ماذا لو كان منفّذ هجوم أريزونا مسلماً؟ … بقلم: هاشم بانقا الريح
hbrayah@yahoo.com
تساءلت أكثر من مرة, وأنا أقرأ أو أسمع التغطيات الإخبارية للصحافة الغربية بوجه عام والأمريكية على وجه الخصوص لحادثة إطلاق النار على حشد ضم عضو في الكونجرس الأمريكي في ولاية أريزونا Arizona يوم الثامن من شهر يناير الحالي، تساءلت: ماذا لو كان منفذ العملية مسلم؟ كيف كانت ستكون عناوين الأخبار الصحفية، والتقارير والتحليلات الإعلامية التي أعقبت الحادثة؟
وفي ظني أن هذه تساؤلات مشروعة وسط ما ظل يتردد بشكل واسع في الإعلام الغربي من هجوم ساخر على الإسلام والمسلمين، بلغ أوجه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، واستمر في بلوغ مستويات عالية وغير مسبوقة بعد أي هجوم أو إعتداء يقوم بتنفيذه شخص أو جماعة يشتبه في إنتماءها للإسلام.
كانت تغطيات وعناوين وسائل الإعلام الأمريكية لمحاولة جاريد لوفنار Jared Loughner، اغتيال عضو الكونجرس جابرييل جيفوردس Gabrielle Giffords، والتي أصيبت إصابات بالغة وما زالت في حالة حرجة حتى الآن، على العكس تماماً من تغطياتها وعناوينها المعهودة عند حدوث هجوم يتورط فيه أشخاص يشتبه مجرد الاشتباه بأنهم مسلمين. وقد أدى الهجوم إلى جرح ومقتل عدداً من الأشخاص من بينهم القاضي الفيدرالي جون رول John Roll والطفلة كريستسنا تيلور جرين Christina Taylor Green، البالغة من العمر 9 سنوات.
وعلى الرغم من أن هذه الحادثة تعد بالمقاييس الأمريكية حادثة إرهابية، إلا أن تعامل وسائل الإعلام، وحتى المسؤولين السياسيين معها، كان أبعد من وصفها بذلك، بل إن بعض العناوين والتغطيات كانت لينة، وتحمل الكثير من مضامين التسامح. فعلى سبيل المثال لم يحمل أي عنوان من عناوين الصحف الأمريكية، التي اطلعت عليها على الأقل، إشارة إلى أن المهاجم إرهابي، وبالتالي لم تُشر إلى إنتماءه الديني، كما دأبت هذه الصحف في التركيز على هذا الإنتماء عند تورط مسلمين في مثل هذه الهجمات. وجاء عنوان وكالة اسوشيتيد برس Associated Press في تقرير لها عن الحادثة يوم 10 يناير: (متهم أريزونا يمكن أن يواجه القتل نتيجة الهجوم القاتل Arizona suspect could face death in deadly attack). وعن منفذ الهجوم، لم تورد الوكالة إلا جزء مختصر عن تعليقات بعض أصدقاءه، وعن تصريح لمسؤول عسكري في واشنطن قال إن الجيش الأمريكي رفض قبول منفذ هجوم أريزونا " جاريد لوفنار" عام 2008م لأنه أخفق في اختبار الكحول أي أن نسبة الكحول في دمه كانت أعلى من المستوى المسموح به كشرط للقبول في مثل هذه الوظائف. وهذا هو الجانب السلبي الوحيد الذي أوردته عنه، وفي نفس الوقت رفض المسؤول العسكري ذكر اسمه للوكالة. ولعل القارئ يتخيّل ثانية ما إن كان منفذ هذا الهجوم، الذي راح ضحيته عدد من الأشخاص، مسلماً. إذا كانت الحال كذلك لكنا قرأنا وسمعنا عن تاريخ المعتدي، وتاريخ أسرته منذ ولادته، وحتى ربما الأطعمة التي يحبها، والمدارس التي درس فيها، والمؤثرات التي تعرض لها، والجهات أو الأشخاص الذين أثروا فيه. ويعقب كل هذا التعرض للإسلام والمسلمين، والجهاد، وكراهية الآخر. وكانت نفس الوكالة قد نشرت خبراً يوم 9 يناير بعنوان: (متهم الهجوم على عضوة الكونجرس تصرف بمفرده Suspect in attack on congresswoman acted alone
المدهش في الأمر، وهو ما يعزز ما ذهبت إليه من عدم حيادية وسائل الإعلام الأمريكية، بل وتحاملها المتعمد في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ما أوردته هذه الوسائل عن حادثة "محتملة" ، وآمل من القارئ الكريم أن يتأمّل جيداً كلمة "محتملة" هذه، وهي ترتبط أيضاً بولاية أريزونا ويعود الخبر عنها إلى عام 2007م. وسأورد مثالاً واحداً للمقارنة بينه وبين خبر حادثة 8 يناير التي أشرت إليه. أوردت "فوكس نيوز Fox News" يوم 27 نوفمبر 2007م" خبراً يحمل العنوان التالي: "وفقاً لتقرير: إرهابيون إسلاميون يريدون مهاجمة قاعدة الولايات المتحدة في أريزونا"، وكانت محطة فوكس نيوز تشير إلى تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI.
وبالعودة إلى هجوم أريزونا في الثامن من يناير الحالي، أود التأكيد على أنه لم تتم وصف هذا العمل بأنه إرهابي، بل حاولت الصحف التخفيف من حدة ما حدث، فأوردت، من بين أمور أخرى هدفت للتخفيف من آثار وتداعيات هذه الحادثة، اعتذار عائلة منفذ الهجوم.
وأوردت صحيفة نيويورك تايمز New York Times مقالاً صبيحة يوم الحادثة أي يوم 9 يناير، حمل العنوان التالي:(ضحايا إطلاق النار ). وبدأ المقال بهذه الجملة: (قتل مسلح 6 أشخاص وجرح 14 عندما أطلق النار خارج أحد المتاجر في مدينة تاكسون Tucson بولاية أريزونا عندما كانت عضو الكونجرس جابرييل تلتقي بناخبيها.)
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست Washington Post" مقالاً صبيحة الحادث أيضاً أي التاسع من يناير جاء تحت عنوان: (كريستينا جرين حفيدة دالاس جرين تلقى حتفها في إطلاق النار الذي وقع في أريزونا.)
وبعد.. فالقليل الذي ورد أعلاه يشير بما لايدع مجالاً للشك لتعامل الإعلام الأمريكي مع نوعية الأحداث، وتلونه وفقاً للجهات أو الجهة التي تتورط فيها.. وهي إشارات أيضاً إلى أن الحياد والنزاهة والأمانة هي أمور وقيم لا سبيل لها عند الحديث عن تغطية وسائل الإعلام الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً لكل ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة.