لن يطالكم منه إلا الترويع والتنكيل!!! … بقلم: د.عثمان إبراهيم عثمان

 


 

 

 

  سيتطرق المقال الثالث من هذه السلسلة للترويع والتنكيل اللذان أذاقهما نظام الإنقاذ للشعب السوداني في العشرين عاماً الماضية؛ ومع ذلك يفاجؤنا  المواطن/ عمر حسن أحمد البشير، مرشح حزب المؤتمر الوطني لرئاسة  الجمهورية، بادعاءات فجة مفادها أن البلاد صارت أوفر أمناً، وطمأنينة، منذ قيام انقلابهم المشؤوم في 30 يونيو 1989م؛ كما ظل يردد في كل حملاته الانتخابية عبارة:"نحن ما بنكضب عليكم". فالشواهد كثيرة لدحض هذه الادعاءات، والمعلوم منها لا يمثل إلا قمة في جبل جليد سابح؛ فما خفي كان أعظم، ولكن ما سنورده في هذه العجالة، كاف للدلالة على أن نظام الإنقاذ لم يستمر في السلطة، طوال العشرين سنة الماضية، إلا عبر ترويع الشعب بأكمله، والتنكيل بمن تمادى في معارضته.

 نشطت صحف الجبهة الإسلامية القومية، وعلى رأسها صحيفتا ألوان- قبرت فيما بعد بسبب خلافات الاسلامويين أنفسهم على كراسي السلطة - ، والراية، أيام الديمقراطية الثالثة في الترويج للجرائم الجنائية العادية، فأقامتا الدنيا ولم تقعدانها في حادثة خطف، ومقتل الطالبة الشهيدة أميرة الحكيم، للتدليل على تردي الأوضاع الأمنية للبلاد في تلك الفترة، إن لم يكن إلصاق التهمة ببعض رموز الحكم في ذلك الوقت. سوف لن نبرئ أحداً، من جانبنا، في تلك الفترة، والتي، كما هو معلوم للكافة، اتسمت بحرية الصحافة، كسلطة رابعة، والتي كانت تتحدث بشفافية كاملة عن كل القضايا، فتشتم – إن بالحق أو بالباطل – مجلس راس الدولة، ورئيس الوزراء، وجميع الوزراء دون استثناء، فلا أحد يستدعي كاتب المقال، أو رئيس تحرير الصحيفة؛ كما اشتهر الجهازان العدلي، والشرطي في تلك الفترة بالقومية الخالصة، وعدم مشايعة الأحزاب الحاكمة؛ وهي مطلوبات كفيلة بإعطاء كل ذي حق حقه، والكشف عن أي جاني، ومعاقبته. إذن لم يحدث أن سجل بلاغ ضد مجهول، وإن حدث ذلك، فليس بسبب علم الأجهزة العدلية، والشرطية به، ومن ثم التستر عليه، وإنما لعدم مقدرتها على فك طلاسم القضية من ناحية مهنية بحتة، وليس سياسية، وحزبية كما يحدث الآن. سوف نقيس تداعيات قضية الشهيدة أميرة، والضجة الإعلامية التي صاحبتها، في فترة الديمقراطية الثالثة؛ بما يفوقها، من أحداث، وجرائم كثيرة تقشعر منها الأبدان، ارتكبت بعد أن قام مرشح المؤتمر الوطني للرئاسة بإنقلابه على السلطة الشرعية بالبلاد؛ فتسترت الأجهزة العدلية، والشرطية على الجناة؛ وما كان ذلك ليحدث لو لم تفقد الصحافة استقلاليتها، ولو لم تدجن الأجهزة العدلية، والشرطية لصالح الحزب الحاكم.  فصارت الوحوش البشرية تعربد بالطفولة البريئة في ظاهرة غريبة على المجتمع السوداني، لتزيد من مآسينا المستفحلة، وليتسع بذلك هاجس انعدام الأمان، والاطمئنان اللذان يسيطران على بلادنا. فكيف تطمئن نفوس الآباء، والأمهات، بعد حادثة اختفاء الطفلة مرام ذات الأربعة أعوام من منزل أهلها بجبرة؛ لتغتصب، وتقتل، ويلقى بجسدها البريء في دورة المياه؟ ثم تتعمق الكارثة على نفس المنوال، باختطاف الرضيعة شيماء الربيع من حضن أمها بقرية المسيد، بواسطة اثنان من الذئاب البشرية، يتناوبان في اغتصابها، ومن ثم خنقها ورميها في النيل. ما هو موقف الصحف التي وزعت اتهاماتها لحكومة الديمقراطية الثالثة في حادثة الشهيدة أميرة الحكيم؛ من حادثتي مرام، وشيماء، وغيرهما من جرائم الاغتصاب الكثيرة الأخرى، التي هزت العاصمة مؤخراً؟ فلم تهتز أركان الدولة لموتهما، ولم تعلن حالة الطوارئ، ولم يقل أحد أن هيبة الدولة قد انتقصت، ولم يدل وزير الداخلية ببيان في المجلس الوطني أو بالصحف، ولم يطلب منه المجلس الوطني أمراً لهذا، ولم تتحرك وزارة الرعاية الاجتماعية وشئون المرأة  والطفل؛ فتشكل اللجان المتخصصة لدراسة الأمر، والخروج بتقرير (الخرطوم)، أسوة ببريطانيا التي ناقش برلمانها تقرير (كليفلاند) عن إساءة معاملة الأطفال بمدينة كليفلاند. هل لهذه الوزارة أي دور غير حماية الأطفال، والأمهات، أم أنها معنية فقط بالتطبيل لمرشح المؤتمر الوطني، والإساءة لأوكامبيو؟ ألا تستحق مرام، وشيماء الأمن، والأمان في أحضان أبويهما، وتستحق دابة العراق تسوية الأرض في العراء كي لا تتعثر؟ لقد خاف سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن سؤال رب العالمين له في الثانية؛ فما موقف مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية عن مسئوليته في الأولي؟ أليس مرام، وشيماء أكرم من دابة العراق؛ وأن الله سبحانه وتعالى قد غفر لسيدنا عمر، وأدخله الجنة، ليجعله حجة على حكامنا؟

