لماذا يكجن الرئيس مرسي الرئيس البشير ؟
لماذا يعني انتصار مرسي نهاية البشير؟ لماذا رفض مرسي الرد على مكالمة البشير؟
Tharwat20042004@yahoo.com
مقدمة !
في مقالة سابقة ، استعرضنا بعضا من الأمور التي تشي بتغيير شاخص وملموس وايجابي في مسيرة وكفاح الشعب السوداني للإطاحة بنظام الإنقاذ! ونواصل في هذه المقالة استعراضنا للوضع الحالي في بلاد السودان في خمس5 نقاط كما يلي :
أولا :
في يوم الأثنين 26 يونيو 1995 ، تمت محاولة فاشلة لإغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا عند حضوره للمشاركة في مؤتمر قمة أفريقي ! اتهمت مصر نظام الإنقاذ بالتدبير لعملية الإغتيال وذلك بتجنيد ارهابيين متشددين من تنظيم الجماعة الإسلامية المصرية !
حدثت جفوة مستعرة بين النظامين في مصر والسودان استمرت لسنوات ! كان نظام مبارك من السعر والهياج بحيث لم يفرق في اتهاماته بين الجماعة الإسلامية المتشددة وحركة الأخوان المسلمين في مصر !
وعليه فقد مثل العام 1995 ذروة الصدام بين نظام مبارك وجماعة الأخوان المسلمين ! وقبل أيام من فتح باب الترشح لإنتخابات برلمانية جرت في ذلك العام ، ألقى نظام مبارك القبض على أعضاء مجلس شورى الأخوان أثناء خروجهم من اجتماع عقدوه في مقر مجلة الدعوة وسط القاهرة !
وحكمت بعدها محكمة عسكرية بالسجن مع الشغل لسنوات طويلة على 83 من أبرز رموز الجماعة ، من بينهم الدكتور محمد مرسي !
في نوفمبر من عام 1995 دخل الدكتور مرسي للسجن ( لا ايده ولا كراعه ) ، ونتيجة لمؤامرات نظام الإنقاذ!
غفر وصفح الدكتور مرسي فعائل النظام السوداني ولكنه لم ولن ينس !
حاول الرئيس البشير الإتصال تلفونيا بالرئيس مرسي لتهنئته ، ولكن الرئيس مرسي لم يرد على المكالمة ( نسبة لمشغولياته ؟ ) ؛ مثلما حدث مع نتن يا هو عندما حاول الإتصال به تلفونيا لتهنئته ! بعدها أرسل الرئيس البشير تهنئة مكتوبة ، رد عليها الرئيس مرسي ردا بروتوكوليا يدابر رسالته الحبية والضافية على تهنئة السيد الإمام له ... الرسالة التي قال فيها ، كما ذكرنا في مقالة سابقة :
( أنني جئت الى السلطة عبر ثورة ! ولا يمكن لي التضامن مع أي ظالم يقهر شعبه ! وأنني مع الشعب السوداني في تحقيق تطلعاته ، مثلما حققنا تطلعاتنا ) !
هل عرفت السبب لتكجين الرئيس مرسي للرئيس البشير وزبانيته ، ليبطل عجبك ؟
ثانيا :
في هذا السياق ، يحكي لك الأستاذ عباس محمود العقاد قصة الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان !
قبل تسلمه الحكم كان عبدالملك بن مروان معروفاً بتدينه وتقواه وإلتزامه العبادة والصلاة حتى وُصف بأنه حمامة المسجد ! وعندما جاء خبر وفاة أبيه وانتقال الحكم إليه ، كان المصحف في حجره ؛ فأطبقه وقال قولته المشهورة:
( هذا آخر العهد بك ) !
في سنوات حكمه تحول الخليفة عبدالملك من حمامة مسجد الى وحش سياسي، وأصبح كائنا آخر!
قد يُقال الكثير في تحليل وفهم تحول الخليفة عبدالملك ، وربما مستقبلا الرئيس مرسي ، من طور اليوتوبيا النظرية البحتة الى طور الواقعية العقلانية والبراغماتية!
ولكن ، وحاليا ، دعنا نمسك الرئيس مرسي من لسانه ، ونرى فيما بعد إن كان سيفي بوعده بخصوص دعمه لإنتفاضة الشعب السوداني السلمية ، أم يحاكي الخليفة عبد الملك بن مروان في تحوله من الضد الى عكسه !
يفعل الرئيس مرسي خيرا ، حتى إذا امتنع عن التدخل الإيجابي في الشان السوداني واكتفى بالتفرج !
