ماذا لو كانت تحكمنا اليزابيث

 


 

 

بالامس تراصص البشر بتراتيبية وانتظام ببلاد الانجليز لالقاء نظرة الوداع علي جثمان الملكة اليزابيث الثانية بدير وستمنستر، تاركة وراءها إرثا من التقاليد حافظت فيها علىنظام صارم وسلس وابتسامة وأناقة تكملها قبعة جاذبة ماتت ولكن قيمها وارثها ذوالجذور الثابتة لن تتغير . ماذا لو كانت تحكم بلاد السودان والذي غادرته كمستعمرة قبلما يقارب الخمسة وستون عاما ويزيد .. هل كانت عاصمته الخرطوم ترزح وسط نفاياتتتراكم ومشافي تعاني الفاقة وينعدم فيها الانسلين والديتول ..
بالامس ضربت الاجراس في حياة أمة حكمت أمما، واستحكمت بمقدراتها وحينما غادرتمستعمراتها لم ينحنى ظهرها بل لم تغب عنها الشمس المشرقة ولا عاف الناس ضبابها فهي واجهة للسياحة والعمل والهجرات ولتلقي العلم والاستشفاء وفي زيارتها للسودانأواسط الستينيات، وثق المحجوب رئيس الوزراء لزيارتها في مذكراته، موضحا أنهاضحكت ضحكة واضحة، عندما قال لها أحد أعضاء الحكومة الانتقالية د. التجاني الماحيمعرفا نفسه بأنه من حزب جلالتها … يا ترى هل كانت تعلم انه ومنذ مغادرة جنودهالارض السمر ان ذلك المشروع الاخضر بالجزيرة والذي مثل في ذلك الزمان اقوى اقتصادياتالدول قد انهار تماما .. لا بل ان سكك الحديد التي تمثل شريان الحياة كادت تضمر وتموتوقد خلعت أرجل عرباتها ونهبت غالبية سكك مساراتها ..
ماذا يا ترى ان كان السودان ما زال مستعمرا والذي تقول الحكايات ان مع إليزابيث الثانيةلبست الشرطيات البريطانيات الحجاب، واعتمر السيخ عمائمهم ...في تماذج وانسجاموتوافق رصين ووفق الانظمة والقانون
إنها الخلطة الإنجليزية المعتقة، والفلسفة العملية، والتفكير الدقيق، والتنفيذ المحكم،والتخطيط الاستراتيجي طويل المدى والذي لم يبقى منه اي بنود في مستعمرتها التيانفكت من قيدها وتحكمها .. ان الملكية البريطانية التي واجهت الحقوق المدنيةبالاستجابة لها مع الماجنا كرتا (Magna Carta)، عادت وواجهت الإصلاح الديني،باحتوائه فغدا الملك رأس الكنيسة، والدولة معا،هل تعلم مليكتنا السابقة والتي رزحت علياكتافنا وسلبتنا حريتنا ان ذهب السودان بات مستهدفا وثرواته نهبت وارثه تمزق اربااربا .. ماذا كان سيكون ان كانت الخرطوم منذ ان غادرها المستعمر قد حافظت علي التوازن، والدقة، التخطيط، والتنفيذ، وكل تلك الخلطة البريطانية الرصينة التي اورثها لهاالمستعمر الذي لم يترك خلفه لا تطرف، ولا عنصرية ولا كراهية ، ولا قسوة، ولا ذمم ضيقةومهما يكن حجم ما يرتكب فالمهم ان تبقى الأيدي نظيفة.. أين يا ترى الايادي النظيفة .. هلكانت الملكة تعلم ان مستعمرتها السابقة لا أيادي نظيفة بها اليوم وان تلك البلاد باتمواطنها يتوجع ويتوجع .. بل غشاه الجوع والعطش ايضا ..وأنهره تدفقت وفاضت .. ومنازل سكانه تدمرت وفقد ارواحا برئية كانت تشرئب باعناقها للغد المشرق الذي سودهحكامهم ..
صحيح يمكننا ان نقول ان آثار الاستعمار لا يمكن محوها، وإن كان يمكن ترميمها بكلمةمن صاحبة الجلالة ذات المكانة والاحترام التي تعد مخالفتها في ثقافة الإنجليز أمراعظيما… نعم، كان يمكنها رفض شن الحرب هنا ومداواة آثارها هناك؛ لكنها أبقت الأمر بيدرئيس وزراء جلالتها لتحافظ على تقاليد الملكية ويبتلى هو بتبعات السياسة التي ابتليتبها مستعمراتها المنفكة من قيودها ..
إليزابيث الثانية، حكاية ملكة، وأُم وايقونة شاهدت نشأة دول في عمرها المديد، وسقوطالدول ذاتها، رأت الحروب تندلع، وتنتهي، والأيديولوجيات تنشأ، وتدمر وتزول لكنها لمتتدخل طالما جنودها غادوا مستعمراتها وتركتها لمواطنيها اللذين بذاتهم باتوا ينخرونفي حقوق اهلهم وذويهم .. بل انها رأت العائلة المالكة البريطانية ذاتها تواجه المشاكلوالمشاكسات والانتقادات لكنها لم تتدخل لانها احتفظت برباط جاشها وسريان قوانينها .. اليزابيث عاصرت التقنية الحديثة تغزو العالم، وتغير المفاهيم والقيم وهي تبتسم، ولاتتدخل كثيرا كما يتحدث ويتشاكس من يطلقون علي انفسهم قادة وحكام ورؤساء احزابوطوائف وصوفية وجنجويد ومقطوعي الطاري .. انها فقط ، معتمرة قبعتها الانيقة ذاتالالوان الفاقعة ومحتفظة بأناقتها وعطرها الياسميني ..
لانها ارادت ان تكون غير مستعمرة لسودان لا قوس له ولا قارب ينقذه مما اوقعه به أبناءهليبدأ عهدا جديدا … وها هو الرئيس البرهان يغادر لتمام العدد للعزاء أبى من أبى ورضىمن رضى ولك الله يا سودان .
عواطف عبداللطيف
Awatifdersr1@gmail.com
--
Awatif Abdelatif

 

آراء