 لم يعرف السودان عامة، ووسط عاصمته الخرطوم على وجه الخصوص، جرائم السرقات الليلية بواسطة العصابات المسلحة، إلا بعد قيام الإنقاذ، وفي ظل حظر التجوال الذي يفرض بعد الحادية عشرة مساءً. فقد تعرض أحد رجال الأعمال  (فضل حجب اسمه)، إلي اعتداء من قبل عصابة لصوص مسلحة، في الأشهر الأولى لقيام الإنقاذ، فصعدوا لشقتهم في الطابق الأول بالطائف، ليقظونهم من النوم، تحت تهديد السلاح، وليأمروهم بتسليم كل ما عندهم من مال، وذهب؛ ثم يخرجون بما سلبوا بجرأة يحسدون عليها، وهم مطمئنون، إلي الشارع، غير عابئين بحظر التجوال المفروض على العاصمة منذ الحادية عشرة مساءً؛ وليسجل البلاغ ضد مجهول بمركز شرطة الرياض، إلي يومنا هذا، ليس ذلك فحسب، بل إن المجني عليه ظل يستنزف مادياً، لفترة ليست بالقصيرة، حتى يوفر للشرطة  المعينات اللوجستية لتتمكن من القبض على الجناة. أين كانت الشرطة عندما وجد الجناة الفسحة الكاملة لاختيار ضحاياهم بعناية؟ ألم يكن أمن، وطمأنينة، الأسر هما مسؤولية الدولة المباشرة؟ ألا تعد تلك الحادثة هي حالة انفراط أمني نموذجية إذا ما أخذنا حظر التجوال في الاعتبار؟ ثم نذهب أكثر من ذلك لنقول: لم حظر التجوال في الأساس إذا لم يوفر الأمن، والطمأنينة للأسر، وهي داخل أسوار مغلقة؟ الإجابة البسيطة على هذا السؤال هي: أن حظر التجوال قصد به أساساً أمن النظام فقط، ولذا وجهت كل إمكانات الدولة البشرية، والمادية نحوه، مما أفسح المجال لعصابات اللصوص المسلحة من أن تعتدي بهذه الوحشية على الأسر المغلوبة على أمرها. تطورت ظاهرة العصابات المسلحة مؤخراً، فصارت لها أسماء؛ حيث أوردت صحيفة الأسطورة بتاريخ 19/2/2010م ما يلي:" قامت عصابات (النقرز) بمجزرة دموية بمنطقة الإنقاذ مربع (3) أراقت فيها الكثير من الدماء، وأصابت العديد من المواطنين، وسببت لهم الأذى الجسيم، وأثارت الرعب في المنطقة، فقد اقتحموا أحد المنازل، وقاموا بتهديد سكان المنزل، الذي كان يتواجد بداخله ذلك اليوم ستة أفراد، أربع نساء، ورجل مسن، وشاب، يرقد في (الحوش)؛ شاهرين أسلحتهم التي تمثلت في سواطير، وسكاكين؛ حيث حاصر ثلاثة منهم الشاب، وأيقظوه من النوم، وأمروه بالجلوس، ثم أضاءوا أنوار المنزل طالبين من إحدى النساء إحضار الذهب؛ فدخل معها اثنان إلى الغرفة، وقاموا بأخذ الأموال، والذهب، وطالبوا بالهواتف النقالة، في حين كان الخمسة الآخرون يقفون على سرير الشاب الأعزل ليقوموا بعدها بضربه بالسواطير، فيستنجد الشاب صارخاً، ومحاولاً الفرار من الموت المحقق، وهم يطاردونه، مسددين له الطعنات ليولوا بعدها فارين بالقفز في إحدى المنازل. سكان المنزل الذين تملكهم الرعب، وهم يحاولون إنقاذ ابنهم المصاب، والدماء النازفة بغزارة تحيط بالمكان، وإحدى بناتهم وهي حامل في شهرها الرابع، تجهض بسبب الخوف، ووالدهم الكبير في السن يزحف نحو ابنه، والأم تصرخ ودماء ابنها تلطخ ثيابها، والمكان. والجيران الذين أصلاً يتملكهم الرعب من هجمات (النقرز) لا يستطيعون المواجهة؛  فيتصل أحدهم بشرطة النجدة التي لا تأتي؛ ثم تصل الشرطة بعد عناء. الجار الملاصق للأسرة المنكوبة رفض الإدلاء بأي حديث لأنه وحسب أقواله يخاف أن يأتوا إليه انتقاماً. فهم مجموعة كبيرة وشبكة. والأهالي يوجهون إلينا العتاب لماذا جئتم متأخرين، تماماً كما الشرطة، والتي حسب إفاداتهم برغم شكواهم المتواصلة، لم تكلف نفسها عناء إرسال دورية لمكان الحادث، فالعربة أتت متأخرة، وكان عليها فرد أعزل بصحبة السائق.

