لماذا عدلت الحركة عن ضم أبيى أحاديا !؟
أدم خاطر
13 May, 2011
13 May, 2011
adam abakar [adamo56@hotmail.com]
كان متوقعا أن يتغير شكل الصراع بين طرفى اتفاق نيفاشا والناس على مقربة من ساعة الانفصال التى أٌقرت بالاستفتاء فى يناير من هذا العام . وكانت الشعبية تضمر هذا التوجه الذى أعلنته منذ أيام على أكثر من لسان كما ظلت تضمر رغبتها فى الانفصال الى عهد قريب من بلوغ أيامه بمنحى تكتيكى بات مكشوفا . وقد كان رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب قد اعلن تضمين أبيى لدستور الجنوب الانتقالى بموافقة كافة الأحزاب الجنوبية فى الثالث من مايو الجارى ، وأن مجلس وزراء حكومة الجنوب قد صادق على هذا القرار فى جلسة طارئة اعدت لهذا الغرض ليصبح دستوريا من وجهة نظرهم ويقطع الطريق أمام الشمال فيما هو مطروح من حلول !. مما اضطر الرئيس البشير بوصفه الضامن لاتفاقية السلام من أن يخرج عن المألوف فى سياق تنفيذه للاتفاق ويعلن بالصوت العالى أنه كيفما كان مبررات هذا القرار وجديته من عدمها فان حكومة السودان لن تعترف بدولة الجنوب عند اعلانها اذا ما أصرت الشعبية فى المضى بهذا القرار الأحادى أبعد من ذلك !. فالحركة فى هذا التوجه لتصعيد الأوضاع فى أبيى تسترجع مخططات الأجنبى التى حاولت الاستحواذ على هذه المنطقة عبر أكثر من سبيل وطريقة منذ مقترح القس الأمريكى دانفورث الذى أفضى لبروتوكول أبيى ابان التفاوض ، وهى لم تترك فيها الحرب على أيام المبعوث الأمريكى ريتشارد وليامسون وحاكمها ادوارد لينو الذى جره تطلعه الجامح وتهوره الى الخروج من اللعبة السياسية كلية ومن اى نفوذ سياسى على صعيد حركته بعد المغامرة التى ركبها وما أفضت اليه من نتيجه جعلت المدينة بكاملها كالرميم !. مرورا بتقرير الخبراء الذى خرج عن حدود تكلفيه وولايته بتجيير المنطقة بكاملها لصالح الدينكا وهضم حقوق الآخرين من السكان وعلى رأسهم المسيرية ، الى أن انتهى الأمر بالطرفين الى المحكمة الدولية فى لاهاى وما خرج من قرار ظل يفسره كل طرف على طريقته مما جعل القضية برمتها تراوح مكانها !. وانتهاءً بالمقترحات التى يحملها الرئيس أمبيكى مع بعض التعديلات والالتفافات الأمريكية الغربية دون الوصول الى حل مرض للطرفين !. هكذا زايدت الحركة الشعبية منذ الوهلة الأولى بقرارها الأحادى ضم أبيى الى جنوب السودان والدولة الوليدة لم تعلن بعد !. وعادت المزايدة من قبل الحركة الشعبية حين نصَّت في مسودة دستور جنوب السودان على أن حدود جمهورية جنوب السودان تضم بجانب الاستوائية وبحر الغزال وأعالي النيل «منطقة أبيي بحدود مشيخات دينكا نقوك التسع التي تم نقلها من بحر الغزال إلى كردفان في عام 1905م، كما عرفها قرار لجنة التحكيم الدولية في يوليو 2009م». والحركة تعلم أن ضم المنطقة إلى الشمال أو الجنوب حسب اتفاقية السلام الشامل يخضع إلى استفتاء أهل المنطقة «الدينكا والسودانيون الآخرون المقيمين فيها كما فى قرار التحكيم »، ورغم الحقيقة السياسية التي تقول إن غالبية الدينكا في المنطقة يريدون الانضمام إلى الجنوب وأن المسيرية يريدون التبعية للشمال ، وأن النزاع أساساً يتعلق بالدينكا وبمنطقتهم التي تحولوا منها في 1905م، إلا أن حل القضية لا يمكن أن يفرض بقرار آحادي من أطراف دولية عبر حكومة الجنوب التي حاولت من قبل إغراء حكومة السودان بضم المنطقة إلى الجنوب مقابل دعم اقتصادي مقدر فلم تفلح، وحاولت فرض حل عسكري على الأرض فلم تنجح، بل حاولت الاستجابة لبعض النصائح من بيوت خبرة قانونية أمريكية لضم المنطقة الآن ولم تنجح المناورة بل كادت أن تهد ما تم بنيانه بالفعل وما بين هذا واعلان الدولة الوليدة ما يقارب الشهرين !.
