ما بالُكم وأصحاب الأيدي المتوضئة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
من رسائل النور والظلام
alkanzali@gmail.com
عجبتُ وسيزدادُ عجبي، فقد أذهلنا أهل الإنقاذ وارونا إلا ما يروا. وعجبي كاد أن يتحول لإعجابٍ في قدرتهم ومقدرتهم الإبداعية في تجديد مفردة اللغة العربية ذات المدلول الإسلامي، وإلباسها لبوساً حسناً ما سبقهم بها أحد من العالمين.حتى عبد الملك بن مروان الذي اشتهر بعلمه وفصاحته وحبه لتلاوة كتاب الله بمسجد رسول الله عندما كان والياً للمدنية، فلما بلغه اختياره أميراً للمؤمنين خلفاً لأبيه، ساعتها كان يتلو كتاب الله فطواه وقال قولته الشهيرة : “هذا آخر عهدي بك”. وقد كان صادقاً.
أما أهل الإنقاذ نسمع عنهم أن لهم ختمة جماعية كل شهر في مساجدهم التي يأون إليها كما كأن يأوى عبدالملك لمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنهم أكثر الناس صياماً ليومي الأثنين والخميس. لذا عَرفوا أنفسهم بأصحاب الأيادي المتوضئة. فأصحاب الأيادي المتوضئة قمم لا يستطيع قلمي الإرتقاء لشواهقها ولو أتخذتُ سلماً إلى السماء، فذلك أمر إن وردتُ ماءه فلن أجدله طلباً، لأني سأجد منهم إعراضاً. لهذا لم يكن أمامي إلا أن أتخذ نفقاً في الأرض لأتجه نحو اصحاب الأيادي (المتيممة). وما استباح هؤلاء لأنفسهم التيمم بصعيد الأرض لإقامة صلاتهم إلا عملاً بفقه السترة،لأنهم يقعون في المرتبة الأدنى في السُلم الإنقاذي، لهذا أصابهم الفقر لقلة مواردهم وحجب البترول عنهم، فعملوا بفقه السترة، وأجازوا لأنفسهم التيمم بصعيد الأرض والسعي فيها فساداً.
وعندما فاحت رائحة نتنة من صعيد تميمهم، ما كان للوالي من بد إلا أن يطلب تكوين لجنة تحقيق كشفت لنا عن ساقين تقوم عليهما بعض مفاسد ولاية الخرطوم لموظفين بمكتب الوالي. فكان لجهدما المقدر في خدمة الشعب الطيب أهله أن حصلا على أكثر من 17 مليون جنيه، لموقعهما اللصيق بوالي ولاية الخرطوم، مما سمح لها أن يتيمما شطر اراضي الولاية، فاستغلا غفلة الوالي على حد تعبيره مبرراً سؤ فعلمتهما. ولمن أراد أن يلق السمع وهو شهيد أقول أطال الله ظل قارئ العزيز، أن يفهم أن هذا فعل رجلان من أدنى رجالهمُ، فما بالك بفعل العصبة أولى القوة منهم؟ (امسكو الخشب) وفي رواية آخرى امسكوا عن الكلام غير المباح؟ ألم أعترف بأن قلمي لا يستطيع أن يطال شواهق الإنقاذ؟ ألم اقل لكم أن أهل الإنقاذ لا يرونا إلا ما يروا؟ ففقه السترة عندهم على مذهب الإمام (...) الزم لجنة التحقيق أن تتعجل وتؤدي مناسكها في يومين، حتى تخرس الألسن والإعلام والأقلام، ويطوي الناس سيرة فساد مكتب الوالي (خلوها مستورة)، ليتفرقوا لما هو أكثر أهمية واهتماماً،خاصة والأيام القادمات حبلى بمباريات الهلال في المنافسة الأفريقية.
يبدو أنه قد فات على لجنة التحكيم مدلول حكم سليمان (ففهمناها سليمان) وكان فهمُ سليمان متقدماً على فهم أبيه داؤد في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم. وبما أننا شعب جهول لا يرى إلا ما يراه حاكمه، فلم تر لجنة التحقيق من حرج أن تستخدم مفردة اللغة العربية ذات المدلول الفقهي وتقول أنها عملت بفقه السترة، الذي يستدعي استرجاع المال المنهوب والمسلوب دون عقاب؟!لأنهم لو حكموا بفقه الشريعة لكان عقاب هؤلاء أن يقطعوا من خلاف، لأن فعلتهم تجاوزت حد السرقة إلى فساد في الأرض. وهو فساد الدولة فضرره يقع على الأمة أو جزء منها. ولكن أمر جزاء كهذا لا يليق أن يُلحق بمثل من انتمى للمؤتمر الوطني، لأن الإنتماء للمؤتمر الوطني جنسية مرادفة ومتميزة على الجنسية السودانية،تعطي صاحبها تميزاً وانفراداً على سائر السودانيين. لهذا يسارع بعض أهل السودان لنيل البطاقة،ليفسدوا في الأرض، فإن كشف فسادهم ففقة السترة بطاقة (فيتو) يتم ابرازها فتدرأ عنهم العذاب،حتى فكرة أن يقدم للمحاكمة دع أن يحاكم.
