ليس تقاعساً من قناة الجزيرة لعكس ما يحدث فى السودان ولكنها الحقيقة!! . بقلم: آدم جمال احمد
بقلم: آدم جمال احمد - سيدنى – أستراليا
أصبحت قناة الجزيرة الجزيرة التى تنطلق من دولة قطر الفتية فى الأونة الأخيرة ، قبلة للشعوب المظلومة والمقهورة التى تكبلها الآلة الأمنية ويخنقها البؤس وضنك الحياة والبطالة ، بسبب سياسات فاشية فاشلة من حكوماتها ، وأضحت صوت من لا صوت له ومنبر من لا منبر له قولاً وفعلاً ، رغم حقد الحاقدين والمنكوبين والمرجفين من بعض أحزاب المعارضة وأنظمتنا الحاكمة وحاشياتها والمطبلين لها ، وإننى هنا فى هذا المقال ليس بصدد الدفاع عن قناة الجزيرة ، فهى أقدر وأجدر بالدفاع عن نفسها ، ولكننى أردت فقط قول الحقيقة ، وتذكير بعض منسوبى المعارضة وبعض قوى المعارضة وبعض أصحاب المواقع الإلكتونية والمدونات والحكومة والأحزاب المشاركة معها بالإلتفات إلى قضايا الشعب السودانى العادلة والتى أرهقت كاهله سعير الحروب وسياسات التخريب والمتاجرة بإسمه ، فالتاريخ لا يرحم ، والشعوب إن سكتت لبعض الوقت فلن تسكت إلى ما لا نهاية.
إن إصطفاف قناة الجزيرة مع جماهير الشعب السودانى فى محنته وما يمر به البلاد من تقشفات وجراحات إقتصادية وأزمات شتى من حروب وغلاء طاحن وزيادات فى سعر المحروقات فى كل مكان ونقلها للأحداث العاصفة التى شهدها ويشهدها السودان الآن ، هى رسالة صدق وأمانة الكلمة التى يمليها عليها ضميرها ومبدؤها الذى إختطته لنفسها منذ بداية إنطلاقتها المباركة ، فى أن تكون منبراً محايداً وصوتاً للحقيقة الجهورة ، فدخلت بذلك قلوب وبيوت ملايين البشر ليس فى الوطن العربى فحسب بل وفى بلدان كثيرة حول العالم كانت الجزيرة حاضرة بالصوت والصورة فيها تنقل أحداثها بصدق الكلمة ومسؤولية الطرح وعلى الهواء مباشرة دون فبركة أو إلتفاف على الحقيقة.
حقيقة ما دعانى لهذه المقالة هو حملات التجنى والتهجم التى تنعت بها الجزيرة من بعض منسوبى قوى المعارضة وأصحاب بعض المواقع الإلكترونية وبعض المدونات ومحاولتهم ركوب موجة المظاهرات التى إندلعت فى مدن السودان المختلفة هذه الأيام لمجرد أنها سعت إلى كشف الحقيقة ونقل المشهد الدرامى الذى يعيشه السودان ، من ساسيات تقشفية وتقليص للهيكل التى إتبعتها الحكومة رغم إختلافنا أو إتفاقنا مع هذه الإجراءات ، وتعامل ردة فعل الشارع السودانى مع هذه السياسيات الإقتصادية والزيادات التى تضرر منها المواطن المغلوب على أمره من تطبيق هذه السياسات الإقتصادية ، بكل تجرد ودون تزييف أو غرض ، اللهم إلا البحث عن الحقيقة ونقل الواقع المرير للشعب هناك جراء سياسات الحكومة التى غابت عنها المعارضة ، والتى لا تمتلك عصا سحرية فى تغيير الواقع.