الجار الذي سقط أحد السواطير في منزله، حمله وذهب به للولاية ليروا كيف يرهب المواطنون، فقالوا لهم إن بلاغهم بالرقم 1012 بتاريخ 15 فبراير، قسم الأزهري، لا زال التحري جارياً فيه؛ فالمصاب حيدر حامد، وأهله، وكل سكان المنطقة في انتظار القبض على عصابات (النقرز)". حدثت كذلك، في عهد الإنقاذ "الميمون"، جرائم أخرى بدوافع غير السرقة؛ مثل حادثة اغتيال الصحفي محمد طه محمد أحمد، والتي كانت أكثرها بشاعة؛ ولكننا أوردنا هاتين الحادثتين - الأولى في عام الإنقاذ الأول، والأخرى في عامها الحادي والعشرين – بشيء من التفصيل، للتدليل على أن ظاهرة السطو الليلي المسلح قد تطورت مع ظلامات الإنقاذ، وأصبح الجناة أكثر جرأة، متحدين في ذلك الشرطة أولاً، والأهالي ثانياً. التحليل العلمي، والمعمق لهذه الظاهرة، يأخذ في الاعتبار إفقار الإنقاذ لغالبية الشعب السوداني، إلا من طبقة قليلة جداً أثرت في لمحة بصر، مما خلق حقداً طبقياً تمثل في ظهور الحركات السياسية المسلحة في الأطراف، وعصابات النهب، والسلب المسلحة في العاصمة، التي عادة ما "تفش غبائنها" في الأبرياء، لأن أثرياء الإنقاذ الجدد في مأمن من كل شر؛ ولكنه – سبحانه – يمهل، ولا يهمل.

