ماذا تريد المملكة العربية السعودية من اليمن (2-2)
د. عبد السلام نورالدينِ
12 July, 2011
12 July, 2011
-6-
صندوق "بندورا" الذي في نجران وجيزان
يبدو أن "صندوق بندورا"* أو جرة الشر التي تتجمع حولها العفاريت والسعالي وانطلقت منها كل النزاعات السعودية اليمنية هي مناطق نجران وعسير وكانت الشرارة التي انطلقت منها الحرب السعودية اليمنية الاولي في القرن العشرين والتي تفتقت عنها أتفاقية الطائف 1934 التي قبلها الامام يحي بن حميدالدين مكرها بوصول الجيش السعودي الذي قاده فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ( 1906 -1975 )الي قرية الطائف التي تقع الي الغرب من مدينة زبيد في تهامة اليمن.
ظلت الحكومات اليمنية المتعاقبة (1918 -1978 ) منذ الامام يحي بن حميدالدين وحتي وصول علي عبداللة صالح بآلة رافعة سعودية الي سدة الحكم تنظر الي اتفاقية الطائف بوصفها املاء الاقوي علي الاضعف الذي لا مناص أن يتربص حتى تتبدل موازين القوي العسكرية فينقض أنقضاض ماجد لاستعادة الارض السليبة في نجران وعسير الى المنطقة الممتدة من "جبل ثار" حتى الربع الخالي الي الحدود مع سلطنة عُمان الغنية بالنفط (كما تزعم بعض المصادر اليمنية) أما اذا لم يتفق لتلك الحكومات أن تنقض لامر فوق مشيئتها فعليها أن تنتظر حتي تنتهي مدة الاتفاقية في عام 2000 فلا تجددها ابدا .
يشق ويغمض كثيرا التعرف على نوايا ومقاصد المملكة العربية السعودية القريبة والبعيدة في اليمن دون النظر بعمق في خطوط طول وعرض بؤرة نجران وعسير ومنطقة جبل ثار والربع الخالي في سياق طموحات المملكة العربية السعودية الثرية بمواردها المعدنية واحتياطاتها النقدية واستثماراتها العالمية أن تستوي على مقعد القيادة في عربة الشرق العربي والعالم الاسلامي بعد أنهيار العراق وحصار ايران وهشاشة الموقف التركي لدى العرب وتراجع مصر التي وقفت في مفترق الطريق تتجاذيها هوج الرياح السياسية ويدفعها الى الخلف الزيادة المضطردة في سكانها والتقلص المتسارع في رقعتها الزراعية وتصل كأطباق النحاس على يديها ورجليها قيود كامب ديفيد.
قد حافظت المملكة العربية السعودية أن تظل متسقة مع نفسها في كل مواقفها مع اليمن وفي كفها بوصلتها ذات الشعب الثلاث
-1- أن لا تفرط في الارض التي وضعت يدها عليها من اليمن عبر أتفاقية الحرب 1934 – مع اقتران القوة بالدبلوماسية بالنفوذ المالي في اوساط شيوخ كبرى القبائل الهمدانية وعبر الاثار البعيدة للتحويلات المالية والعري الاسرية والاجتماعية للجالية الحضرمية التي حملت "التابعية" السعودية ولها نفوذ ’كبْار في عالم التجارة والمقاولات وبورصات النقد واقتصاديات الموانئ والنفط والاستثمارات الاجنبية كعائلة العامودي وبن لادن ومحمد أبوبكر باخشب والشيخ سالم بن محفوظ.
-2- النظر الي كل اليمن بوصفه جزء لايتجزأ من منظومة الامن الداخلي والدفاعي للمملكة العربية السعودية " التي نقلت ملفه من وزارة الخارجية الى مكتب خاص تابع الى وزارة الدفاع.
-3- التبشير الرسالي بالمذهب الوهابي المتشدد الذي لا يعترف الا بنفسه في كل ربوع اليمن بتاريخة العريق في علم الكلام الزيدي والفقة الشافعي والاسماعيلي والمتطرفي واضاف اليمنيون الى ذلك الجدل تجربة علي بن الفضل القرمطي (مات 303 هجرية) والفكر اللبيرالي الذي قدمه البريطانيون على صحاف الاستعمار(1839 -1967) ثم فكر حركة القوميين العرب الذي تلاحم وذاب في الايدولوجية الماركسية بقراءتي علي باذيب وعبدالفتاح اسماعيل ( 1963 -1978 -1994 )
-7-
المملكة السعودية تناهض حركة 1948
حينما جنحت حركة 1948 الي تعديل نظام الامامة المتوكلية الهاشمية المطلق الي ملكية دستورية فاغتيل الامام يحي حميد الدين واعلن عبداللة بن أحمد الوزير نفسه أماما على اليمن بتساند من حركة الاحرار اليمنيين ومباركة عبر الفضيل الورتلاني من الشيخ حسن البنا (1906 -1949 ) مرشد الاخوان المسلمين بمصر أنحازت المملكة العربية السعودية في الحال وبلا تردد أو وجل الي صف الامام أحمد بن يحي حميد الدين الذي هدد وشحذ واغرى قبائل همدان(حاشد وبكيل) باجتياح صنعاء واستباحتها لقاء استعادة امامة اسرته المطلقه التي سقطت .
