مات الملك ، عاش الملك !!

 


 

 

The king is dead, long live the king!
الضخ الإعلامي الفضائي الهائل ، و المكثف ، و المتواصل ، و المصاحب لإعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية وتنصيب الملك شارلز الثالث ملكا على بريطانيا ، وبالتفصيل الدقيق ، لم يأت بالصدفة ، و هي أصلا خطة دقيقة و موضوعة من زمن ليس بالقصير ، وكانت في إنتظار التنفيذ، و محسوبة بدقة ومقصودة من مؤسسة العرش البريطانية ؛ والرسالة أن هذه المؤسسة الدستورية العريقة Constitutional monarchy - مازالت بخير بالرغم من أنً الإمبراطورية قد غابت عنها الشمس إلا أنها قد عادت من جديد و أشرقت مرة أخرى في القرن الحادي و العشرين ، ومصحوبة بالعلانية ، وبتقنيات تكنولوجية حديثة ! إعادة إنتاج الملكية ، العرش ، مراسم إعلان الرحيل للملكة والتنصيب لولي العهد - The Proclamation ، وأداء قسم الولاء و العلانية على شاشات الفضائيات، دقيقة بعد دقيقة، يوم بعد يوم ، لحبس أنفاس العالم ، و لوضع حد لدعوات إلغاء الملكية ، ومصادرة القصور الملكية ، ووقف نزيف المال العام حيث يخصص سنويا لموزانة العرش ما لايقل عن 150 مليون جنية إسترليني ( مائة وخمسون مليون جنية إسترليني) يدفعها البريطانيون من جيوبهم لتزكم أنوفهم فضائح الأسرة المالكة الأخلاقية ، وفسادها وتبذيرها !
ولعل في موقف السيدة / ليز تراس ، رئسة الوزراء الجديدة ، ما يلخص وبرمزية ، مصير الملكية و مستقبلها في بريطانيا ؛ حيث كانت من قبل من أكثر المطالبين بإلغاء الملكية ورحيل الملكة ، و مصادرة القصور الملكية لصالح الشعب ؛ وقبل وفاة المكلة إليزابث الثانية ببضع ساعات إنحنت لها بكل أدب و إحترام وتسلمت خطاب التكليف البرتكولي لتصبح رئيسة الوزراء ، وترحل بعدها الملكة تاركة المملكة و العرش في أيد امينة ، ثم تظهر مرة أخرى السيدة/ ليز تراس وهو تؤدي يمين الولاء للملك الجديد شارلز الثالث ملكا على عرش بريطانيا Long live the king !
تعود الجذور التاريخية و الدستورية العريقة لمؤسسة العرش البريطاني إلى العام 1215 م عام إصدار الماجنا كارتا – Magana Carta 1215 – " The Great Charter" – "الوثيقة الدستورية الأعظم - حتى الآن " و بموجبها تم الحد من سلطات وصلاحيات الملك المطلقة وخضوعه لحكم القانون " Magna Carta Libertatum Freedom " ؛ ثم تلاها في العام 1689 وثيقة الحقوق حيث تقررت وترسخت الحريات العامة وحرية التعبير و الإنتخابات الحرة و البرلمان The Bill of Rights” " ؛ وقد تطور الوضع الدستوري بحيث اصبح الملك اليوم يملك ولايحكم ، ولايتدخل في السياسة ، ولا في أعمال السلطة التنفيذية ، لا في وضع السياسات ولا في تنفيذها ، و اعضاء مجلس العموم منتخبون بواسطة الشعب – السطة التشريعية ، ومنصب الملك سيادي وتشريفي ، و يسود على سلطات الدولة الثلاث.

وبناءً عليه ليس هنالك ما يدعو بقية ملكيات عالمنا العربي أن تقارن بين النموذجين الملكيين ؛ فالنموذجان مختلفان تماما دستورياً ، ومن حيث الأعراف و التقاليد الدستورية و القانونية المستمرة منذ أكثر من ثمانمائة عام ؛ ومن حيث سلاسة إنتقال ولاية العرش من جيل لجيل ، وبسهولة ويسر، وبدون دماء وقتل وسحل ، ومن أرد أن يقارن فليأت لنا اولا ب" ماجنا كارتا " عربية ، و وثيقة حقوق دستورية عربية !

و ينطبق المثال و المقال أيضاً على " الجملوكيات العربية " : جمهورية ملكية مجازا مثل جمهورية آل الأسد بسوريا ، وجمهورية حسني مبارك في مصر ، والبشير في السودان ، و القذافي في ليبيا ؛ وهنا تنتقل السلطة بالخلع و العزل و السجن أو القتل ، مثل حسني مبارك و البشير، والقتل سحلا في الشوارع مثل حالة القذافي !

magdi_mahgoub@hotmail.com

 

 

آراء