لمصلحة من تأمرت الرئاسة المصرية على إسقاط الديمقراطية في السودان???
لماذا رفض الرئيس مبارك تحذير وزير الخارجية الأسبق إبراهيم طه أيوب???
شهد شاهد من أهلها.
4/09/2018
من الصعب جداً أن يحظ سوداني باعتراف مصري يشهد له بالنبوغ و التفوق إلا في حالات نادرة عند صحوة الضمير و أذكر تماما أيام الطلب يوم كنا طلاب في قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، لقد قال لنا استأذنا الدكتور محمد كشك الذي كان يدرسنا العروض في إعتراف مثير أن أجمل و أندر كتاب قدم للمكتبة العربية و المرجع الغني للغاية هو كتاب البروفسور السوداني عبدالله الطيب (المرشد إلى فهم أشعار العرب) و كثيرا ما كان هو يستعين بالبروف عبدالله الطيب عندما يجد إشكالات في علم العروض فيتصل به على الفور و يأتيه الرد حالا بحل المشكل و الشئ بالشئ يذكر هنا نستشهد بشهادة المستشار الرئاسي للرئيس حسني مبارك عن أخطر واقعة سياسية غيرت مجرى الأحداث في السودان الا و هي إنقلاب عمر البشير في 30 يونيو 1989 و الأمانة الصحفية و الشفافية تستدعي أن ننقل ما جاء بالنص على لسان الدكتور مصطفى الفقي في كتابه (شخصيات على الطريق) ننقل الآتي نصه بالحرف الواحد من صفحة 207 : (أنه وزير خارجية السودان الذي اختارته الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس الأسبق جعفر نميري لكي يتولى ذاك المنصب في فترة انتقالية صعبة و لقد ربطتني به صلات طويلة منذ أن كنت في "مهمة حامل حقيبة" في شرق أفريقيا عام 1971 و التقيت به في مطار أديس أبابا و تعرفت عليه بإعتباره ممن نطلق عليهم "مجموعة بغداد" الذين خدموا في العراق في مطلع الستينات و هم كوكبة من الدبلوماسيين المصريين اللامعين الذين خدموا في صدر شبابهم في العراق بعد ثورته و كان إبراهيم طه أيوب هو زميلهم السوداني المحبوب الذي يتحدثون عنه بمودة زائدة و تقدير كبير لذلك عندما التقيت به لأول مرة كنت اعرف عنه الكثير و بدأنا نتحدث حول إنقلاب عيد أمين في أوغندا و الآثار الناجمة عنه و التوقعات المحتملة منه ثم مضت الايام و توالت الأعوام إلى أن التقيته في نهاية السبعينات من القرن الماضي عندما كان سفيرا لبلاده في العاصمة الهندية و أنا مستشاراً في السفارة المصرية. و اتذكر أول لقاء لنا هناك في سينما السفارة الأمريكية بنيويورك بنيودلهي التي كلنا نلوز إليها هرباً من حرارة الجو و طلبا لبعض الوقت المريح في ظل رفاهية الحياة الأمريكية المختلفة كثيرا عن الحياة الصعبة في الهند حينذاك. و اذكر أنه قدم لي زوجته الفاضلة السيدة هانم و بعض أبنائه و كبيرهم أنس ثم الابنة زحل فلما أبديت إستحسانا لإسمها لغرابته همست زوجتي في أذني ضاحكة : "يا لك من منافق" إذن أن مدلول ذلك الإسم في السودان مقبول و محبوب بإعتباره احد الكواكب في الإجرام السماوية مثل فريق المريخ السوداني لكرة القدم بينما دلالاته في مصر سلبية ففيها إشارة إلى وضع متدهور و حالة سيئة. و لقد توثقت علاقتي بذلك الرجل الذي يجمع من الصفات الرفيعة ما يثير الأعجاب و يستدعي الإحترام فقد بدأ حياته يساريا و ارتبط بالشأن العام منذ شبابه و عمل في السلك الدبلوماسي السوداني من اول السلم إلى نهايته و اتصف دائما بالذكاء و الصراحة و الروح الساخرة إلى جانب الكفاءة في العمل و الشعبية الواسعة في أوساط السلك الدبلوماسي و قد دعا الدبلوماسيين المسلمين إلى إفطار بمنزله بالعاصمة الهندية و إتصل بي قائلا: أنه يريد مني الحضور مبكرا حتى نتحدث فترة قبل موعد الإفطار و توافد الضيوف و ذهبت إليه و رأيت في