لمصلحة من تأمرت مصر لإسقاط الديمقراطية فى السودان ؟

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

( رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى )
( رب زدنى علما )
ماذا كسبت مصر من خسارة الديمقراطيه فى السودان ؟
إلى متى يكون سفراء مصر فى السودان ليسو دبلوماسيين
بل من المخابرات العامة ؟
ما أتفه البكاء على اللبن المسكوب !
إتصل بى كثير من الأعزاء القراء لإعادة نشر هذا المقال
وهآنذا أستجيب لرغبتهم .
من الصعب جدا أن يحظى سودانى بإعتراف مصرى يشهد له
بالنبوغ ، والتفوق إلا فى حالات نادرة عند صحوة الضمير
وأذكر تماما أيام الطلب يوم كنا طلابا فى قسم اللغة العربية
بجامعة القاهرة فرع الخرطوم لقد قال لنا أستاذنا الدكتور الفاضل / محمد كشك الذى كان يدرسنا العروض فى إعتراف مثير : أن أجمل وأندر كتاب قدمه للمكتبه العربية ، والمرجع الغنى للغاية هو كتاب البروفيسيور السودانى عبد الله الطيب
( المرشد إلى فهم أشعار العرب ) .
وكثيرا ما كان هو يستعين بالبروف / عبد الله الطيب عندما يجد إشكالات فى علم العروض فيتصل به على الفور
ويأتيه الرد حالا بحل المشكل ن والشئ بالشئ يذكر هنا نستشهد بشهادة المستشار الرئاسى للرئيس الأسبق حسنى مبارك عن أخطر واقعة سياسية غيرت مجرى الأحداث
فى السودان ألا ، وهى إنقلاب عمر البشير فى 30 يونيو
1989م ، والأمانة الصحفية ، والشفافية تستدعى أن ننقل
ما جاء بالنص على لسان الدكتور مصطفى الفقى فى كتابه
{ شخصيات على الطريق } ننقل الآتى نصه بالحرف الواحد
من صفحة207 قال : إبراهيم طه أيوب إنه وزير خارجية
السودان الذى إختارته الإنتفاضه الشعبية ضد الرئيس الأسبق
جعفر نميرى لكى يتولى ذلك المنصب فى فترة إنتقالية صعبة
ولقد ربطتنى به صلات طويلة منذ أن كنت فى مهمة
{ حامل حقيبة } فى شرق أفريقيا عام 1971م ، وإلتقيت به
فى مطار أديس أبابا ، وتعرفت عليه بإعتباره واحدا ممن نطلق
عليهم [ مجموعة بغداد ] الذين خدموا فى العراق فى مطلع الستينات وهم كوكبة من الدبلوماسيين المصريين اللامعين
الذين خدموا فى صدر شبابهم فى العراق بعد ثورته .
وكان إبراهيم طه أيوب هو زميلهم السودانى المحبوب الذى
يتحدثون عنه بمودة زائدة ، وتقدير كبير لذلك عندما إلتقيت به
لأول مرة كنت أعرف عنه الكثير وبدأنا نتحدث حول إنقلاب
عيدى أمين فى أوغندا والأثار الناجمة عنه ، والتوقعات المحتملة منه ثم مضت الأيام ، وتوالت الأعوام إلى أن إلتقيته
فى نهاية السبعينات من القرن الماضى عندما كان سفيرا لبلاده فى العاصمة الهندية ، وأنا مستشارا فى السفارة المصرية .
وأتذكر أول لقاء لنا هناك فى سينما السفارة الأمريكية بنيودلهى
التى كنا نلوذ إليها هربا من حرارة الجو ، وطلبا لبعض الوقت
المريح فى ظل رفاهية الحياة الأمريكية المختلفة كثيرا عن الحياة الصعبة فى الهند حينذاك ، وأذكر أنه قدم لى زوجته
الفاضلة السيدة هانم ، وبعض أبنائه ، وكبيرهم أنس ثم الإبنة
زحل فلما أبديت إستحسانا لإسمها لغرابته همست زوجتى
فى أذنى ضاحكة { يالك من منافق } إذ أن مدلول ذلك الإسم
فى السودان مقبول ، ومحبوب بإعتباره أحد الكواكب
فى الأجرام السماوية مثل فريق المريخ السودانى لكرة القدم
بينما دلالته فى مصر سلبية ففيها إشارة إلى وضع متدهور
وحالة سيئة .
ولقد توثقت علاقتى بذلك الرجل الذى يجمع من الصفات الرفيعة ما يثير الإعجاب ، ويستدعى الإحترام فقد بدأ حياته
يساريا ، وإرتبط بالشأن العام منذ شبابه ، وعمل فى السلك الدبلوماسى السودانى من أول السلم إلى نهايته ، وإتصف
دائما بالذكاء ، والصراحة والروح الساخرة إلى جانب الكفاءة
فى العمل ، والشعبية الواسعة فى أوساط السلك الدبلوماسى
وقد دعا الدبلوماسيين المسلمين إلى إفطاربمنزله بالعاصمة
الهندية وإتصل بى قائلا : إنه يريد منى الحضور مبكرا حتى
نتحدث فترة قبل موعد الإفطار ، وتوافد الضيوف ، وذهبت
إليه ، ورأيت فى صالون المنزل صورة كبيرة لرئيس السودان
أنذاك جعفر نميرى فقلت له :على سبيل المجاملة :
لقد مضى على الرجل فى حكم السودان أكثر من عقد
من الزمان ، والأمور تبدو أكثر إستقرارا من قبل فنظر إلى الصورة وقال : هذا حاكم سئ لا يماثله إلا معظم حكام العرب!