إن ما شهدته البلاد العربية وأنظمتها من ربيع ، وما يشهده الآن السودان من مظاهرات سلمية ، يؤكد لا محالة أن مطالب الجماهير يجب إحترامها والوفاء بها ، ولكن التخريب وإستغلال هذه الإحتجاجات لتنفيذ أجندة أخرى خط أحمر ، فهذه المطالب هى حقوق أساسية وليست منحاً تعطى للبعض وتحجب عن البعض الآخر ، ولقد صبر الشعب السودانى طويلاً على المعانأة وضنك العيش ، فلذلك يجب على قيادات حزب المؤتمر الوطنى والحكومة أن تستوعب الدرس وتعلم تماما أن المارد إذا خرج من قمقمه فلن يعود إليه إلا بتحقيق أهدافه ، وأن الشعوب إذا نزلت إلى الشوارع فمن الصعب إخماد هباتها حتى ولو بمجرد جرعات من التهدئة بإبعاد هذا الوزير أو ذاك المسؤول أو حتى حل الحكومة ، لأن المطلوب هو تغيير جذرى فى السياسات وفى النهج الذى تدار به أمور البلد ، وليس تغييراً وقتياً وآنياً فى الوجوه بعيداً عن تطلعات الجماهير وأمانيها فى العيش الحر والكريم ، وإن لصبر الجماهير حدوداً ، وان الله يمهل ولا يهمل ، فلذلك إتقوا غضبة الحليم ، لأنه فى ظل السياسات الظالمة وتفشى الفساد والمحسوبية والتضييق على الناس فى أرزاقهم ، يكون حتمياً الخروج والنزول إلى الشوارع والتضحية بكل غال ونفيس لتحقيق الأهداف وتكسير القيود ولنا بما جرى فى تونس حيث إنطلقت الشرارة بعد أن أحرق الشاب محمد البوعزيزى نفسه عبرة ، وبالثورة التى أطاحت بحكومة الديكتاتورحسنى مبارك ولحقه حليفه الطاغية معمر القذافى وبعده على صالح فى اليمن ، وبالثورة والإنتفاضة الشعبية التى أطاحت بحكومة ابراهيم عبود عام 1964 ، وبحكومة المشير جعفر نميرى عام 1985 عبرة ليست ببعيد.
ولكن ما نستغرب له عندما تنقل الجزيرة الأحداث التى يمر بها السودان من غلاء فى الأسعار ومن مظاهرات بمهنية وشفافية وواقعية دون تحيز أو مبالغة ، تتعرض بسبب ذلك لسيل من الشتائم والإستهجان والسب ، ليس بالطبع من الشعوب ، ولكن من الحاقدين والمرجفين من قوى المعارضة وأصحاب بعض المدونات وكتاب بعض المواقع ، وهم يحاولون خلق معارك وهمية ومفتعلة وتلفيق أكاذيب ونقل وقائع غير موجودة وتصوير (الحبة قبة) ، ونسب ما يحدث تم بتنظيم وترتيب منهم ، ومحاولة عيش الشعب على أوهام من رياح التغيير وتحريضات وهى أضعف وأوهن من خيط العنكبوت ، دون واقعية منها لقراءة ما يحدث بعين مجردة ، وما مدى تأثيراتها على الواقع ، وهم يعلمون تماماً بأن كل ما تبثه قناة الجزيرة عن السودان هو عين الحقيقة وصواب العقل ، وهى أحداث منقولة على الهواء مباشرة ، والمتحدثون والمعلقون عليها منهم معارضون وموالون للنظام ، والأغرب والأدهى ، أن قوى المعارضة وأصحاب المدونات هذه يشتكون مر الشكوى من أن قناة الجزيرة لا تتناول الشأن السودانى وما يجرى من مظاهرات وأحداث من قريب أو بعيد ، وليس لها مراسلون فى كل بقعة فى السودان ، فى محاولة يائسة منهم للتشكيك فى مصداقيتها ، لأنها لم تجد الهوى فى نفوسهم وما يرسمون ويخططون