ونتمنى ألا يقتفي أثر زميله السابق عبدالناصر ، ويرسل لبلادنا صلاح سالم ثان حاملا الحقائب المملؤة بالكاش لشراء ذمم ساسة السودان الرخوين !
أو يتمثل بزميله السابق السادات ويرسل حسني مبارك ثان يقصف بطائراته الحربية وقنابله حشود الأنصار المسالمة في الجزيرة أبا !
أو يحاكي زميله السابق حسني مبارك ، ويصير داعما لنظام الإنقاذ طوعا او كرها ضد أي تحول ديمقراطي في بلاد السودان !
نتمنى أن لا يصير مطية في أيادي الصهاينة والأمريكان كسلفه حين أرسلوه للخرطوم لإقناع البشير بقبول اجراء استفتاء مخجوج في الجنوب ، وانفصال سلس وهادئ !
نتمنى أن يصير السودان خلال فترته ملفا دبلوماسيا يتبع لوزارة الخارجية ، وليس ملفا أمنيا يتبع لجهاز الإستخبارات المصري !
لا نطلب من الرئيس مرسي أكثر من ايقاف بعض الممارسات السلبية ، التي كانت سائدة في عصور الرؤساء الذين سبقوه !
ثالثا !
إن ذروة الإنتصار التي حققها الرئيس مرسي وجماعته ( الأخوان المسلمون ) في مصر ، في هذه اللحظة التاريخية في المنطقة ستكون بداية النهاية للأيديولوجيا الإسلامية المتطرفة كما عرفناها في بلاد السودان !
سنرى في مصر ، ومن بعدها في السودان ، بقية الدول العربية والإسلامية ، ذوبان هذه الأيديولوجيا في بوتقة الواقع والبراغماتية طوعاً أو كرهاً !
سوف يختفي شعار ( الإسلام هو الحل ) ، ليحل محله شعار ( الديمقراطية هي الحل ) !
كلما تعامل نظام الإنقاذ مع الواقع السوداني وتعقيداته ، منطلقاً من تطبيق الديمقراطية كمرجعية حصرية في احداث التغيير ، وليس من عنجهية وتكبر وصلف واقصائية الأيديولوجيا الإسلاموية الحادة ، كلما أصاب حظاً أوفر من النجاح في اخراج البلاد من كوارثها الحالية !
بسبب أهمية مصر ومركزيتها ، ولأن حركة الأخوان المسلمين هي التنظيم المؤسس ، وأم الحركات الإسلامية ؛ من أجل ذلك فإن وصول الأخوان الى الحكم بعد ثورة 25 يناير ، يشكل منعطفاً تاريخياً بكل ما في الكلمة من معانى ! وسيكون لتجربتهم السياسية وتطبيقاتها ونتائجها وما تؤول إليه ، أكبر الأثر على كل قوى الإسلام السياسي في المنطقة، وخاصة في السودان !
والسؤال الكبير فكرياً وسياسياً، هو في ما إن كان وصول الرئيس مرسي لكرسي الحكم في مصر عن طريق صندوق الإنتخابات ، سيشكل بداية العقلنة لأيديولوجيا نظام الإنقاذ الإسلاموي ، وبالتالي نزوله الى أرض الواقع واندراجه في مسارات براغماتية وواقعية وتحالفية ، وقبوله بمصالحة وطنية حقيقية ، وانتخابات حرة وشفافة ونزيهة وليست على نمط انتخابات أبريل 2011 المخجوجة !
آن الأوان ، بعد انتصار الرئيس مرسي الديمقراطي ، لإيقاف لعبة الفأر والفيل ، وبيع الترماجات ! آن الأوان لعدم الوقوع في إغراء تصلب الأيديولوجيا ، ومحاولة فرضها على المجتمع السوداني ، والظن بإمكان صوغ الواقع السوداني وفق افتراضات خاطئة ومتطرفة عفى عليها الزمن ؟
آن الأوان لقفل باب التعامل مع المواطن السوداني كقاصر لم يبلغ سن الرشد ، ويحتاج لمن يتخذ القرار بالنيابة عنه والحجر عليه وحجب أشعة الشمس عنه وتجويعه لتركيعه ! هذه صفحة نأمل أن تكون قد طويت إلى الأبد !
الشعب السوداني معتاد على ممارسة الديموقراطية بشكلها الصحيح ، رغم 23 سنة من والتشويه والتدليس باسم الدين!
رابعا !
