لماذا لم تستفد قوي الثورة من انقسام السلطة الحاكمة؟

 


 

 

خلال حرب 15 أبريل 2023م إنكشفت حقيقة أطماع الحركة الإسلامية في العودة للحكم و الإفلات من العقاب و مصادرة ريع فساد 30 عام من الحكم الشمولي الفاسد. إنخراط منسوبو الدفاع الشعبي، وحدة عمليات جهاز الأمن و المخابرات الوطني و كتيبة البراء في الحرب في جانب الجيش يقف أكبر دليل علي أن الحرب هي حرب الحركة الإسلامية ضد قوات الدعم السريع. إستخدام البرهان و جوقة عناصر اللجنة الأمنية لعبارة "حرب الكرامة" التي قال به المجرم الهارب احمد هارون دليل آخر. كما اورد راشد عبد القادر
https://www.alrakoba.net/author/user1081/
عملت الحركة الإسلامية منذ إنقلابها تحت مسمي الجبهة القومية اللإسلامية علي تحطيم الجيش خوفا من الإنقلاب علي سلطتهم الهشة و كان أحد أهم التكتيكات المستخدمة إستبدال الجيش بقوات بديلة أو رديفة و تشكيلات عسكرية موالية للإسلاميين. الدفاع الشعبي و الأمن الشعبي و الدعم السريع و غيرهم من المنظمات العسكرية وجودها فقط يدل علي عدم ثقة الحركة الإسلامية حينها في الجيش بالرغم من إخلائهم للجيش خلال فترة حكمهم من العناصر المناوئة او غير الموثوق بها. التكتيك الثاني و هو الأخطر تحويل الجيش إلي منظمة إقنصادية سيطرت في النهاية علي معظم مداخل و مخارج الإقتصاد الوطني . لماذا كان هذا التكتيك هو الأخطر؟ ببساطة لأنه خلق فئة من الرأسمالية الطفيلية الجديدة التي تحولت في النهاية لرأسمالية طفيلية ناهبة اللموارد و بأئعة لتراب و ماء و سماء و إنسان الوطن بأبخث الأثمان يمكننا أن نسميها الفئة الكليبتوقراطية. تضيق مصالح هذه الفئة الجديدة مع مرور الوقت و تضربها نتيجة لضيق المصالح الإنشقاقات و كان آخرها حرب 15 ابريل المشؤومة. هذه الحرب إنقسام تناحري من العيار الثقيل بين فئات الرسمالية الطفيلية الجديدة المعسكرة.
من الأفضل أن نطلق علي أمثال علي كرتي و اسامة عبد و احمد هارون و البرهان و ياسر العطا لفظة الكيزان "الكيزان" ببساطة لأن ما يوجد الآن من حركة إسلامية يختلف عن المؤتمر الوطني و الجبهة القومية الإسلامية و ليس من دليل أكبر علي الخلافات بين الكيزان من وجود حزب المؤتمر الشعبي الذي لم يرث تنظيم الأخوان المسلمين بل يقف علي الضد معه. الكيزان أنفسهم منقسمون علي حسب المصالح و الطموحات السياسية .
لم تواجه القوي السياسية المدنية و النقابات و الاتحادات المهنية و منظمات المجتمع المدني في السودان منذ نشأتها سلطة حاكمة معسكرة بهذه الطريقة لذلك فشلت في الإستفادة من إنقسام معسكر السلطة الحاكم او اللجنة الأمنية لنظام البشير.
نازل مؤتمر الخريجين قوي استعمارية باطشة كانت وحدها تحوز السلاح و تمتلكه. إستخدم مؤتمر الخريجين الأساليب السلمية في النزال من أجل الإستقلال. نازلت القوي الديمقراطية نظام عبود بالأساليب السلمية و كذلك نظام النميري و حتي نظام عمر عمر البشير. كانت بالفعل هنالك حركات مسلحة مثل ثورة 1924م. للحركات المسلحة في الجنوب قصة مختلفة ترتبط بممارسات الحركة الوطنية السياسية و الثقتفية من أجل الإستقلال و ميراث الإحتلال الإقتصادي و هذا صراع مفهوم في حدود الصراعات الإقتصادية في حقبة الرأسمالية و كانت نتيجة هذه الصراعات إنفضال الجنوب في 2011م عبر حروب مدمرة دفع تكلفتها مواطن الجنوب بصورة أساسية و