حدثت هذه الجرائم، وغيرها الكثير، على الصعيد الجنائي، أما على المستوي السياسي فقد دشن إنقلابيو الجبهة الإسلامية بقيادة مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، في فجر الثلاثين من يونيو 1989م، عهدهم المأزوم، بسلسلة من الاعتداءات الوحشية على كل من خالفهم الرأي في الماضي، أوالحاضر؛ فنصبوا لهم بيوت الأشباح لتمتهن كرامتهم، وليموت بعضهم تحت تأثير التعذيب. وكأمثلة، دون حصر، فقد عذب الدكتور فاروق محمد إبراهيم لانتماءاته القديمة، ولقيامه بتدريس نظرية التطور للطلاب حسب المنهج الذي رسمه مجلس أساتذة جامعة الخرطوم، واغتيل الدكتور على فضل لدوره في إضراب الأطباء بمطلع تسعينات القرن الماضي، وأعدم مجدي، وجرجس لحيازتهما مالاً حلالاً، لا لجرم اغترفاه، ولكن لتخويف الآخرين "ضبح الكديسة" حتى يفسحوا المجال لتجار العملة من منسوبي الجبهة الإسلامية القومية، فيرتفع إثر ذلك سعر الدولار من أثني عشر جنيهاً إلي ألفين وستمائة جنيهاً. كما وجهت الإنقاذ حقدها الملعون صوب طلاب الجامعات عامة، وجامعة الخرطوم علي وجه الخصوص، عندما ثاروا ضد سياسات الإنقاذ الإقصائية، فاغتال رجال الأمن داخل حرم جامعة الخرطوم، وبملابسهم المدنية، الشهداء: التاية أبو عاقلة، وسليم أبوبكر، وبشير الطيب، في مطلع ديسمبر 1989م. أما ثورة الطلاب ضد سياسة الإنقاذ بتصفية السكن، والإعاشة بجامعة الخرطوم، فقد خضبت بدم الشهيد طارق محمد إبراهيم الطالب بالسنة الأولي بكلية العلوم، الذي اغتالته عناصر أمن الإنقاذ – عاصرنا بعضهم بالجامعة، والآن يتبوءون  أعلى المناصب الاقتصادية بالدولة- بملابسهم المدنية، ومسدساتهم السوداء القميئة، بالقرب من صهريج ماء علي الطريق المؤدى للبوابة الغربية، في نهار 17 يوليو 1991م. بمرور الزمن غير جهاز أمن الإنقاذ قليلاً من طرق قمعه للمعارضين من الطلاب بعد أن جند بعض الطلاب الأسلامويين كمخبرين له وسط زملائهم؛ فبدل أن يغتال المناوئين في وضح النهار صار يغير عليهم بليل ليعذبهم حتى الموت، ويلقي بهم في العراء كما حدث مع الطالب محمد عبد السلام، الذي أختطف في ساعات الصباح الأولي، فيعثر علي جثته ملقاة بالقرب من ضاحية كوبر، وليظل بلاغ مقتله مفتوحاً ضد مجهول حتى اليوم.