سمعنا أن السيد الإمام أرسل رسالة تهنئة للرئيس مرسي ، ورد عليها الرئيس مرسي بأحسن منها ، كما هو مذكور أعلاه ! ولكن لم نسمع بعد أن مولانا الحسيب النسيب الميرغني قد أرسل رسالة تهنئة ، رغم قربه التاريخي من المصريين !ولم ندري لذلك سببا ... حمدو في بطنو ؟
ولكن استغربنا عندما قرأنا في جريدة الوطن المصرية أن السيد جعفر الصادق ، مساعد رئيس الجمهورية ، والرجل الرابع في بلاد السودان قد وصل مطار القاهرة صباح الأحد 1 يوليو 2012 ، في زيارة رسمية لمصر ، لمناقشة الأوضاع الحالية في السودان مع الإدارة الجديدة في مصر ! استغربنا لأن مصر الجديدة لم ترسل مسئولا كما يقضي بذلك البروتوكول لإستقبال السيد جعفر في المطار ، دعك من اعتبار العلاقات الحبية بين الشعبين ! استغربنا لأن مدير أمن مطار القاهرة ، المتواجد بحكم عمله بالمطار كان في استقبال السيد جعفر ! وطبلت الأبواق الإعلامية بأن قاعة كبار الزوار في مطار القاهرة قد تم فتحها لإستقبال سيادته ! وكأن الأصل أن يترك ليمر كباقي المسافرين العاديين !
ولكن السيد جعفر لم يشعر بأي تقصير من جانب الإدارة الجديدة في مصر بشأن استقباله ، كونه من طاقم الرئاسة في السودان ! فعندما تلفن مولانا الميرغني ، حفظه الله ، لإبنه ليطمئن على حسن استقباله ، رد السيد جعفر مطمئنا والده :
والله يا بابا جابو لي بيبسي بارد ، وما قصروا معاي ؟
في هذا السياق ، دعني أحكي لكم نكتة أخرى نقلتها من جريدة الوطن ، تقول القصة وهي حقيقية :
في آخر اجتماع للمكتب السياسي ( الأحد 24 يونيو 2012 ) ، لتقييم مشاركة الحزب في الحكومة العريضة ، دافع الجميع عن الإستمرار في المشاركة في الحكومة الرشيقة ، وختم القول الحسيب النسيب جعفر الصادق ، مساعد رئيس الجمهورية ، الذي اختزل المداولات مخاطبا والده مولانا الميرغني :
يا بابا انت أديت كلمة لعمو عمر ، والراجل بمسكوهو من أضانو ؟
هذا هو حال الحزب الإتحادي الديمقراطي ( الأصل ) ، أو كما يسخر منه الرئيس البشير !
خامسا :
من التغيرات الجديدة على الساحة السودانية ، نضوب مورد النفط ، بعد انفصال دولة الجنوب ، وزوال أكثر من 3 ألف برميل نفط كل يوم ، كانت تدر على نظام الإنقاذ أكثر من 90% من إيراداته الدولارية !
تمتع نظام الإنقاذ بوجود مورد النفط الذي استطاع أن يتحكم عبره في المجتمع السوداني ويطبق سيطرته عليه وفق نمط الدولة الريعية ! اشتري نظام الإنقاذ بعض ساسة السودان بمال النفط ، ونجح في تفتيت معظم الأحزاب السودانية وبعض الحركات المعارضة الحاملة للسلاح !
واشترى بذهب النفط أفتك الأسلحة الحديثة وطائرات الأنتونوف ، وملاحيها من المرتزقة الأوكرانيين ! الأمر الذي مكنه من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، وجرائم حرب ضد شعبه في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان !
بعد ظهور ذهب النفط ، صار الشعار المرفوع ( كشكش تسلم ) ! وسمعنا بالأحزاب الدقيرية ، والمسارية ، والنهارية ، وما رحم ربك ، من أحزاب البترول !
ساعدت أموال النفط الإنقاذ في استمرار نظامها الإقصائي ، الذي لا يحتاج الى الآخرين في الساحة المحلية !
وبعد نضوبه واختفاء أكثر من 90% من ايراداته الدولارية ، تاوق الرئيس البشير من شباك قصره ، فرأى وسمع ما أذهله !
رأى جموع الشعب السوداني تتجمع في القرى والحضر وهي تهتف :
( نريد اسقاط النظام ) !
أيقن الرئيس البشير أن النهاية آتية لا محال ورأى سجون لاهاي رأي العين وطفق يهذي :
شذاذ آفاق ! شذاذ آفاق !
ورد الشعب السوداني بأن جمعة 6 يوليو 2012 سوف تكون جمعة ( شذاذ الأفاق
)!
وبدأت العجلة في الدوران !