نعود لحكم سليمان الذي برع فيه وهو يقول: (أن على صاحب الزرع أن ينتفع من الغنم التي نفشت فيه). وسؤالي للجنة التحقيق هذا ان اقررنا بصحة حصرها للثروات المنهوبة، وتعجلها في الحكم ولكن ما دَرَهُمْ نسوا وتناسوا أن ينتبهوا لما اصاب المفسدين من منفعة للمال الذي تحصلا عليه طوال فترة نفوذهما؟ أليس في صحيحنا وصحيحهم (اي أهل الإنقاذ) حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخاطب صحابته ومن تشفعوا لديه في أمر المرأة المخزومية بصوت غضوبُ لله، فما كان صلى الله عليه وآله وسلم يغضبُ إلا لله،وهو يقول: “ إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”.
ثم سؤال أكثر برأة مما سبق: لماذا قطعت الشريعة التي ما زلنا نَحْتَكِمُ إليها يد محاسب مدرسة وادي سيدنا وغيره ممن وقع عليهم حكم القطع لدريهمات أصابوها. وها نحنُ ما زلناً نعيشُ تحت ظل نفس الشريعة ونفس القوانين، ورأينا المتعدي على المال العام تَكُفُ لجنة التحقيق أن ترفع دعوة ضده بتقطيعه من خلاف! وما كفت لجنة التحقيق عن المطالبة بإجراء الحد عليهما،إلا لأنهما اقرب مكانة لوالي الخرطوم؟ بل ذهبت اللجنة لأبعد من ذلك وامسكت حتى عن ذكر اسمائهما؟ في حين أن محاسب وادي سيدنا شُهِرَ به وغيره ليكون عبرة لمن يعتبر،وهو ما زال بين ظهرانينا غاضاً للطرف، حافظاً للفرج، كافاً للأذى في الطريق أوفي المسجد الذي اصبح فيه مؤذناً لا يفارق ساحته.ولكن رغم توبته وأوبته لربه الغفور الرحيم، كلما رايناه راينا علامة فعلته التي فعل وهو من الغافلين. أما هؤلاء فقد شاهد علامات تيمم أحدهما الأستاذ ضياء الدين بلال في مناسبة فرح حتى كاد أن يقول لنا الأستاذ ضياء أن وجه يضئ من التيمم، فما بالكم إن كان من أصاحب الأيدي المتوضئة؟لسحر الناس بنوره وضيائه، (والله الزول كان بقا نورو).
ألم يقل نبي الرحمة: أنه أهلك الله اللذين من قبلنا لأنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه،فها نحن يُهلكنا الله من بعدك يا رسول الله، في زماننا هذا، في بلدنا هذا.فنحنُ نعيش تحت سلطان وسلطة تشنف اسماعنا بقولهم: (هي لله) ولكن عندما سرق الشريف منهم تركوه، فهذا سبب هلاكناً ومَهْلَكَتِنْا.وأي هلاك أعظم من الذي نقاد فيه وإليه في يومنا هذا في شهرنا هذا في بلدنا هذا؟ فهلاك الأنفس شاهدناه في دارفور وغرب كردفان والنيل الأرزق ومواقع أخرى. وهلاك الثمرات خبرناه في مشروع الجزيرة ومشاريع الأعاشة بالنيلين الأبيض والأزرق حتى كادت أن تصبح صعيداً زلقاً، دع عنك المصانع الكبيرة والصغيرة والورش، فقد تحولت لمخازن لبضائع نافقة مثلها وثروتنا الحيوانية. أما السكة حديد لو سألت عنها الشباب الذين ولودوا في عهد ذوي العصبة،لأجابوك بأنها من أثار حضارة مروي، لأنهم ترعرعوا ونشأوا في بلاد لم يروا أو يسمعوا فيها عن القطار إلا من مغنيهم أحمد الصادق، في أغنيته الشهيرة (القطار دور حديدو). وبعد هذا يتسألُ الناس وكأنهم يجهلون: لماذا أصبح الدولار بما يزيد عن تسعة الف جنيه، وهم من الأسباب التي دفعتهم للحكم أن لا يصل الدولار لسقف الأثني عشر جنيهاً؟!
إن اراد أهل الإنقاذ أن يختموا حكمهم بما يطابق قولهم (هي لله) فعليهم (إقامة العدل)، وإني على يقين أن ليس من بينهم من هو قادر أو جدير وكفء بحمل الأمانة (إقامة العدل). لهذا فالأَولى بهم ليس قبول استقالة والي الخرطوم من منصبه، بل إقالته وإقالة حكومة السودان بأجمعها، على أن يترك الأمر لنا نحن الشعب الذي يَعُضُ على الظُلْمِ كما يَعُضُ الفطيم على مبهمه تسكيناً لمعدته الخاوية من كل طعام.وها نحنُ نعُضُ على ابهامنا تسكيناً لحياتنا الخاوية الخالية من كل عدل.
اللهم إني قد بلغتُ، اللهم فأشهد. (رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين).
////////