له ، لكننى أقول وبكل وضوح أن التنديد بالجزيرة لن يفيد ولا يجدى ، لان جماهير الشعب السودانى واعية وعلى دراية تامة أين تكمن الحقيقة وأين منبع الداء ومصدره ، ومن الطبيعى فى ظل إنحياز الجزيرة إلى الشعوب أن يطل علينا المرجفون هنا وهناك ، محاولين إلصاق التهم جزافا بها ، فقناة الجزيرة يا سادة ليست ملكية خاصة للحكومة القطرية التى لها علاقات مميزة مع حكومة الخرطوم ، هى قناة لها رسالة ولها هدف ولا تسمح بتدخل فى عملها من أى جهة كانت فى قطر أو خارجها ، وللعلم فقد تحدثت الجزيرة عن الداخل القطرى فى أكثر من مناسبة وإستضافت من قبلُ مسؤولين قطريين نافذين تحدثوا بكل وضوح وشفافية حول كل ما طرح عليهم وسئلوا عنه ، وقطر عبارة عن بلد صغير نظامه ديمقراطى ، إقتصاده قوى ومواطنه مرتاح العيش والبال ، لا محسوبيات لا فساد لا تضييق على الناس فى معيشتهم وأرزاقهم ، الحريات مكفولة والدستور هو الحكم والقيم بين الجميع ، فلذلك إذا توفر العدل فى السودان وساس الحاكم الرعية بالعدل ، فلن يكون هناك غبن ولا حروب ولا قتال ، ولا مجال للململة واللعن ، وقد يتسأل البعض مثلاً إن قناة الجزيرة لم تتطرق لمسألة وجود قاعدة أمريكية - السيلية- في قطر ، رغم أن قناة الجزيرة لقد تحدثت عن هذا من قبل ، ثم يجب أن يعلم السادة القراء بإن هذه القاعدة الأمريكية فى دولة قطر محكومة بشروط وإتفاقيات ، وهى ليست موجهة ضد أى دولة ، وإنما وجودها هو شأن سيادى فى إطار العلاقات بين الدول أياً كانت هذه الدول أمريكا أو خلافها ، وقطر ليست إستثناء فى هذا الشأن ، وهناك العديد من الدول فى مختلف أنحاء العالم وفى المنطقة على أراضيها مثل هذه القواعد أمريكية كانت أو غيرها.
وختاماً يجب على قوى المعارضة وحاملى السلاح وأصحاب المدونات الى تحاول فبركة الأخبار وخلق الأكاذيب وبث الإشاعات وسط الصفوف ، ولعب دور سياسة التثقيف السالب ، فبدلاً من التهجم على قناة الجزيرة ، العمل على مصالح الشعب السودانى ووطنية البلد ، فالحكومات تزول مهما طال أمدها ، ولكن الأوطان تبقى وتبقى معه قيمه ومفرداته ، والأيام أثبتت أن الشعوب قادرة على صناعة التغيير وإزالة الأنظمة وليست محتاجة لمعارضة عميلة أو عاجزة أو ضعيفة ، فالأحوال اليوم ليست كما كانت فى السابق ، والإحتماء بالأجنبى ليس هو الحل ، ويجب أن تعلم الحكومة والنظام الحاكم فى السودان لم يعد أو يصبح الخبز أو زيادة المحروقات والغلاء هو المصدر الوحيد للإنتفاضات والهبات الجماهيرية ، بل الإضطهاد والتنكيل والخنق وتفشى الفساد والمحسوبيات وحبس الحريات ، كلها أسباب تدعو إلى الثورة وتؤججها ، وعلى حكومة البشير الإنتباه إلى ذلك قبل أن يلحق به لقب (المخلوع) ،فقد أثبتت التجارب أن بطانة السوء والخارج سيتخلى عن الحاكم بمجرد أن يثور عليه شعبه.
ولنا عودة .......
آدم جمال أحمد – سيدنى – أستراليا - 27 يونيو 2012 م
Adam Gamal Ahmed [elkusan67@yahoo.com]