وأدهشتنى صراحته ، وعفويته ، ومنذ ذلك اليوم أدركت أننى
أمام صديق حقيقى ، وعلى الرغم من يساريته فإنه كان رافضا
بشدة لمحاولات عزل مصر عن أمتها العربية بعد توقيع إتفاقية
السلام مع إسرائيل لأنه كان مؤمنا ، ولا يزال بخصوصية
العلاقة بين شطرى وادى النيل مصر ن والسودان ، ولست
أنسى يوم مغادرته نيودلهى ، وكيف إحتشد المئات من الهنود
والعرب ، والأجانب يودعون رجلا أحبوه ، وإنسانا تتجلى فيه
صفات فريدة ، ودفء إنسانى يحتاجه البشر خصوصا إذا كنا
بعيدين عن أوطاننا ، وعندما كنت أعمل فى مؤسسة الرئاسة
حضر وفد سودانى رفيع المستوى لمقابلة رئيس مصر
وفوجئ الجميع فى الجلسة الرسمية بوزير خارجية السودان فى شوق زائد ومحبة واضحة لكى نتعانق أمام المصريين
والسودانيين ثم أتمشى معه فى ليل القاهرة على ضفاف نيلها
نلوك الذكريات ، ونتحدث فى شتى الموضوعات ، وإزدادت
علاقاتنا العائلية توثقا على مر السنين ، وأصبح أولاده
وكأنهم أولادى ، وقد إتصل بى إبنه العزيز أنس إبراهيم طه أيوب لكى يخطرنى أنه سوف يقترن بفتاة فلسطينية رائعة
تنتمى إلى أحد البيوتات العريقة ، وأنه يود أن يكون العرس
فى القاهرة ، وكان له ما أراد فإجتمعت مجموعة بغداد
من الدبلوماسيين المصريين ، وكلهم فى التقاعد الآن
وإنضممت إليهم صديقا لتلك الأسرة السودانية العزيزة
ورجلها المتميز إبراهيم طه أيوب الذى عاش سنوات فى روما
مسئولا فى إحدى المنظمات الدولية قبل أن يتقاعد هو الآخر
بعد أن جرى بنا قطار العمر ، وما زالت أصداء حديثه التيلفونى معى غداة قيام ثورة الإنقاذ فى الخرطوم
عام 1989م محذرا وموضحا ، وناصحا ، ولقد أثبتت لى الأيام
فيما بعد أن ذلك الصديق ثاقب النظرة شامل الرؤية واسع
الإطلاع . أه . { إنتهى النص }
وهكذا شهد شاهد من أهلها ، وليس شاهد عادى بل رئاسى
وما أتفه البكاء على اللبن المسكوب ، والسؤال الذى يطرح نفسه لمصلحة من تأمرت مصر لإسقاط الديمقراطية فى السودان ؟ ، والجدير بالذكر أن السيد السفير الشربينى
سفير مصر فى السودان يومذاك بعث ببرقية مستعجلة يوم نجاح إنقلاب البشير إلى الرئيس مبارك ، وقال له : أولادنا نجحوا ، وكان واضحا أن مصر كانت تخطط لإنقلاب عسكرى فى السودان للإطاحة بالحكومة الديمقراطية الشرعية
برئاسة السيد الصادق المهدى فكانت كل الصحف المصرية
الأهرام ، والأخبار وأخبار اليوم تتحدث عن إنقلاب وشيك
فى الخرطوم بقيادة صغار الضباط .
على العموم أكل الرئيس مبارك الطعم ، فجاء مسرعا إلى الخرطوم ، فكان أول رئيس عربى ، ومسلم يؤيد الإنقلإب
ليس هذا فحسب سعى بنفسه لتسويق الإنقلاب دوليا وعالميا
فإنشغل برحلات مكوكيه بين ملوك ، وأمراء الخليج طالبا منهم
الإعتراف بإنقلاب الخرطوم ، ولم يكتف بذلك بل مد الإنقلابيين ببعض ناقلات الجنود ، وملتزمات أخرى يحتاجونها
ثم سافر إلى العراق لمقابلة الرئيس صدام حسين الذى كان رافضا رفضا باتا الإعتراف بإنقلاب البشير ، وكما قال حسنى مبارك بعضمة لسانه الرئيس صدام كان رافضا بشدة الإعتراف بالإنقلاب أنا الذى أقنعته ، وهكذا أخيرا إعترف صدام بإنقلاب البشير فماذا قدم الإنقلابيون للرئيس مبارك
هدية المكافأة للخدمات الجليلة التى قدمها لهم كانت هديتهم
محاولة إغتياله فى أديس ابابا جزاء سمنار ، وهكذا بسبب
هذه المحاولة أدرج السودان فى قائمة الدول الراعية للإرهاب
والتى صار يدفع فاتورتها الشعب السودانى إلى اليوم .
السؤال المحير ماذا كسبت مصر من سقوط الديمقراطية
فى السودان ؟ ولماذا تجاهل الرئيس مبارك التحذير الذى جاءه
على لسان وزير خارجية السودان الأسبق وزير الإنتفاضة
الدكتور إبراهيم طه أيوب موضحا وناصحا ، ومحذرا
من الإنقلاب الكارثة الذى قسم السودان إلى دولتين فهل بعد
كل ذلك نثق فى مصر الرسمية ونظامها العسكرى الذى
لايريد خيرا للسودان منذ الإطاحة بأول رئيس لجمهورية مصر
اللواء الدكتور / محمد نجيب الذى كان سودانى الهوى والهوية
برغم أنه مصرى الجنسية .
بقلم الكاتب الصحفى
عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
30 / 9 / 2018

elmugamar11@hotmail.com

 

آراء