كفى بك داءً
تساءل ستيفن سميث في كلمة بنشرة لندن للكتب عدد 7 فبراير الجاري، "ماذا يفعلون في مالي؟"، يقصد الحملة العسكرية الفرنسية ضد القوى المسلحة شمال مالي. قارن سميث بين موقف فرنسا قبل عشرة أعوام في مجلس الأمن عندما عارض وزير خارجيتها دومنيك دو فليبان الغزو الأميركي للعراق وموقف رئيسها فرانسوا هولاند اليوم يدعو حلفاء فرنسا إلى القتال الصحراوي لحفظ حق الشعب المالي في الحياة الحرة والديموقراطية، كما قال، فما الذي جد على المخدة؟ كتب دومنيك دو فليبان في مناسبة قرار هولاند الحرب في مالي: "فلنستخلص الدروس من الحروب الخاسرة في أفغانستان والعراق وليبيا... نحارب في مالي على عمى تعوزنا الأهداف الواضحة، كما نحارب لوحدنا لغياب شريك مالي يعتد به. أطيح برئيس البلاد في مارس الماضي، وبرئيس الوزراء في ديسمبر، الجيش المالي منقسم على نفسه، وقد انهار تماما، فعلى من نستند؟"
قدر المسؤولون الفرنسيون أن الوضع في مالي قد تدهور لدرجة لا صبر معها، خاصة وقد تبقت تسعة أشهر على تاريخ انتشار قوة غرب افريقية تحت لواء الأمم المتحدة، على أمل أن تحفظ هذه القوة سلاما متفاوضا عليه بين الحكومة الانتقالية في باماكو وقوى الطوارق المسلحة شمال البلاد. عقدت حكومة باماكو محادثات مع فصيلين من الطوارق، انفصاليون يقودهم بلال أغ شريف و"أنصار الدين" السلفيون المقاتلون، بوساطة من بوركينا فاسو. انتهت المحادثات إلى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 4 ديسمبر الماضي سرعان ما انهار بسيطرة الحلف بين محاربي الطوارق الإسلاميين وضيوفهم من "المجاهدين" الأجانب على مجريات الأمور. عندما هدد المسلحون المطار القريب من مدينة موبتي، ما كان سيتيح لهم استقبال المعونات عبر الشحن الجوى، قررت باريس "الفزع". لا تنطبق على حملة فرنسا في مالي، بحسب سميث، السمات التقليدية للفرانك – آفريك، العقيدة التي تسم سياسة فرنسا في مستعمراتها الافريقية السابقة: هولاند لا تجمعه صلة حميمة بحاكم باماكو، وهذا لم يمول سرا حملة الحزب الاشتراكي الفرنسي الانتخابية؛ عدد المغتربين الفرنسيين في مالي قليل، والشركات الفرنسية ضعيفة النفوذ، كما أن دبلوماسية مالي لا تتبع الخارجية الفرنسية كما تتبع زهرة عباد الشمس نجمة النهار في عبارة سميث.
حكى سميث قصة لقاءه بقائد الحركة الوطنية لتحريرآزاواد، بلال أغ شريف، في ديسمبر الماضي بالعاصمة الفرنسية. أعلن شريف استقلال الطوارق بدولة تخصهم شمال مالي في 6 أبريل العام الماضي بعد عودته من الحضن الليبي بمؤونة حرب من السلاح فهبت لنصرته قوى جهادية أممية تريد الشراكة في الدولة الجديدة، بما في ذلك القاعدة في المغرب الإسلامي، وهي في الواقع مليشيا جزائرية ذات جذور في الجماعة السلفية للدعوة والجهاد إدعت عام 2007 صلة بالقاعدة ست الإسم، يتزعمها مختار بلمختار ويقود فرعها المالي رجل إسمه أبو زيد. اشتهر الإثنان بتهريب السلاح عبر الصحراء حتى أن الأول يكنى "السيد مارلبورو". فسر سميث صعود هذه المليشيات بالتحولات في الاقتصاد السياسي للصحراء من تجارة الملح الصخري والذهب إلى تهريب السجائر والسلاح والمخدرات والسمسرة في الرهائن الأجانب. ما إن بدأ الميزان في الانقلاب حتى عرض شريف في ديسمبر خدماته على باريس قائلا: "يمكننا أن نحارب معكم على الأرض فنحن نعرف المنطقة جيدا"، وفي البال لا بد خوفه من حملة انتقامية تستهدف الطوراق ويؤججها النزاع على الأرض المنحسرة بسبب التصحر، نزاع طرفاه الطوراق الرحل وجيرانهم المقيمين في مناطق التماس بين الإثنين، جنجويد وتورا بورا.
Magdi El Gizouli [m.elgizouli@gmail.com]