لقد وضعت المملكة السعودية نصب عينيها في دعمها لال الامام يحي حميد الدين ضد آل الوزير امرين يرتديان اهمية قصوي لها يتمثل الاول في رعاية النص الوارد في المادة الثامنة عشرة من اتفاقية الطائف التي وقعت في جدة في السادس من شهر صفر 1353 هجرية الموافق 9 -5- 1934 التي تقول:
"في حالة حصول فتن أو اعتداءات داخلية في بلاد أحد الفريقين الساميين المتعاقدين يتعهد كل منهما تعهدا متقابلا بما يأتي:
*أولا:اتخاذ التدابير الفعالة اللازمة لعدم تمكين المعتدين أو الثائرين من الاستفادة من اراضيه
*ثانيا:-منع التجاء اللاجئين الى بلاده وتسليمهم أو طردهم اذا لجأوا اليها كما هو موضح في المادة( التاسعة والعاشرة اعلاة)
*ثالثا :منع رعاياه من الاشتراك مع المعتدين أو الثائرين وعدم تشجيعهم أو تموينهم.
*رابعا: منع الامدادات والارزاق والمؤن والذخائر عن المعتدين أو الثائرين".
الجدير بالذكر ان الذي وقع هذه الاتفاقية عن الامام يحي حميد الدين ملك المملكة اليمانية هو عبداللة بن أحمد الوزير الذي قاد الثورة الدستورية ووقعها عن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة السعودية-خالد بن عبدالعزيز السعود.
أما الامر الثاني الذي حدا بالمملكة العربية السعودية ان تقف على صف الامام احمد وضد الامام عبداللة الوزير الذي وقع اتفاقية الطائف فانها لاتقبل من حيث المبدأ والمصلحة العليا والتصور العقلي ملكية دستورية في اليمن لانها تتجاوز سقف الملكية المطلقة في السعودية.
-8-
المملكة السعودية تنازل وتهزم عبدالناصر في اليمن(1962 -1967).
بذات الحماس المتدفق الذي استقبلت به الشعوب العربية وكل حركات التحرر في العالم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر1962 بوصفها خروجا من عصور ملكيات القرون العربية المظلمة الي انوار القرن العشرين احتضنت المملكة العربية السعودية الامام المخلوع البدر وضمت ألى جانبة شيخ مشائخ بكيل و شاعرها ناجي بن على الغادر* ورجل بني حشيش الفريق قاسم منصر وكل من هب مقاتلا النظام الجمهوري واستعانت المملكة أيضا بالمرتزقة الاوربيين في منازلة السبتمبريين والجيش المصري واضحت اليمن ميدانا واسعا لحرب اهلية مفتوحة ( 1962 -1967) بين كل قوي النظم الملكية والمحافظة في الاقليم العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من جهة وبين كل تلك الركائز التي تمثلت في داخل اليمن وخارجه النداء الناصري الموقع لحنا وصوتا : -من الخليج الثائر الي المحيط الهادر لبيك عبدالناصر- من جهة أخري.
تسنى للمملكة السعودية أن تخرج من حرب اليمن وفي صدرها كثير من انواط الجدارة جادت به عليها دول الخليج وملك الاردن والمغرب وشاة ايران وامبراطور اثيوبيا وحازت ثقة وصداقة الغرب الرأسمالي بوصفها الحليف المعتمد والموثوق لقيادة حركة الفئات والجماعات والدويلات المضادة لثورات التحرر العربي "الموالية" للشرق الاشتراكي في ذلك الجزء من العالم أما الاهم من كل ذلك فقد أتفق للمملكة بعد مؤتمر الخرطوم 1967 وتسوية خلافاتها مع عبدالناصر والاطاحة بالفريق عبداللة السلال وزراعة دولة الخامس من نوفمبر 1967 بايديها وببذورها المحسنه أن تجعل من اليمن الشمالي ذلك الارعن الجامح مهرا قابلا للترويض وصهوة تمتطيها لمآربها الاخرى وبذلك اعلنت ورفعت المملكة عبر أمراء وسلاطين الضالع ويافع والفضلي وشبوة الذين فروا الي السعودية بعيد انتصار الجبهة القومية في الجنوب العربي المحتل رايات حروب التدخل لاسقاط الدولة الجديدة التي التي اطلقت على نفسها جمهورية اليمن الديموقراطية.
-9-
أبراهيم الحمدي :حينما انهزمت الحداثة
أعاد الانقلاب الناصري للقاضي ألمقدم ابراهيم الحمدي في يونيو 1974 الذي أطاح بحكومة الخامس من نوفمبر1967 المملكة العربية السعودية الي مربعها الاول لحماية كسبها في اتفاقية الطائف 1934 أذ بادر وزاول الرئيس الحمدي الاتصال بالدول الكبري في الغرب الاوربي والامريكي واليابان دون المرور عبر بوابة السعودية كما قد تم الاتفاق مسبقا مع دولة الرئيس القاضي الارياني ولما لم يكتف ابراهيم الحمدي بتدشين عهد جديد تنفتح فيه اليمن اقتصاديا على كل دول العالم دون أن يخطر له استشارة المملكة التي تعد المانح والداعم الاول للخزانة اليمنية وأصر الحمدي بعناد ان يفتح ملفا جديدا يوقظ به الدول المطلة علي البحر الاحمر من سباتها العميق لتشكل اقليما جديدا له رؤية واستراتيجيات .
لم يكتف المقدم الرئيس ابراهيم الحمدي بكل ذلك بل نثر بين ايدي اليمنيين كنانة برنامجه السياسيي بأضلاعه الثلاث :
أ- العودة بحركته التصحيحية الي المنابع الناصرية الاولي في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 بازالة اثار حكومة المصالحة بين الملكيين والجمهوريين كما قد تمثلت في دولة القاضي الارياني
ب- استقطاب كل القوى المعادية لشيوخ القبائل الكبرى في اليمن والمناوئة في ذات الوقت للمملكة العربية السعودية لبناء ما اطلق عليها :دولة النظام والقانون الشئ الذي أثار قلق وخوف شيوخ القبائل الشمالية الذين ضاقت بهم السوح حتى في عرصات معاقلهم كما قد حاق بشيخ مشائخ حاشد وبكيل عبداللة بن حسين الاحمر الذي لم يعد بمقدوره مغادرة مدينته "خمر" الا باذن .
-ج- أطلق التقارب بين اليمن الشمالي الذي اصبح "ناصريا" حمديا والجنوبي الصيني السوفيتي لسالم ربيع علي كل هواجس واشباح ونذر الشؤم والهلع التي يمكن لها أن تقض مضاجع المملكة السعودية فالزمت نفسها بأجراء حازم يعيد الامور الى نصابها وفق مراميها سيما بعد اغتيال رجلها القوي الامين على مصالحها في اليمن القاضي عبداللة الحجري(1917 -1977 ) فزالت دولة الرئيس ابراهيم الحمدي التي تحطمت على صخرة رغائب المملكة العربية السعودية وقوة ارادتها في اليمن وتحطمت معها تطلعات اليمنيين في بناء دولة حديثة مستقرة ومستقلة تربطها بالمملكة العربية السعودية وشائج الجوار والاخاء ومساواة مواطنين ولدتهم أمهاتهم احرارا في الجزيرة العربية بعيدا عن الوصاية والتبعية والدعاية المذهبية وحاكمية المال والنفوذ السياسي. من تلك الصخرة التي تحطمت عليها أمال واشواق وتطلعات اليمن واليمنيين تخلق اشقى "سنحان" "وأحمر يام" السعودية علي عبداللة صالح الذي اندلعت في سني حكمه في اليمن اكثر من 400 واقعة أقتتال لها مياسمها القبلية والطائفية والمناطقية والطبقية والحزبية والقومية والدينية الارهابية وكان لعلي عبداللة صالح رئيس البلاد الذي يلجأ اليه العباد في كل حادث حديث مؤجج وفي كل مقام مقال يدعو الى مزيد من الاحتراب.
لم ينج حتى السعوديين اولياء نعمة صالح من تنكره وقلب ظهر المجن لهم إذ عاضد صدام حسين حين اغتصب الكويت وهم باحتلالهم ولم يك مشروعه للوحدة مع الشطر الجنوبي سوي مقدمة صاغها صدام حسين تمهيدا للانقاض على المملكة العربية السعودية من الجبهتين-الشرقية الشمالية من العراق والجنوبية الغربية من اليمن أما الذي دفع ثمن جحود وخيانة علي عبداللة صالح للسعوديين فهو كما قد حدث مرارا وتكرارا الشعب اليمني الذي فقد تحويلات مليون مغترب يمني في السعودية والخليج تم طردهم عقابا لموقف صنيعهم منهم في حرب صدام .
