لمصر وللذين يحبونها من طرفٍ واحد!

 


 

 

لمصر وللذين يحبونها من طرفٍ واحد!

(1)

عندما أشعر جبران خليل جبران قديماً :

ظللتُ لمصر وسودانها  .. على العهد في كل حالٍ مقيما
أينسى بنو العُرب في كل نادٍ .. نصيرهم أريحي الكريما

نعجب  نحن كيف انتشرت فرية  ملكية  مصر للسودان حتى صعدت منصة الشِعر . أي ضيم يصيبنا من  ثوب العبودية  وتاريخ الافتراء  الذي يكتبه المثقفون إنابة عن السياسيين !
(2)

لن نقُل كما قال أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي ( المتنبي ) في هجائه :

إني نَزلتُ بكَذَابينَ ، ضيفُهُمُ .. عن القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدودُ
جودُ الرّجالُ من الأيدي وَ جودُهُمُ .. منَ اللسانِ فَلا كانوا ولا الجُودُ
نامَتْ نواطيرُ مِصرٍ عن ثَعَالِبِها .. فَقَدْ بَشِمْنَ و ما تُفنَى العَناقيدُ

ولكن وطننا هو القصعة التي تقاتل عليها أبناؤه ، ومصرُ تُجهز لهم في الباطن مثل حملات " محمد علي الكبير " : تطلبُ الماء والرجال والذهب ، وهذه تطلب النيل والأرض ، في وطنٍ صار الأعز فيه الأذل . لا يلتفت القوي أو المُخادِع إلا ليستأثر بالقصعة لنفسه ، في حين مصر تُجهز عدة القتال في السِّر ، ليست للدولة الصهيونية التي قصمت ظهرها في الماضي ، بل لقصعة السودان ، التي ساد فيها من لا يستحق ، ونامت نواطير بلدنا عن ثعالبها . وهو البيت الشِعري الذي يصحُ في بلدٍ تكالب القلة من أهله بالضغينة السوداء ، ونشروا سُمهم بين الأهل والأقربين ، فخرج بعض أهلنا من بلد كانت" تكسو الكعبة المشرفة " إلى بلد اغتصبته الصهاينة ولم تزل ، وبنت اغتصابها الأول من وُريقة وعد بها وزير خارجية بريطانيا" بلفور" أن يهب لهم أرض غيرهم لتكُن وطن قومياً لليهود " من لا يملك يهب لمن لا يستحق!! .
وابتنى الصهاينة منها أساس الاستعمار الاستيطاني الذي لم تستطع مؤسسات العالم المُجتمعية ، والقانون الدولي أن يُحرك ساكناً لقول الحق ، في حين ينسكُب الموت على العُزل والمغلوبين على أمرهم عقوداً من الزمان ، والعالم
الحُر صامت !!.

