لمحة من نفاق الكيزان وأذنابهم: هذا هو ترك

 


 

 

(1)
في يوم 29 يناير2005 خرج المئات من شباب البجا في تظاهرة سلمية، بأحياء مدينة بورتسودان؛ للمطالبة بمفاوضات سلمية لوقف القتال على الجبهة الشرقية، أسوة بما حدث من تفاوض في نيفاشا وغيره، وغاية التظاهرة هي الضغط على نظام المؤتمر الوطني لحل مشاكل التهميش والتنمية.
نظام المؤتمر الوطني، لم يفكر مجرد التفكير في الاستماع لمطالب الشباب، أو السماح لهم بممارسة حقهم في التعبير السلمي المكفول بالدستور والمواثيق الدولية، واختار النظام واحدة من طرائقه المتوحشة بالانقضاض على التظاهرة، فأطلق الرصاص الحي عليها، وفي الحال سقط أكثر من (22) شهيداً، وعشرات المصابين، ولم يفرق الرصاص بين شاب وطفل وكهل، ليكتب التاريخ سنتئذٍ بقلم أسود فصلاً جديداً من الجرائم ضد الإنسانية.

(2)
سيد محمد الأمين ترك الذي يقود الحراك الحالي، يوم وقعت الواقعة، كان جزءاً من حزب المؤتمر الوطني، ورمزاً من رموزه في شرق السودان، بينما من بني جلدته، فاختار الصمت لصالح الحزب، ولم يحرك ساكناً، واتَّسمت مواقفه بالسلبية.
– لم يأمر ترك، مناصريه – رغم فداحة المصاب بإغلاق الطرق أو الموانئ والمطارات وخط السكة حديد وأنبوب النفط، ولم يغضب كما يغضب الآن، لمجرد أن وصلت لمسامعه راوية مشكوك في صحتها، برغبة المدنيين في العسكر للتصدي للحراك الحالي، بل لوح باستخدام آلاف المتدربين على حمل السلاح، لصد أي هجوم محتمل، والسؤال هو: لماذا لم يحركهم حينما سقط شهداء مجزرة 2005؟
– لم يطالب ترك بعد وقوع المجزرة، بحل حكومة المخلوع عمر البشير، ولا بإعفاء مدير جهاز الأمن والمخابرات وقتها الفريق صلاح قوش، بمثل ما ينادي الآن، بحل كل كل أجهزة الحكم، عدا المكون العسكري.
– لم يغسل يديه من الانتماء لنظام وحزب انتهك حرمة دماء أهله، واقتحم المنازل الآمنة، حيث ظل الرجل وفياً لحزبه حتى سقوطه المدوي قبل عامين.
– لم يدعم ترك جهود الطلاب والشباب والقانونيين الهادفة لتحريك دعوى جنائية ضد مرتكبي المجزرة، لأن النظام رفض ولو تدوين بلاغ في أضابير النيابة في سبيل محاكمة القتلة، لكن تلك الجهود نجحت في استصدار حكم من المحكمة الدستورية في العام 2015 أي بعد 10 أعوام من الحادثة، يثبت حق ذوي الضحايا في تحريك إجراءات قانونية، وبعدها لم تتحرك تلك الإجراءات قيد أنملة، وانتظر أهالي الشهداء عدالة السماء، لإصرار النظام على التستر على الجريمة، استهتاراً بدماء السودانيين، خاصة أبناء الهامش.

(3)
درج شباب البجا واتحاداتهم، على تنظيم احتفال سنوي بميدان الحرية، حيث قتل الشهداء، والمؤسف أن سيد محمد الأمين ترك، لم يجرؤ في أي عام من الأعوام على حضور واحدة من الفعاليات المقامة رغم أنف النظام المخلوع، ويدفع منظموها ثمن تنظيمها، اعتقالاً وتعذيباً.

(4)
خرجت التظاهرات ضد نظام البشير في العام 2018، واعتقل عشرات من أبناء شرق السودان في بورتسودان، وقُتل من قتل في القضارف، وفي ولاية كسلا، وقعت أسوأ وأفظع جريمة قتل وتعذيب بحق واحد من أبناء الإقليم، الأستاذ أحمد الخير، وحدث كل ذلك ولم نسمع صوتاً لمحمد الأمين ترك، أو ردة فعل على ما تعرض له ثوار الإقليم، ومن العجيب أنه يتحدث هذه الأيام عن عظمة الثورة.

(5)
سقط نظام المخلوع، وتحرك الرجل، يميناً ويساراً، وجمع جملة من المطالب الخاصة بشرق السودان، واجتمع البعض حوله، ولم يفكر ترك، في أي لحظة من اللحظات، في جعل بند العدالة لشهداء مجزرة بورتسودان ضمن قائمة مطالبه ومطالب شعب الإقليم، ربما لأنه يعلم علم اليقين أن العدالة ستجرد الحزب المحلول، وتعريه أكثر من أي مشروعية أخلاقية في المستقبل، وهو أمر- كما يتضح- لا يرغب فيه ترك، بدليل موقفه من لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو التي “هبشت” قيادات النظام بالبحر الأحمر، فبادر للدفاع عنهم، واعترض مع مجموعته عمل اللجنة في البحر الأحمر، ووصل به الحال إلى تبني مقترحات بحل اللجنة.

(6)
بعيداً عن مجزرة بورتسودان ولجنة التفكيك، فطوال نظام الإنقاذ، ووجود ترك في أجهزته السياسية والتشريعية، لم يقدم سيد محمد الأمين ترك، شيئاً لقضية شرق السودان، يوازي ثقله القبلي والاجتماعي الذي ظهربه الآن، وصمت في تلك السنوات عن كل أشكال الإقصاء والتهميش السياسي والتنموي، والشاهد حالة الخراب التي يعيش فيها الإقليم بعد 30 عاماً من الحكم.

(7)
ما ذهبنا إليه أمس واليوم، لا يعني مطلقاً عدم عدالة قضايا شرق السودان، ولا يعفي الحكومة الحالية بشقيها العسكري والمدني من مسؤولية فشلها في إدارة الأزمة، وتكرار التجربة المركزية في التعاطي مع ملفات المناطق المهمشة، عدا وقوعها في خطأ تاريخي بالتوقيع على مسار الشرق، بعيداً عن كل أصحاب المصلحة والمكونات السياسية والمجتمعية، ولا اعتراض ندونه على مطلب ذهاب الحكومة بالاستقالة أو الإقالة، بسبب تلك الأخطاء والفشل، لكن ما نوقن به، أن سيد محمد الأمين ترك، غير مؤتمن وغير مؤهل للحديث عن قضايا الشرق وإنسانه، لأن أجندته بعيدة كل البعد عن ذلك، وهي خليط من أجندة ذاتية، وأخرى فلولية، مع صك مجاني يريد ترك منحه للعسكر لتصدر المشهد السياسي في السودان.

 

 

آراء