ليتهُ كان مطاراً ..!

 


 

هيثم الفضل
29 January, 2023

 

haythamalfadl@gmail.com

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح - هيثم الفضل
المساحة الي يحتلها ما يُسمى نادي النيل أو النادي الوطني الذي يُقال أنه تابع لجهاز الأمن والمُخابرات الوطني (سابقاً في عهد الإنقاذ البائد) ، لو نظرنا إلي حجمها وموقعها الإستراتيجي والسياحي المُطل على النيل ، لإتفقنا بلا جدل أنها لا تُقدَّر بثمن على المستويين المادي والمعنوي ، ولما تردَّدتُ شخصياً في أن أطلق على تلك المساحة الشاسعة من ضفاف نيلنا الخالد (أرضاً وطنية مُقدَّسة) ، ومن أوجب واجبات القائمين على سيادة البلاد والمُستأمنين على كنوزها ومُقتنياتها الطبيعية أن يقوموا بحمايتها ضد (التخصيص) ، حتى لو كان المُستفيد منه جهة حكومية أو مؤسسة تابعة للدولة ، فمُقدَّرات السودان السياحية ذات البُعد الإسترتيجي لا يمكن أن تُنسب وتتبع لجهة غير وزارة السياحة أو أيي جهة سيادية ذات إعتبار ، ولو كنتُ مسئولاً لأتْبعتها نسبةً لأهميتها للقصرالجمهوري أو البرلمان (إن وُجد) ، فمؤسسات الدولة (الميسورة) الحال في هذا البلد الفقير حكومةً وشعباً يمكنها أن (تساند) الحركة التنموية في قطاع السياحة عبر بناء وإعداد مثل تلك المواقع لكنها بعد ذلك يجب أن لا تتبع إدارتها لجهةٍ بعينها وتكون (مشاعاً) مجانياً لعامة أبناء الشعب السوداني من االكادحين الذين يختلسون اليوم النظر من بعيد إلى تلك (القلعة) المُسماة نادي النيل وكأنها أرض (أجنبية) فقط لأنهم لا يملكون 10 % من تذكرة دخولها ناهيك عن التمتُّع بخدماتها وما يُباع ويُشترى فيها ، شارع النيل وجبل التاكا وآثار مروي ودنقلا العجوز وحظيرة الدندر والبجراوية وشلالات النيل وطوابي أم درمان وغيرها الكثير جميعها محميات سياحية إستراتيجية ذات بُعد وطني مُقدَّس وهي جميعها ملكٌ عام للأمة السودانية ، فإن أرادت الدولة إستثمارها أو تطوير ما حولها من خدمات وجب أن يكون ذلك عبر إجراءات لا تقل عن صدور قانون تشريعي من برلمان مُنتخب ، أما أن يُقتطع جزءاً لا يُستهان به من شارع النيل لتُخصَّص خدماته وأوجُه الإستفادة منه (تفضيلياً) للنظاميين العسكريين (كفئة درجة أولى) لأن جهاز الأمن هو من قام بالإنشاء ، فذاك ما لا يستقيم مع نواميس العدالة المُجتمعية وأدبيات الحق العام ، هذا فضلاً عن المنطق الذي يطرحهُ السؤال الآتي : (ومن أين أتى جهاز الأمن بتلك الأموال ؟ أولم يكم مصدرها صميم الناتج الإجمالي للدولة السودانية الذي هو حقٌ للجميع (بدون فرز).
إذا كان نادي النيل هو بالفعل نادي تم إنشاءهُ بالأساس الأول لخدمة منسوبي الجهاز والجهات العسكرية الأخرى ، فكان من الأحرى أن يُختار له أيي موقع آخر (عادي) شأنهُ شأن نوادي ومقار الإتحادت المهنية الأخرى ، وترك مثل ذلك الموقع الإستراتيجي (الباهظ) التكلفة معنوياً ومادياً لأيي إستثمارات سياحية أخرى تقف عليها وزارة السياحة وتراعي فيها (عمومية) الخدمة والعدالة في إستفادة السودانيين منها ، أما المستوى العالي لشكل وتفاصيل وملحقات المباني والتشطيبات الفاخرة والمساحات المُترامية التي لا يخفى على من شاهدها كونها أفخم وأعلى مستويات التنفيذ الإنشائي ، فقد ذكَّرني حالها بما هو عليه مطار الخرطوم من حالٍ بائس (يُخجل) كل سوداني غيور على سُمعة بلاده مما يجول بخاطر الأجانب الذي يرتادونه ولو كانوا ينتمون إلى دولٍ أكثر فقراً وعوزاً منا ، فأفقر الدول وأقلها شأناً تحرص على مستوى عالٍ لمطاراتها بإعتبارها واجهة للدولة بأكملها وعنوان مُختصر لسيادتها وثقافتها ومستوى وعي حكوماتها وشعبها ، أو لم يكُن ما تم هدرهُ من مال في إنشاء نادي النيل بما هو عليه من (فخامة) و(أُبهه) وفي أرضٍ إستراتيجية كشارع النيل ، أجدى أن يُصرف على صالات وخدمات وشكليات ومضامين مطار الخرطوم الدولي القديم أوالجديد؟ ، فنادي النيل هو مثالٌ حي لسوء تخطيط وجدولة الأولويات في بلادنا ، بينما أتأمل فيما يرمي إليه المثل السوداني القائل (باب البيت عنوانو) ، حكى لي صديق مصري زار السودان لأول مرة أنه وعندما نزل مطار الخرطوم وشاهد ما فيه من تخلُّف تفاجأ وأُصيب بالذهول عندما خرج من المطار وأكتشف أن البلد فيها سيارات لا تجرها الدواب وبعض شوارعها الأساسية مُعبَّدة بالأسفلت وعلى جانبيها المحلات والفنادق ومحطات الوقود ، ولا أدري ماذا كان سيكون إنطباعهُ لو شاهد بهرجة وأنوار وسيراميك وتكييف نادي النيل ومصاعدهُ وسلالمهُ الكهربائية ومطاعمه و متاجرهُ الفاخرة ، ليت نادي النيل كان مطاراً يُعبِّر عن كرامة البلد والأُمة السودانية.

 

آراء