تلك العصبة هي التي احتلت مصر وأراضيها ، وبقيت تُنازعها آخر الأمر أرضاً صغيرة تبقت كانت في منطقة " طابا" ، لم تُعينها إلا دار الوثائق القديمة في الخرطوم برئاسة دكتور إبراهيم أبو سليم، ذلك القيّم على التوثيق في بلد اعتاد أهله تدمير وثائقهم بالجهل حيناً وبسوء النية أحياناً كثيرة !! .
تلك الأرض السودانية الخيرة بأهلها هي التي سندت مصر في أيامٍ جفل عنها الجميع جفولهم عن المجزوم ، حين وقّعت اتفاقية : "كامب ديفيد " عام 1979م مع الصهاينة دون مشورة أحد ! . وإنها لحسرة ، إذ لم يقف معها سنداً إلا سلطة السودان في ذاك الزمان
(3)
عند الخلاف على منطقة "حلايب "، وطلب السودان التحكيم الدولي ورفضت مصر . أودع السودان مستنداته الخاصة بالقضية لدى المنظمة الدولية منذ أيام رئيس الوزراء محمد أحمد محجوب ولم تزل إلى اليوم تنتظر التحريك . والحق في حاجة لجسارة الوقوف في وجه مصر .
(4)
بعد أن أسهم القابضون على السلطة في السودان في الإعداد اللوجستي لمحاولة اغتيال حاكم مصر السابق " حسني مبارك " في أديس أبابا ، وفق اعتراف دكتور الترابي في لقائه مع الجزيرة الفضائية 2007 م ، قامت مصر باحتلال منطقة "حلايب" كثمن للجريمة ، ولم تحرك السلطة القابضة على الحكم في السودان ساكناً .
احتلت مصر أرضاً تبلغ  مساحتها ( 20680 ) كيلومتراً مربعاً  وتُطل على البحر الأحمر ، وهي تعادل المساحة المجتمعة لكل من : { لبنان (10400) كيلو متر مربع  + بروناي (5770) كيلو متر مربع  + جزر القُمر( 2170 ) كيلو متر مربع + موريشيوس(2040 )  كيلو متر مربع + جزر المالديف (300 )  كيلومتر مربع}، وتوقف عقد التنقيب عن البترول في منطقة البحر الأحمر قرب سواحل "حلايب ".
(5)
رفضت مصر إجراء انتخابات في منطقة حلايب في أبريل 2010 في السودان ، وتم ضم المنطقة وأجرت فيها مصر  انتخابات ديسمبر 2011 م وتم تسميتها بمحافظة البحر الأحمر !
كل ما سمعناه من مستشار رئيس الحكم في السودان أن منطقة حلايب سوف تكون منطقة " تكامل " بين البلدين ! ، في حين صرحت مصر بكافة مسئوليها أن " حلايب " أرضاً  مصرية وغير قابلة للحوار بشأنها !!.
(6)
نذكِّر هنا  بمقال كتبه "مصطفى كامل " في يوم 20 يناير سنة 1900 ، بعد مرور عام على اتفاقية الحكم الثنائي  التي أعدها اللورد كرمر ووقعتها مصر كارهة عام  (1899 ) ، نقتطف منه ما أورده الدكتور " مكي شبيكة " في سِفره " السودان عبر القرون " و نعرف كيف يمارس أهل مصر ومثقفوها وعلى رأسهم " مصطفى كامل " في أوائل القرن المكافئ الحقيقي للحب الذي يبذله حكام السودان دون ثمن :

( ...أجل كان الأمس تذكار المصيبة الكبرى والداهية الدهماء التي انزلها وزراء مصر وساسة بريطانيا على أمتنا الأسيفة من سماء عدالتهم وإنصافهم . فإن كان لكم معاشر المصريين شعور وإحساس فتذكروا هذه الحادثة تذكُر الأحياء ، واعتقدوا أن حقوقكم في السودان مقدسة ، وأن كل المعاهدات والاتفاقيات لا تميت هذه الحقوق أبداً ، وعلموا أبناءكم معنى هذه الحقوق المقدسة ليطالبوا بها كباراً ، أو يحافظوا عليها إن استرجعتموها أنتم .تذكروا معاشر المصريين أن إخوتكم في الوطن والدين أهرقت دماءهم العزيزة في سبيل استرداد السودان . تذكروا معاشر المصريين أن أرض السودان رويت بدمائكم وصرفت فيها أموالكم وسلبتكم أشد الرجال وأعز الأبناء . تذكروا معاشر المصريين أن مصر لا حياة لها بغير السودان وأن القابض على منابع النيل قابض على أرواحكم . تذكروا معاشر المصريين أن ضياع السودان ضياع لمصر ، وأنكم بغير السودان فاقدون الحياة . تذكروا معاشر المصريين أن اتفاقية السودان مخالفة لدستور البلاد وفرمانات جلالة السلطان الأعظم ومعاهدات الدول الأوروبية . تذكروا معاشر المصريين أن فرنسا لم تنس الألزاس واللورين إلى اليوم ، وقد مضى على انفصالهما ثلاثون عاماً ، وما حاجة فرنسا إليها كحاجة مصر إلى السودان ...)
(7)
سوف نغض الطرف عن نصرة الجنود السودانيين لجنود مصر عام 1924 م وقد غادروا إلى مصر وقد طردهم الإنجليز وسحبتهم مصر و دفع الشباب السودانيين دماءهم  محبة للهاربين !. فهذا ملف عن الحب المبذول بلا ثمن يحتاج  النبش  في باطن أرضه وتضاريسه !

