ما بين الحب والمكيدة، (ريجوليتو) هي المشهد الحقيقي للحياة التي نحياها

 


 

 

نعيش في هذه الحياة وكأننا مدعوون لحضور عرض أوبرالي، نعيش هكذا دون أن ندري أو نتوقع ما الذي سيحدث بعد إغلاق الستار على الفصل الأخير، إنَّ الحياة مسرح كبير، ومقاعد تملؤها وجوه كثيرة مختلفة، تفصلنا عن البعض منهم مقاعد، وتجمعنا بآخرين مقاعد، وكل ملامح من هذه الوجوه التي نلتقيها ونجبر على الجلوس معها معًا بنفس المكان ماهي إلا فقط أقنعة لربما تكون خلفها شخصيات رائعة وجميلة ومُسالمة، وربما تقع بعض الأقنعة ونكتشف أننا مخدوعون بها لأبعد حد، إن مسرح الحياة أشبه بكثير بالعرض الأوبرالي الشهير (ريجوليتو) والتي يمكن أن أسميها (أوبرا الحب والمكيدة).
ريجوليتو، عندما تخونك الحياة، ويخونك الأحباب، وتغتر بمكانتك، ويخذلك الجميع، إنها مسرحية الصراع بكل أشكاله، الفقر والغنى الفاحش، الألم والسعادة، الحياة والموت، مسرحية الطبقة الكادحة والطبقة الأروستقراطية المخملية، وكل ما يمكن أن يعترضك في هذه الحياة من مواقف وأحداث تعيد تشكيل ما أنت عليه، إنها الحياة بتجلياتها، رحيل وفراق، ألم ولقاء، أحداث مباغتة، ومصادفات رائعة، البقاء والخلود، وشخصيات متناقضة وكل ذلك يمكن أن نعيشه في الحياة التي نحياها، ضمن محطاتنا المختلفة، ورحلتنا الطويلة الشاقة التي نسير بها دون تحديد وجهة معينة، فجميعنا مهما مضينا في حياتنا وسلكنا الطرق برغباتنا ما هي إلا لحظة ونتوقف عندها، إما نعود للخلف أو نبقى نفكر لبرهة من الزمن نحو ما سنسير إليه.
عرض الحياة بتفاصيلها المختلفة، وتقلباتها غير المتوقعة، وتجلياتها العميقة، إنها رحلة طويلة جدا جدا، لكنها مليئة بالأحداث غير المتوقعة، عرض ريجوليتو هو العرض الساحر، العرض المدهش، العرض الرائع الذي يكتب النهاية بطريقة تراجيدية مشوقة، إننا أمام فصول ولوحة من الجمال، نشاهدها بمشاعرنا قبل أعيننا، إنها اللوحة المخلدة لمسارح العروض الأوبرالية هو العرض الذي يحمل في كل مواقف أبطاله ما يسمى (الكارما) التي لم تفارق تلك الشخصيات التي تسخر من بعضها البعض ليعيد القدر لكل منها الصاع، حيث تحدث العدالة فيجبر كل شخص منهم للجلوس في المقعد الذي أجلس غيره عليه، إنه العرض الأوبرالي الذي تعيدك فيه نهايتك حيث البداية، إنها السيمفونية الحزينة التي توصلك لقناعات مختلفة، وأهمها أنه كما تُدين تُدان، وأن الحياة في مجملها لعبة قدرية لا يمكن التكهن بها، وأن من يضحك كثيرا سيبكي أخيرا، إنه المشهد غير المتوقع، إنها نار المشاعر التي لا تنطفئ، إنها الدموع الحارقة التي لا تتوقف، إنها القصة التي يكررها التاريخ لنا .
ريجوليتو هي المشهد الحقيقي للحياة التي نحياها، إننا نبحث عن العدالة، الإنصاف، الحب، السلام، الأمان، الطمأنينة، إنها العالم اللامتناهي، إنها هذه الأيام والساعات واللحظات التي نعيشها أنفسنا، نحن بالأساس نعود للأصل دائما، الأصل الذي هو عبارة عن أنفسنا، وما يختلج ذواتنا من رغبات واهتمامات، إنها قصة كل من يقرأ كلمات هذه السطور، إنه المعترك الحقيقي الذي نحياه بيننا وبين أنفسنا، ونضطر لأن نشارك فيه الآخر ونتقبله كما هو ونتحمل في الوقت ذاته تقلباته .