ترى ماهى الدوافع الحقيقية وراء اعلان الحركة الشعبية اقرار ضم أبيى بطريقة أحادية فى دستورها الانتقالى وفى هذا التوقيت بالذات ؟. هل هو لاختبار صبر الحكومة فى الشمال ومعرفة ردة فعلها وحجمها ازاء هذا الاجراء فى سياق الاستحقاقات المتبقية ومعرفة هامش المزايدة مستقبلا !. أم هل هو لتطمين أبناء أبيى من المستنيرين والمتنفذين فى الحركة بتواجدهم فى مفاصل الحكم ومراكز القوة لديها بأن قضيتهم ستظل قضية الحركة الشعبية على مستوى القيادة لن تساوم فيها أو تتراجع عن وعودها لهم وهم يكثرون من الضغط عليها ، أم هو ايعاز تكتيكى ومناورة محسوبة دفعت بها أطراف غربية للضغط على الحكومة فى هذا التوقيت وهى ترى الأوضاع تسوء فى المنطقة والملفات العالقة ترواح مكانها ومواقف الدولة فى الشمال تبدو أكثر تماسكا !. أم هى اشارة لبدء سيناريو الحرب المجرب من قبل ، حتى وان أدى لهدم السلام بعد كل هذا التسفار والتطبيق لبروتوكولاته ، أم هو الهروب والسقوط فى الهاوية ومؤشرات الانتخابات فى جنوب كردفان تمضى على غير ما تريده الشعبية لمرشحها الحلو من واقع ما تشنه من حملة تعلى من شأنه وفوزه المتوهم دون انتظار لنتيجة الانتخابات كما هو متعارف عليه من قبل اللجنة المنظمة لها ، أم هو جماع هذا وذاك فى اطار النظرة المستقبلية لمآلات الأوضاع فى الجنوب والدولة الجديدة بلا مقومات ولا تملك رصيد كاف من الخبرة والتجربة الراشدة فى الحكم وحملات الارباك والتشويش تمضى وعداد القتلى منذ تولى الحركة مقاليد الحكم فى الجنوب يفوق ال2000 على أرجح التقارير !. وقضايا ما بعد الانفصال تتراجع فى سلم الأولويات ولا تجد الاجتماعات تنتظم على مستوى اللجنة السياسية بين الحزبين رغم اقرار جدول أعمالها ، وأن اجتماعات الشريكين على المستوى الرئاسى قد توقفت قبل هذا القرار بسبب الأجواء المشحونة والمواقف السلبية لمعظم الاطراف الدولية الفاعلة (أمريكا – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا ,الأمم المتحدة الى غيرها ) وهى ترى الحركة الشعبية تتخذ مثل هذا القرار الخطير دون أن يرمش لها جفن أو تردها الى ما تم الاتفاق عليه من أطر واتفاقات ليس آخرها اتفاق كادوقلى !. أبيى كما يراها الطرف الآخر جزء أصيل من مديرية جنوب كردفان، تؤكده الوثائق والخرائط التاريخية بأن أبيى جزء من ولاية جنوب كردفان ، والاستفتاء المزمع قيامه لسكان المنطقة له محاذيره ولكنه ليس خطأ ، لأنه يعطى المواطنين الحق فى اختيار ما يريدونه ليقرروا رغبتهم فى التبعية الى كردفان أو الجنوب لكامل قاطنى المنطقة ،وأن المقترحات الخارجية التى تسعى لضم المنطقة للجنوب تستبطن الحرب والجنوب لا يملك ناصيتها ان اشتعلت ودولته لم تولد بعد !. ربما أعترف بها كل العالم ولكن أن لا تعترف الدولة الأم رغم اقرارها بالاستفتاء ونتائجه عبر كل أجهزتها السياسية والحزبية فهذا أمر يصعب تجاوزه ولن تعيش دول الجنوب السلام الذى ظلت تحلم به وهى تعانى من اشكالات داخلية وصعوبات كبيرة تواجهها ، والادعاء بأن الأحزاب الجنوبية متفقة على تبعيتها للجنوب لا تنطلى على فطنة ، والسودان الشمالى دولته لها أكثر من ستة عقود لم يتم التراضى على دستورها الدائم بعد رغم المحاولات العديدة والتجارب السياسية لكن الحركة تكتب دستورا يقوم على اعلاء الحرب واستعادت طبولها !.
