدّسة، وكاتبيها مقدّسين وأسفارهم مقدّسة، وإن حكم الجماعة مُقدّس. والخلافة مقدّسة. وحوّلوا حياة الناس إلى قضاء وقدر وابتلاءات، لا يصنع الإنسان فيها شيء. وأن كل شيء هو من أمر وإرادة الله. وهم يذعنون لهذه الإرادة.
*
قبل مائة عام كان يدور السؤال في كل حدب وصوب: ( لماذا تخلف المسلمون )؟. والآن صمتت تلك الألسنة التي تسأل. فبعد استعمار القرن التاسع عشر، فاجأتنا الهزيمة، أينما نذهب تُلاحقنا الخيبة تلو الأخرى. بدل البحث عن أسباب الهزيمة، رجع الحُكام وفقهاؤهم إلى أن الأسباب ترجع إلى ترك الناس أمر الدِّين!. وعزف المجتمع بقيادتهم أغنيات العودة إلى الماضي، حيث الخلافة الراشدة. كأن الماضي كان حُلماً مذهلاً، فيه كل حلول مشكلات العصر. غضّوا النظر عن صراع الخلفاء وبطش الحكام خلال تاريخهم الطويل، وبدأوا يهلّلون لعودة الخلافة الإسلامية، ويهتفون :أن الإسلام هو الحل.
(4)
بدأ الفقهاء بالتهليل للظلم والضرائب واحتقار المرأة، والدعوة لإخراجها من الحياة العامة. وبدأ التهليل للخرافات. وخرج حلف جديد من بعد حُلتّ الخلافة في تركيا العثمانية، ضمّ تنظيم الإخوان المسلمين من جهة والوهابين من جهة أخرى. وبدأوا التسويق لنعيم الحياة البدوية، بأيديولوجية دينية بدوية متوحشة. تقف ضد الحداثة. عملت كل حكومات الإستبداد لنشر أن الإسلام هو الحلّ. وأن غيرهم هم أهل النار. بجهرهم أو بصمتهم.
*
فشل مشروع التحديث الذي ابتعثت فيه بعض الدول الإسلامية أبناءها للتعليم في دول الغرب، لنقل الحياة المتطورة والأخذ بأسباب النجاح. قُوبلت رؤى التحديث بحوائط صد منيعة من منْ يسمون أنفسهم بالعلماء والفقهاء، وقرروا أن أهل الغرب هم مُجرد خنازير. فليتمتعوا بدنياهم، وفي الآخرة لا يجدون سوى نار جهنم. وأن الله زيّن لهم الدنيا لنستفيد نحن مما صنعوا لخيرنا، في حين أن المسلمين فشلوا في كل شيء، فهم حملة لواء الإسلام فهذا في رأيهم يكفي. فعقيدتهم تقودهم للجنّة أعظم وأغلى جائزة، ولو عطّلوا عقولهم التي وهبهم المولى ليستخدموها. ولو عطّلوا الآيات القرآنية التي تُخاطب العقول: ألا تعقلون، ألا تتفكرون، أو الدعوة الصريحة للفهم والتدبُر.
(5)
نعيش الآن في تخلّف علمي وإداري وسياسي واجتماعي واقتصادي وعسكري، بل تخلّف على كافة الأصعدة، واستبداد بأساليب وألوان جديدة. أين المباحث العلمية؟. لم يتم تخصيص إلا ما تتراوح نسبه بين 0.03 % و0.01 % من الناتج القومي للدول الإسلامية للمباحث العلمية، في حين أن الدولة العنصرية الوحيدة الباقية في هذا العالم، تُخصص 4.7 % من ناتجها القومي للبحث العلمي!. وتهنأ هي بأن لها ثلاثة تخصصات سبّاقة فيها على كل دول العالم. وهي متقدمة بكل المقاييس على الدول الإسلامية التي تحيط بها.
*
العلم وترقية التعليم هو الذي قفز بدولة مثل اليابان. وصارت عقول البشر هي الخامة التي اعتمدت عليها في نهضتها. في حين وقف حكام الدول الإسلامية مع القوى التي تنزع للرجوع للخلف. أصبحت اليابان بدءًا من 2012 ثالث أكبر دولة اقتصاديًا، من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة والصين، ورابع أكبر دولة اقتصاديًا من ناحية تعادل القدرة الشرائية بعد الولايات المتحدة والصين والهند.
(6)
إن الدولة التي تريد أن تتقدم، ينبغي عليها أن تستخدم العقول البشرية والمباحث العلمية. وأن تنهج نهجاً متطوراً. وتلتزم بتطوير التعليم وبث الشفافية وتوخي العدل والمساواة ومحاربة الفساد واستخدام الوسائل الديمقراطية في السياسة. تم تحديد قوانين حقوق الإنسان من خلال الاتفاقيات الدولية، والمعاهدات، والمنظمات، وتحظر هذه القوانين ممارسات مثل: التعذيب، والعبودية، والإعدام بدون محاكمة، والاحتجاز التعسفي أو النفي، مع ضرورة التمتُّع بالحقوق المدنية، والسياسية، والحق في الحياة والحرية بمعناها الإنساني. وحرية الفكر والتعبير، والمساواة أمام القانون بين جميع البشر رغم اختلافاتهم، والحقوق الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والحق في الغذاء، والحق في العمل، والحق في التعليم. و هي الحقوق والحريات الأساسية التي يستحقها جميع البشر.
*
أين بلادنا من كل ذلك؟.
هبط تقييم السودان إلى مؤخرة دول العالم. فشل ذريع في كل شيء. وهي بكل صراح في مؤخرة دول العالم الإسلامية. وجامعات السودان انخفض مستواها الكيفي، فهبط العلم والتكنولوجيا إلى أسفل سافلين. فأين نحن من التطور؟!.

عبدالله الشقليني
1 أكتوبر2018

 

آراء