صالون المنزل صورة كبيرة لرئيس السودان آنذاك جعفر نميري فقلت له :على سبيل المجاملة لقد مضى على حكم الرجل في حكم السودان أكثر من عقد من الزمان و الأمور تبدو أكثر استقراراً من قبل فنظر إلى الصورة و قال هذا حاكم سئ لا يماثله إلا معظم الحكام العرب! و ادهشتني صراحته و عفويته و منذ ذلك اليوم اليوم أدركت أني أمام صديق حقيقي و على الرغم من يساريته فإنه كان رافضاً بشدة لمحاولات عزل مصر عن أمتها العربية بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل لأنه كان مؤمنا و لا يزال بخصوصية العلاقة بين شطري وادي النيل مصر و السودان و لست أنسى يوم مغادرته نيودلهي و كيف احتشد المئات من الهنود و العرب و الأجانب يودعون رجلاً أحبوه و إنسانا تتجلى فيه صفات فريدة و دفء إنساني يحتاجه البشر خصوصاً إذا كنا بعيدين عن أوطاننا و عندما كنت أعمل في مؤسسة الرئاسة حضر وفد سوداني رفيع المستوى لمقابلة رئيس مصر و فوجئ الجميع في الجلسة الرسمية بوزير خارجية السودان يترك مقعده و يتجه نحوي في شوق زائد و محبة واضحة لكي نتعانق أمام المصريين و السودانيين ثم اتمشى معه في ليل القاهرة على ضفاف نيلها نلوك الذكريات و نتحدث في شتى الموضوعات و ازدادت علاقتنا العائلية توثقا على مر السنين و أصبح أولاده و كأنهم أولادي و قد إتصل بي ابنه العزيز أنس إبراهيم طه أيوب لكي يخطرني انه سوف يقترن بفتاة فلسطينية رائعة تنتهي إلى أحد البيوتات العريقة و انه يود أن يكون العرس في القاهرة و كان له ما أراد فاجتمعت مجموعة بغداد من الدبلوماسيين المصريين و كلهم في التقاعد الآن و انضمت إليهم صديقة لتلك الأسرة السودانية العزيزة و رجلها المتميز إبراهيم طه أيوب الذي عاش سنوات في روما مسئولاً في إحدى المنظمات الدولية قبل أن يتقاعد هو الآخر بعد أن جرى بنا قطار العمر و ما زالت أصداء حديثه التليفوني معي غداة قيام ثورة الإنقاذ في الخرطوم عام1989 محذراً و موضحاً و ناصحا. و لقد أثبتت لي الايام فيما بعد أن ذلك الصديق ثاقب النظرة شامل الرؤية واسع الإطلاع.) انتهي النص. و هكذا شهد شاهد من أهلها و ليس شاهد عادي بل رئاسي و ما أتفه البكاء على اللبن المسكوب، و السؤال الذي يطرح نفسه لمصلحة من تأمرت مصر لإسقاط الديمقراطية في السودان؟ و الجدير بالذكر أن السيد السفير الشربيني سفير مصر في السودان يومذاك بعث ببرقية مستعجلة يوم نجاح إنقلاب البشير إلى الرئيس مبارك الذي كان رافضا رفضا باتا الاعتراف بانقلاب البشير و كما قال حسني مبارك بعضمة لسانه الرئيس صدام كان رافضا بشدة الاعتراف بالانقلاب انا الذي اقنعته، و هكذا أخيراً اعترف صدام بانقلاب البشير فماذا قدم الانقلابيون للرئيس مبارك هدية المكافأة للخدمات الجليلة التي قدمها لهم؟ كانت هديتهم محاولة إغتياله في أديس أبابا جزء سمنار و هكذا بسبب هذه المحاولة أدرج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب و التي صار يدفع فاتورتها الشعب السوداني. السؤال المحير ماذا كسبت مصر من سقوط الديم في السودان؟؟؟ و لماذا تجاهل الرئيس مبارك التحذير الذي جاءه على لسان وزير خارجية السودان الأسبق وزير الانتفاضة الدكتور إبراهيم طه أيوب موضحاً و ناصحا و محذراً من الإنقلاب الكارثة الذي قسم السودان إلى دولتين فهل بعد ذلك نثق في مصر و نظامها العسكري الذي لا يريد خيراً للسودان منذ الإطاحة بأول رئيس لجمهورية مصر اللواء الدكتور محمد نجيب الذي كان سوداني الهوى و الهوية برغم أنه مصري الجنسية.
الكاتب الصحفي :عثمان الطاهر المجمر باريس 4/09/2018