لقد أربكت أجواء الانتخابات العامة حزب المؤتمر الوطني فصار لا يتورع من خطف الطلاب المناوئين سياسياً في رابعة النهار، وبين زملائهم، والذهاب بهم لجهات غير معلومة بغرض إرهابهم، وامتهان كرامتهم؛ مثلما حدث للطالب وائل كرار الذي اختطف عصراً من أمام بوابة كلية العلوم الرياضية بشارع الجامعة، وهو بين زملائه ليتعرض للضرب، والإهانة، وسلب الممتلكات. حدث نفس الشيء للطالب محمد عبد الله بحر الدين الذي أختطف من أمام بوابة كلية التربية بأم درمان،   ليتعرض للتعذيب الذي أودي بحياته، ولترمي جثته في العراء، بغير اكتراث لحرمة الموتى، وليظل القاتل مجهولاً. كما اختطف تحت تهديد السلاح بالقرب من داخليات جامعة الخرطوم الطالب عبد الله مهدي أحد نشطاء مجموعة "قرفنا" الذي أفصح، في مؤتمر صحفي بمنبر صحيفة أجراس الحرية – تحدثت فيه أيضاً، وبشجاعة منقطعة النظير، والدته السيدة بدرية، متخطية للحاجز النفسي الذي يقف حائلاً دون تشجيع الأمهات لفلذات أكبادهن في القيام بأنشطة وطنية قد تكون فيها خطورة على حياتهم - عن اقتياده لأحد مكاتب الأمن المزينة بصور مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، وتعرضه للتعذيب، والابتزاز، والتهديد بالقتل أسوة بالطالب محمد موسى بحر الدين، والاعتراف بقتله بعد أن عرضوا عليه صوره وهو تحت تأثير التعذيب. هنا يتبادر إلي الذهن السؤال الهام التالي: لم لم تتحرك الشرطة، والأجهزة العدلية عموماً، بعد أن وجدت من يدلها على فك طلاسم جريمة اغتيال الطالب محمد عبد الله بحر الدين؟ أم أنهم يعلمون القاتل، ولكن لا حول ولا قوة لهم لجلبه للعدالة؟ في وضع كهذا يحق للكل أن يقول بأن النظام العدلي السوداني "مضروب". فيظل البلاغ مفتوحاً ضد "مجهول" كما في حالة الطالب محمد عبد السلام، بالرغم أن القتلة معروفون للقاصي، والداني؛ خاصة وأن الشرطة أثبتت كفاءة نادرة في فك طلاسم أكثر الجرائم الجنائية غموضاً، وفي أزمنة قياسية، مثل جريمة اغتيال الصحفي محمد طه، وموظف الإغاثة الأمريكي قرانفيل، وسائقه، وليس آخراً الفتي الذي قتل مؤخراً بضاحية الأزهري بالخرطوم.

لم يقف تنكيل مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، وزبانيته، عند النشطاء السياسيين فحسب، بل تعدى ذلك إلي جمهرة نواب الأطباء عند مطالبتهم بإصلاح بيئة العمل بالمستشفيات، وانتهاج سياسة تدريبية تضمن تطوير المهنة، والمطالبة بحقوقهم المشروعة في رواتب مجزية تسد رمقهم، علي أقل تقدير. فقام زمرة من المهووسين بالخلايا الأمنية برفع شعار " فلترق منهم دماء"، وإعلان الجهاد على الأطباء العزل، وضربهم بالكراسي، واحتلال الصيوان الذي أقامه الأطباء للتقرير في شأن الإضراب.  فقامت قوات الشرطة  باقتلاع الصنوان، وهي تحمل الهراوات لإرهاب الأطباء. كما لاحقت الشرطة نواب الأطباء المضربين عندما احتموا بمسجد الميرغني بالخرطوم بحري لتنظيم صفوفهم؛ وحاولت اعتقال قادتهم، إلا أنهم ارتموا أمام عربات الشرطة لمنع ذلك؛ فكان لهم ما أرادوا.

 عزيزي القارئ هذه عينة من ممارسات القمع، والتنكيل، والترويع، التي طبع عليها نظام الإنقاذ بقيادة مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية، منذ قيامه في الثلاثين من يونيو 1989م وحتى الآن، برغم أن السودان مقبل علي انتخابات عامة في أقل من أسبوعين. ما يدعو للاستغراب أن مرشح المؤتمر الوطني يصر على قيام هذه الانتخابات في موعدها – في اعتداء صارخ على صلاحيات مفوضية  "وفق القانون" - كأحد استحقاقات التحول الديمقراطي في حين أنه العدو الأول للديمقراطية، التي ذبحها في فجر ذلك اليوم المشؤوم؛ والحائز على سجل دموي، وإقصائي، ومعادى للحرية، وحقوق الإنسان، واستغلال بشع للدين في التغطية على الفساد الذي لم يستثن أحداً من العصبة المتنفذة. ولذا لم يتضمن برنامجه الانتخابي أي إشارة لمحاربة الفساد الذي غرق فيه جميع أصحاب المشروع الحضاري الإسلاموي،  فلم يعد مستندات ورقية تبرز، وإنما بنايات، وشركات تشاهد بالداخل والخارج. أبعد كل هذا: هل يمكن أن نصدق أن ما يقوم به مرشح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية قصد به وجه الله تعالي؟ أترك الإجابة على هذا السؤال لفطنة القارئ الكريم.

وإلي أن نلتقي في حلقة قادمة؛؛؛؛؛

 

 

osman30 i [osman30i@hotmail.com]

 

آراء