تمسكوا بالحُب .. ليس هناك أسمى من شعور مثل الحُب، فذلك الدفء الذي يُداعب القلب ويبعث بموجات من السعادة في خلايا المخ، ويسري كالدماء في شرايين الإنسان، ويرفع من معنويات الروح، لا يُمكن أن يُضاهيه شعور، وفي كل مناسبة وفي كل تحدٍ يتعرض له الإنسان، لا بديل عن الحب لتجاوز التحديات والأزمات .
تمضي بنا الأيام في رحلة الحياة ونحن لا نملك سوى الحب، الحب الذي يمنحنا إياه أهلنا وأصدقاؤنا، الحب الذي نشاطره مع الإنسان الذي عشقناه من أول نظرة، الحب الذي دقَّ أبواب القلب وفي كثير من الأحيان دخل دون استئذان، الحب الذي يظل يكبر ويكبر رغم البُعد ورغم الرحيل، الحب الذي يظل مُمسكُا بتلابيب الفؤاد حتى لو قسى علينا الحبيب. لستُ هنا في معرض الحديث عن كيفية التعامل مع من نُحب، بقدر ما أريد أن أوضح لكل من يقرأ هذه السطور، أن الحب هو الشعور الوحيد الصادق في هذه الدنيا، فإننا عندما نحب نعشق ونغفر ونسامح ونقترب ونمنح ونقدم الرعاية والحنان لمن نحب. الحب هو بذرة الخير التي نغرسها في قلوبنا كي نظل نُعطي دون سؤال، ونرعى بكل اهتمام. الحب شعاع النور الذي يضيء قلوبنا ويقضي على عتمة الخواء العاطفي، فيمنحنا الطاقة والإرادة والعزيمة على القيام بكل ما يُمكننا فعله كي نظل على قيد الحياة مصدرًا للبهجة والسعادة والأمل لكل من يعيش معنا ونعيش لأجله .
الحب هو الطريق الوحيد للخلاص من مآزق الحياة.. هو السبيل الأوحد نحو الأمل الممزوج باليقين في الغد المشرق.. هو المساحة الحقيقية التي نجد فيها آدميتنا.. هو التفاصيل التي تلامسنا، ولو أردنا أن نعرف ما الذي يعنيه الحب، فليس هناك شهادة خير من نظرة حانية من أم رؤوم، وأب حنون، وعاشق مُتيم في هوانا، وصديق يجسد أجمل معاني الصداقة والوفاء والإخلاص .
إننا عندما نراجع حياتنا، نجد أن فعل الحب فعل راقٍ، وكل ما نقدمه بحب يعود علينا بنفس درجة الحب الذي قدم به.. إننا نعيش الحياة نبحث فيها عن أناس صادقين، يهتمون لمشاعرنا، ينتقون كلماتهم معنا، يؤمنون بأنَّ الكلمة سلاح فتَّاك أو وردة رقيقة، والحياة لا يمكن أن تكون عبثية؛ بل إننا نحيا فيها كي نُمارس كل القيم النبيلة، والحب أحد أهم هذه القيم التي لا يجب أن نغفلها.
علينا أن نجدد علاقتنا ببعضنا البعض، وأن نقدم الحب كفعل حقيقي بين البشر، وأن نسعى لرسم السعادة على محيا كل من نلتقيهم كل يوم، علينا أن نقدم ما بوسعنا لنقدم الحب للآخر، الحب بكل ما تعنيه الكلمة.. وقبل كل شيء، علينا أن نحب أنفسنا كي نتمكن من التعبير عن حبنا للآخرين، وأن ننشره في أرجاء الأرض، فتتحول حياتنا إلى جنات وارفة الظلال، لا ساحات للصراع والعراك.
الحب محبة وإخلاص وتفانٍ وعمل.. فاخلصوا لأحبائكم، وتفانوا في التعبير عن حبكم لهم، واعملوا بكل حب من أجل أن يحيا الجميع في حبٍ وسعادة يحفهما دفء المشاعر

mido34067@gmail.com
///////////////////////////

 

آراء