مواطنو الشمال بصفة ثانوية. و كانت هنالك مآثر السلطان عجبنا العسكرية في جبال النوبة. و حركات دارفور و الصراع المرتبط بالجفاف و التصحر حول موارد الماء و الكلأ الذي يقرأه الكل بطرائق مختلفة. ما يميز الحركات المسلحة السودانية أنها تنازل الجيش و تذهب للسلام مع نظام الحكم العسكري و تقتسم معه السلطة و تحوز قياداتها علي مكاسب مادية من صفقات السلام تلك. تقف اتفاقية الميرغني قرنق و كوكادام كمبادرات مدنية مع مسلحين إقليميون و لم تمضي للنجاح المرجو.
فائدة القول أن القوي المدنية لم تواجه حرب شاملة (جغرافيا) غير هذه المرة كانت الحروب السابقة متركزة في أقاليم سودانية محددة. يبدو أن القوي المدنية تتلمس طريقها في التعامل مع هذا الواقع الجديد الذي انقسمت فيه اللجنة الأمنية إنقساما عنيفا و مسلحا .
https://www.medameek.com/?p=137685
كما تفضل الصديق احمد عثمان عمر في مقاله الأخير فقد أجمل المشروعات السياسية الحاصة الآن في ثلاثة مشاريع و هي قوي التسوية (تقدم) و مشروع التغيير الجذري و الحركة الإسلامية. أختلف مع أحمد عثمان في هذا التقسيم و أقول أن المشروعان السياسيان الحاصلان الآن هما تيار القوي المدنية الديمقراطية المتبنية لشعارات الثورة و تيارالرأسمالية الطفيلية المعسكرة او الكليبتوقراطية.
تيار القوي المدنية المتبنية لشعارات ثورة ديسمبر 2018م. تضرب الإنقسامات السياسية هذا التيار و لكنها لا تفقده طبيعته المدنية و الديمقراطية تنحصر الخلافات بين هذه القوي في كيفية إدارة علاقات السودان الخارجية بما يشمل الإقتصاد و مصادر التمويل لمشروعات التنمية المرجوة. و خلاف آخر مضخم و هو في التعاطي مع عملية إيقاف الحرب هل يتم ذلك عبر مراكمة النضالات السلمية المفضية لعزل الدعم السريع و الجيش و تجفيف موارد تمويلهم و إجبارهم علي اسكات السلاح و هو طريق طويل و شاق ( التغيير الجذري) و الطريق الثاني و هو عبر التفاوض مع طرفي الصراع العسكري الدعم السريع و الجيش دون وعدهما بالمشاركة السياسية مستقبلا (تقدم). هذه الخلافات ليست جوهرية لكنها في طرائق و أساليب العمل من أجل من نفس الهدف. كما هو معروف لا يمكن الوصول للسلام و وقف الحرب دون إتفاق الدعم السريع و الجيش و هذا اتفاق يخصهما فقط و يتكون من شقين و هما إتفاق الترتيبات الأمنية أولا ثم إتفاق إطلاق النار و عمليات المراقبة المحلية والدولية و ضرةر وجود قوات دولية عازلة و حافظة للسلام . من سيحمل الطرفان علي وقف الحرب هو ليس القوي المدنية بل المجتمع الدولي و الإقليمي الذي هو نفسه مسؤول عن قوات حفظ السلام .
حدوث الإتفاق يعني أن تستلم السلطة القوي المدنية التي يجب أن تكون متوحدة حول أهداف سياسية محددة و هي كتابة مسودة دستور تجيزها جمعية تأسيسية منتخبة. طرد عناصر الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني و جميع لافتاتهما من جهز الدولة بما يشمل القطاع الأمني و العسكري . بناء سلطة قضائية من عناصر غير منتمية لنظام الكيزان و كذلك النيابة. الإتفاق علي أن المحاسبة و بقية مطالب الثورة يتم إرجاؤها للحكومة الديمقراطية القادمة و جمعيتها التأسيسية. و لا يفوتكم أن واحدة من أسباب فشل الفترة الإنتقالية هو إثقتال كاهلها بالمطالب و التكاليف.
طه جعفر الخليفة
اونتاريو- كندا
6 يناير 2024م

taha.e.taha@gmail.com

 

آراء