(8)
سعت مصر الدولة للاتفاق مع نظام الحكم في السودان في سبعينات القرن الماضي ،الذي رضي أن يتم إنشاء " قناة جونقلي " بكلفة مشتركة بين السودان ومصر ، وذلك بغرض زيادة مياه النيل الذاهبة لمصر ، رغم التدمير الذي سوف تلحقه بالبيئة عند منطقة البحيرات : أرض ومياه وحيوانات وطيور وأسماك . ولم يوقف المشروع إلا الحركة الشعبية في حربها في المنطقة .
(9)
في الوقت الذي تشتكي القرى والمدائن في السودان أيام فيضان 1988 وأثره على ضفاف النيل في السودان ، كانت مصر وخبراؤها  يردون محبة حكام السودان فيحتفلون ببلوغ البحيرة خلف الخزان أعلى منسوب للمياه منذ تاريخ بناء السد العالي  !!!
(10)
ويفاجئنا في كل مرحلة الذين ننثر لهم المحبة  من طرف واحد وبلا ثمن "

كتبت جينا وليم : ( قال خبير الشئون السودانية الدكتور"مصطفى النشرتي "الأستاذ بجامعه العلوم والتكنولوجيا، إنه، أي أن الموضوع لقاء صحافي ، وعلى ضوئه صرح " الخبير ! " بما صرح . وهذا هو نص اللقاء معه نورده كما أوردته صحيفة " اليوم السابع " الالكترونية بتاريخ ى23/10) 2009 م كما هو بأخطاء اللغة وأخطاء المعلومات :
( دكتور " مصطفى النشرتي" خبير الشئون السودانية لـ"اليوم السابع": حدود مصر تاريخية فى "حلايب "و"شلاتين "وإذا أثارت السودان القضية فمن حقنا
المطالبة بـ"سواكن" في المحكمة الدولية

كتبت الصحافية المصرية جينا وليم :

قال خبير الشئون السودانية الدكتور"مصطفى النشرتي" الأستاذ بجامعه العلوم والتكنولوجيا، إنه إذا كانت الحكومة السودانية تطالب مصر بضم مثلث "حلايب"إلى الأرض السودانية، فإن من حق الحكومة المصرية استخدام الوسائل السلمية المشروعة لاستعادة إقليم سواكن وتوقيع معاهدة جديدة لحدود مصر والسودان.

وأوضح" النشرتي "أن من حق مصر اللجوء إلى إجراءات التحكيم الدولي لتحريك خط الحدود الجنوبية، بحيث يمتد خط الحدود إلى الجنوب حتى يلتقي مع الحدود الشمالية لإريتريا، وهذا يعنى ضم مدن "طوكر"، و"سواكن" و"بورتسودان " و"محمد قول "إلى الأراضي المصرية مع بقاء "كسلا "وعطبرة" و"أبو حمد" داخل نطاق الأراضي لسودانية .

وأضاف" النشرتي" أن سواكن كانت محافظة مصرية خاضعة للحكم المصري في عهد الخديوي إسماعيل، وكان أحمد ممتاز باشا محافظ السواكن أعد تقريرا عن الحالة التي عليها سواكن، وأرسله إلى الخديوي اشتكى فيه من عدم توافر المياه لري الأراضي الزراعية، وقد تمكن إسماعيل من حل هذه المشكلة ببناء خزانات لتجميع المياه من خور الثمانين المنسابة
إلى البحر الأحمر.

وأشاد "النشرتي" بموقف الرئيس" مبارك" من أزمة "حلايب"، عندما استطاع حسم النزاع عسكريا عام 1995، وقال: "نطالبه الآن باستعادة السيادة المصرية على "سواكن "والحفاظ على حقوق مصر التاريخية فيها التي تصل إلى 14 قرنا، وأن تطلب مصر رسمياً من "السودان" تسليمها" إقليم سواكن"، فإذا اعترضت يكون من حق الحكومة المصرية اتخاذ الإجراءات لاستعادة الإقليم سواكن سواء بالحسم العسكري أو التحكم الدولي
أو  المفاوضات.

وقال" النشرتي" إن الموقف المصري يعززه عدم وجود أي التزامات لمصر لرسم الحدود بين مصر والسودان، مشيرا إلى أنه يمكن تطبيق المبادئ نفسها التي استخدمتها مصر لحل مشكلة" طابا "عن طريق التحكيم، وتستطيع مصر الاستعانة بالخرائط التاريخية، وإعداد ملف يعرض على التحكيم الدولي،وبذلك يمكن استعادة سواكن.

وقال" النشرتي ": "بعد فتح محمد على للسودان كانت سواكن من شرق السودان خاضعة للحكم المصر وبعد الاحتلال الإنجليزي لمصر تمكنت إنجلترا من إجبار الحكومة المصرية على إخلاء السودان من الجيش المصري، وانسحب الجيش إلى حدود مصر الجنوبية قبل فتح "محمد على "للسودان. وكانت "حلايب "و"سواكن" و"النوبة" تحت السيادة المصرية طبقا للخرائط الموثقة وعندما أعيد فتح السودان عام 1899 تم توقيع اتفاقية الحكم الثنائي بين مصر وإنجلترا وفى ظل هذه الاتفاقية كانت سواكن خاضعة للحكم المصري، وتعهدت بريطانيا بحماية حقوق مصر التاريخية، ولكن سرعان ما عدلت بريطانيا عن سياستها في يوليو 1899، حيث تم إضافة ملحق إلى اتفاقية الحكم الثنائي يتم بموجبها ضم سواكن إلى السودان، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت سواكن أراض مصرية محتلة. وحذرت جريدة المؤيد المصريين من فرض حدود عند خط عرض 22 واقتطاع إقليم "حلايب"
و"سواكن" و"وادي حلفا "من الأراضي المصرية.

وطالب "النشرتي " بخلق رأى عام يدرك حقوق مصر التاريخية في" حلايب" و"سواكن "و"النوبة"، ووجه دكتور " النشرتي" الاتهام "لأحمد أبو الغيط "وزير الخارجية بالتقصير في الأمر، وقال إنه يعلم حقوق مصر التاريخية في سواكن، وعلى الرغم من ذلك لم يأخذ أي إجراء لاستعادة سواكن.)
(11)
نسمع عن الحب من طرف ٍ واحد ، حين نسمع عن تصريح أحد أصحاب السلطان وهو يمنح وفد مصري (100000 ) فدان زراعية في الولاية الشمالية ، أو أن هنالك اثنين مليون فدان في انتظار المصريين !!!!

(12)
متى تنتهي العلاقة الموتورة بالعصاب طوال العقود ،  و متى يظل الحب من طرفٍ واحد بين أنظمة السودان الانقلابية  ومصر الدولة؟. يبذلون محبتهم لمن لا يستحق ، ويهبون أرضاً لا يملكونها ،لِمنْ لا يستحقها .
متى تصبح العلاقات  متوازنة  ، ومتى تصبح المحبة  تبادل أنخابٍ مع الذين يعرفون قدرها و يعرفون عِظم الشراكة ومسئولياتها، ونعود أدراجنا للعلاقة السويّة بيننا والآخر ؟.

عبد الله الشقليني
17/12/ 2011 م

abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]

 

آراء