ومعلوم للكل التعقيدات على الأرض فى أبيى والمزايدات التى ظلت تنتهجها الحركة لأجل ارضاء أبناء الدينكا داخل صفها !. وأن هذا القرار المتعجل لم يكن له ما يبرره أصلا مهما كانت الأسباب والدوافع طالما أن الحركة تعرف دون غيرها أن أبيى نزاع حدودى ينبغى أن يصار الى تعاون وتفاهم فى ملفه بين الطرفين شأنه شأن الخلافات الحدودية الأخرى فى منطقة جودة وجبل مقينص وكاكا التجارية وكافيا كنجى التى تقع جميعها فى مساحة حدودية تمتد لحوالى 2000 كلم مربع !. هذا الاجراء لا يستند الى اتفاق أو قانون أو دستور ، ولا تملك الحركة وثائق تعضد ملكيتها لهذه الرقعة ، وسياسة فرض الأمر الواقع لابد من أنها ستأتى بتبعات كبيرة لا قبل للحركة بها حتى وان رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات فى جنوب كردفان !. وقرارها الأخير بالعدول عن أية نية لضم أبيى بقرار أحادى كما أعلن على لسان سلفا ومشار وأبلغته للوسيط الافريقى الرئيس ثامو أمبيكى رئيس اللجنة الافريقية رفيعة المستوى التى وقفت على وضعية المنطقة وتعقيداتها التى يشاع عن كثافة النفط حولها وانتاجها الحالى لا يتجاوز ال 3000 رميل فى أحسن الحالات !. أمبيكى سبق وأن حمل عدة مقترحات للحل بلغت ست سيناريوهات وقد برر لكل مقترح وحدد ايجابياته وسلبياته ومدى مناسبته وديموموته لم يقبل أى منها بعد ، وأن طرفى الاتفاق قد طلبوا مدة أسبوع لدراسة المقترح الأخير كى يتمكنوا من ابداء الرأى حوله ، ولاشك أن الفترة المتبقية لاعلان الدولة لا تمكن من الوصول الى حل توفيقى فى ظل حالة القلق والترقب التى تعترى المسيرية والدينكا وتعنت الطرف الجنوبى ورفضه لمجمل التسويات التى قدمت من الاقليم !. عدول الحركة عن هذا القرار ان صدقت فيه من شأنه أن يعيد الأوضاع الى طبيعتها ويحى موات الآليات التى وضعت لانجاح المساعى الجارية والخلوص الى حل توفيقى ، أما المزايدة والاصرار والركون الى اشارات الخارج لن تكتب حلا ولن تمكن الحركة من تجاوز حالة الفلتان الأمنى والانشقاقات المستمرة داخلها بل ستزيد اشتعال النيران وليس من مصلحتها البتة فى ايقاف المسيرة أو السباحة عكس التيار فى هذا التوقيت ان ارادت للميقات المضروب لاعلان دولة الجنوب فى التاسع من يوليو أن يتم فى سلاسة وترحيب شمالى !. الحركة تفقد التعاطف الخارجى بالمضى فى اجراء أحادى وان توهمت وقوف الخارج الى جانبها لأن مصلحة الأجنبى هى الابقاء على حالة التوتر وادامة أمد الحرب ، والحكومة لا تقبل أى توجه للى ذراعها أو تسوية لا تستصحب مصالح المسيرية ، فالحلول المقدمة بقدر ما فيها من ايجابيات تحمل مسالب كثيرة يصعب هضمها على أى طرف لكنه لا سبيل سوى التنازل من كل جانب أن اريد لهذا الملف الشائك أن يصل الى توافق حوله ، وهو ليس بالعسير أو المستحيل ولكن تعرضه لحالة الابتزاز السياسى والرهان من قبل الحركة جعلها وكأنها تضعه فى مقابل تسوية القضايا الأخرى ، رغم أن التراجع في قرارها يحسب لصالحها ويحمد لها لكنها لن تسلم من نقمة أبناء أبيى وضغطهم وهذا أمر يلزمها الوقوف عنده والنظر بعقلانية والا فبناء دولة قادرة على الصمود والتكيف سيصبح من قبيل المستحيلات !. وهى بحاجة الى ترتيب بيتها من الداخل وفرز الأولويات والتهيؤ لقبول التسوية فى أبيى ضمن حزمة تنازلات ليس هنالك من خيار آخر يحمل فى طياته الاستدامة والصمود فى ظل المعطيات الأخرى لواقع الجنوب المرير ، والمكابرة فيه تعتبر من ضروب الانتحار وقد جربت الشعبية هذا ، لعل الاجتماع الرئاسى القادم سيكسف ما ان كانت قد تزحرحت فى مواقفها أم هى مناورة أخرى رمت بها حتى تبلع ميلاد دولتها، والأيام كفيلة بكشف المستور !!!..