الرسالة الهامة التي وصلت الي كل اليمنيين بعد طرد ما يقارب مليون عامل مغترب من اراضيها وهي النازلة التي عجز الاقتصاد اليمني الوقوف على قدمية بعدها أن لا حياة لهم بدون المملكة العربية السعودية وعليهم تدبير سياساتهم بناء على ذلك اذا ارادوا غير ذلك.
-10-
المملكة: يا نفس أجملي جزعا أن الذي تحذرين قد وقعا
يبدو ان كل الذي بذلت المملكة العربية السعودية جهدها الوفير لاتقائه في اليمن قد رشح في وجهها بالقطاعي عبر ستين عاما أما في الشهور الاربع الاخيرة فقد أندلق كله جملة في دفعة واحدة.
لقد ناهضت السعودية قيام ملكية دستورية في عام 1948 فثار في وجهها بركان جمهورية 26 سبتمير في عام 1962.
استعصى على السعوديين تفهم أو قبول يمنيين يستقون مصادرهم من عبدالناصر في مصر فقفز لها ماركسيون من عدن وابين والضالع وبيحان وحضرموت يتحدثون لغة ماوتسي تونج في الصين وفلادمير اليتش لينين في موسكو.
ضاقت السعودية ذرعا بابراهيم الحمدي لا نه لا يستشيرها في شئؤون اليمن الداخلية ويسعي في ذات الوقت لتقارب مع اليمن الجنوبي ففعلت به ما فعلت ثم اخرجت من اضابير ملفاتها السرية "أحمر ثمود"علي عبداللة صالح الذي سار رغم أنفها الى وحدة اندماجية كاملة ثم صوت ضدها في الامم المتحدة ثم انتظر يفرك كفيه متحرقا ليكمل حليفه صدام حسين مشوار احتلالة من الخبر الى جده ليعلن نفسه بطلا قوميا لاستعادته ارض نجران وجيزان من المحتل السعودي الغاشم.
أما حظ المملكة العربية السعودية مع الوهابيين اليمنيين الذين بذلت لهم المن والسلوي ليهجروا مذاهبهم الشافعية والزيدية ليعتنقوا تصوراتها في الدين والمجتمع فلا يحسدها أحد عليه فقد جعلوا في نهاية المطاف من اليمن مقرا للقاعدة في الجزيرة العربية وأضحت غايتهم الكبرى القضاء على المملكة التي اسسها عبدالعزيز أل سعود. ولا يخفى على المملكة أن أيمن الظواهري قد اقام دهرا باليمن على مرمى حجر من مقر الرئيس صالح الذي خلق منهم سلعة شيطانية يهدد ويقايض ويبتز بها العدا والاقارب ودول الجوار.
والان وقد افصح الغالب من الشعب اليمني في كل ساحات التغيير التي انتظمت البلاد عرضا وطولا عن تطلعه في بناء وطن ديموقراطي يرعى حقوق المواطنة والتعبير والاعتقاد وفي فتح مجرى جديد يفضي الي تنمية متواصلة في دولة قوامها النظام والقانون وان تكون في ذات الوقت الة لمجتمع مدني فماذا تري في كل ذلك المملكة العربية السعودية على ضوء تاريخها الحافل يالخيبات والصدمات في اليمن.
يقول اليمنيون أنهم رغم فقرهم وتطلعاتهم أن يسهم العالم معهم في نهوض اقتصادي يخرجهم من جب الدولة الفاشلة لا يبتغون أكثر من أمنية ورجاء ,وامل واحد أن تتركهم المملكة السعودية وشانهم أما مآزق السعودية وتحدياتها فتلك من شئون الشعب هنالك وليس في اليمن.
هل تتخلي المملكة العربية السعودية عن دور الاخ الاكبر والوصي والضامن والدائن والمولي والمستعمر السري الذي زاولته طويلا في اليمن لتتفرغ لترتيب بيتها الداخلي الذي تتعاوره من كل جانب المزعجات من العواصف؟.
هل بالامكان أن تتجاوز المملكة ذاتها في اليمن قبل أن يضطر الغريب عنها أن ينقذها من نفسها في وقت لا يناسبها ؟ أم تطلب المستحيل فلا تنتهي الى اي شئ واقعى؟
ماذا تريد المملكة العربية السعودية من اليمن بعد الثورة العارمة لساحات التغيير وتهالك نظام علي عبداللة صالح الذي اصبح بائدا؟
د-عبدالسلام نورالدين
abdelsalamhamad@yahoo.co.uk