ماذا إن تبّخر الزمن من بين أصابع الإطاري؟

 


 

 

هذا التساؤل تحذيري رغم صيغته التساؤلية، والخواجات يطلقون صفة البطولة على الزمن بقولهم Time is a hero لأنه قادر على صرع كل متغطرس جبّار، وهزيمة كل أجندة متكلّسة. يبدو للمتابع، أنّ الاتفاق الإطاري يسير مطمئنا إلى "الميس" السياسي، إلاّ أن طول المسير قد يولد اللصوص، ويغري قُطّاع الطرق، فلتحذر "قحت ــ المجلس المركزي"، ومن مأمنه يؤتى الحذر.
يلاحظ أنّ الاتفاق الإطاري تم التوقيع عليه في وقت وجيز منذ طرح وثيقة نقابة المحامين السودانيين كمشروع للدستور الانتقالي، كأجندة الحد الأدنى لتوافق القوى السياسية، وبالإضافة لفشل المناوئين له في النيل من أجندته في عمومياتها، شكّل هذا الاتفاق نقطة تحول في تحشيد القوى السياسية المناهضة لانقلاب الـ 25 من اكتوبر والمساندين له، وأصبح الفرز أكثر وضوحا.
ويمكننا القول أنّ الزخم الدولي والإقليمي المساند للاتفاق الإطاري، أكبر بكثير عن زخم وثيقة 2019 الدستورية للفترة الانتقالية الأولى، والسبب الدور المحوري للسيد فولكر بيرتس، ودخول السفير الأمريكي الساحة بحماس، نتيجة مراجعات الموقف الأمريكي من السودان، بالإضافة إلى نكوص العسكر بتعهداتهم السابقة بعدم الانقلاب على السلطة المدنية، وحماية التحول المدني الديمقراطي.
أهلنا البدو يقولون "الدنيا تلد بلا درّة" أي أنها تلد الأحداث بدون مقدمات، والأيام حبلى بالمفاجآت قد لا تكون سارة للاتفاق الإطاري، وربما يرمي به خارج سياق الزمن، ولا شك عندنا أنّ مناوئيه يسعون ليل نهار لحياكة مثل هذه الأحداث، وإن وجدوها مشتعلة قطعا سيحملون لها الحطب، ويصبون عليها الجاز بلا أي تردد.
الكثيرون من قيادات "قحت ــ المجلس المركزي" خاضوا في السقف الزمني لإنهاء مفاوضات المرحلة الأخيرة رجما بالغيب، إلاّ أنّ السيد فولكر بيرتس كان أكثر صرحةً حيث قال مؤخرا: "أنه لا وجود لسقف زمني لإنهاء العملية السياسية الجارية حاليا في السودان لاستعادة التحول الديمقراطي، معربا في الوقت ذاته عن أمله في تحقيق ذلك “في أقرب وقت لأن عامل التوقيت مهم”، حسب ما أورده الإعلام المحلي."
على "قحت ــ المجلس المركزي" عرابة الاتفاق الإطاري السرعة والإتقان التفاوضي في ذات الوقت، ذلك أنّ وضع البلاد لا يحتمل أية أخطاء سياسية مرة أخرى، كما لا يحتمل الفراغ الدستوري أكثر من هذا، آخذين في الاعتبار أنّ التحشيد المقصود في ورش مداولات الملفات الخمسة سيبطئ من إيقاع البت فيها، ومعلوم بالضرورة أنّ خلاصاتها ليست نهائية، وإنما هنالك جولات من المفاوضات المباشرة، تنتظر كبار قيادات "قحت ــ المجلس المركزي" مجموعة ل.م. برمة ناصر لخوضها مع العسكر. وننتظر أن يخرج إلينا بعض المشاركين في ورش الملفات الخمسة، أن تحريفا قد حدث لتوصيات ورشهم.
بإمكان أنصار الاتفاق الإطاري، قتل السأم، وتقصير مشوار تشكيل الحكومة المرتقبة، بالشروع الجاد في اختيار رئيس حكومة المرحلة المرتقبة، سيما وأنّ الإطاري حدد الذين يختارونه، هذه الخطوة من شأنها فرض أمر واقع، يصعب على الانقلابين الانفكاك عنه، أو محاولة النكوص بالاتفاق، رغم أنّ الاختيار المبكر لرئيس الوزراء سلاح ذو حدين، إن كان الاختيار موفقا، ساهم في تليين رؤوس المناوئين، وإن جاء جدليا سيصبح خصما على "الاجتماع" السياسي، كما أنّ هذه الخطوة قد تؤدي إلى "كلفتة" قضايا جوهرية، ودفنها ليلا، أو تقديم تنازلات في مسائل لا تقبل القسمة على اثنين. في كل الأحوال نرجح إيجابيات الاختيار المبكر على سلبياته.
ولذات الغرض، أي تقصير الظل التفاوضي، وبل صبر الشارع السياسي الملول، بالإمكان حسم هيكلة المجلس السيادي أو رمزية رأس الدولة، والشروع في اختبار شاغليها، خاصةً وأنّ هذا الملف يعتبر من أخفّ الملفات وأسهلها.
إذا أضاعت "قحت ــ المجلس المركزي" الوقت والجهد في إقناع "الأرادلة"، وظلت تسير وتلتفت إليهم، وتترك توصيات الورش مفتوحة لسواد عيونهم، نخشى عليها أن يصبح الإطاري في خبر كان، ثم لا يجد ولياً ولا وجيعا. فإن كانت هي صاحبة الرأي، وهي من أوعزت لنقابة المحامين السودانيين، نسج مشروع الدستور الانتقالي، فعليها أن تكون ذا عزيمة. ينسب لأبي جعفر المنصور "السفاح" قوله:
اذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا .
ونعتقد من مصلحة الإطاري، ألاّ يوقع عليه كتلة "الأرادلة" الانقلابين، لعدم صدقية قناعاتهم بالتحول الديمقراطي، وهل يستوي الإطارين والانقلابين؟ لا يستون.
ebraheemsu@gmail.com

 

آراء